أثار قرار جماعة الحوثي إعدام 30 ناشطا سياسيا يمنيا معتقلين لديها منذ أعوام، ردود فعل وتساؤلات حول أبعاد هذا القرار، ومدى وجاهته من الناحية القانونية.
وكانت محكمة خاضعة لسيطرة الجماعة في صنعاء أقرت، الثلاثاء، بإعدام 30 ناشطا سياسيا اعتقلوا قبل 4 أعوام، بتهم “القتل العمد، والتفجير للأموال الثابتة والمنقولة العامة والخاصة، والشروع في القتل، وحيازة المفرقعات”.
قانونيون اعتبروا قرار الإعدام بأنه منعدم الصفة القانونية، وصادر من محكمة لا ولاية لها.
محاكمة سياسية
ويرى الخبير القانوني اليمني، عبد الرحمن برمان، أن الحكم الذي أًصدرته المحكمة الجزائية في صنعاء “منعدم من الناحية القانونية”، باعتباره صادرا من محكمة سبق أن أصدر مجلس القضاء الأعلى ( أعلى سلطة قضائية باليمن) قرارا بنقل صلاحياتها إلى المحكمة الجزائية في محافظة مأرب، شرقي البلاد.
وأضاف برمان أنه بناء على ما سبق، فإن الحكم صدر من محكمة لا ولاية لها، ولا أساس قانونيا له.
وبحسب برمان، فإن “الجماعة الحوثية تسعى من خلال الأحكام القضائية أن تظهر نفسها كدولة، لكنها تناست الأسلوب الهمجي الذي تدير به المحاكمات، حيث تم اعتقال المحامين داخل الجلسات، وتعرّض المعتقلون إلى الاعتداءات، ومحاكمة بعضهم غيابيا مثل الأكاديمي يوسف البواب، حيث تم استبعاده من حضور الجلسات؛ بسبب جرأته وقوة حجته أمام القاضي”.
وأشار إلى أنه “لم تتوفر حتى أدنى وأبسط قواعد المحاكمة العادلة، لذلك فإن ما جرى هو عبارة عن محاكمات سياسية لأكاديميين وناشطين سياسيين ودعاة وطلاب اختطفوا من منازلهم ومن الأسواق ومن مساجدهم في صنعاء”.
وذكر المستشار القانوني اليمني أن الحوثيين يريدون تحقيق مكاسب سياسية من خلال هذه المحاكمات، وإصدار أحكام إعدام لعدد كبير من المعتقلين؛ حتى يتمكنوا من المقايضة في حال أي مفاوضات سياسية.
قضاء مختطف
من جانبه، قال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين الذين أصدرت المحكمة الحوثية قرارا بإعدامهم، عبد المجيد صبره، إن الحكم لا يتمتع بأي وجاهة قانونية.
وأضاف صبره، إن ما قدمناه من دفوع قانونية وردود كانت كافية لإلغاء جميع التهم الموجهة لهم.
وأوضح صبره أن القضية سياسية، والقضاء مختطف من قبل الحوثيين، “وقد أبلغت قاضي المحكمة عدة مرات في قاعة الجلسات بذلك”.
وأشار المحامي اليمني إلى أنه كان لافتا الروح التي حضر بها المعتقلون إلى قاعة المحاكمة، حيث كانت معنوياتهم مرتفعة، وافتتحوا الجلسة بالنشيد الوطني بمجرد دخول القاضي قاعة المحكمة، وظلت تلك الروح كما هي حتى بعد النطق بالحكم، فقد ردوا عليه بالنشيد الوطني أيضا.
جريمة يندى لها الجبين
وفي سياق ردود الفعل، أعربت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة المعترف بها عن إدانتها بأشد العبارات الأحكام التي أصدرتها ما وصفتها مليشيات الحوثي الانقلابية على 30 مختطفا لديها منذ ثلاث سنوات بالإعدام.
وقالت الوزارة في بيان لها، نشرته وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” الثلاثاء، إن “هذه الأحكام صدرت بعد أن مارست الجماعة الحوثية ضدهم خلال فترة اعتقالهم أساليب تعذيب وحشية نفسيا وجسديا، لتنهي ذلك بهذه المحاكمة الصورية الهزلية من قبل محكمة منعدمة الولاية، بحسب قرار مجلس القضاء الأعلى”.
ووصف البيان حكم الإعدام بـ”الجريمة التي يندى لها جبين البشرية، وبتهم ما جاء الله بها من سلطان على أناس مدنيين اختطفوا من بيوتهم، وظلوا في حالة إخفاء قسري، ليتم إظهارهم بعد ذلك في المعتقلات الوحشية للمليشيا”.
وطالبت وزارة حقوق الإنسان المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمبعوث الأممي إلى اليمن بسرعة التحرك لإنقاذهم.
حكم منعدم قانونا
وفي السياق ذاته، أدانت منظمة “سام” للحقوق والحريات الحكم الصادر من المحكمة التابعة للحوثيين بإعدام 30 معتقلا فيما يعرف بـ(قضية الـ36، نصر السلامي وآخرين).
وقالت “سام” ومقرها جنيف، في بيان لها، إن “الحكم الذي أصدرته المحكمة التابعة للحوثيين هو حكم منعدم قانونا، كونه صادرا عن محكمة فقدت صفتها القضائية بموجب قرار صادر عن مجلس القضاء الأعلى، فضلا عن الإخلال بمبادئ المحاكمة العادلة.
وأكدت المنظمة أنها رصدت مخالفات جسيمة أثناء جلسات المحاكمة المزعومة، تمثلت في “انتهاك أبسط القواعد القضائية الضامنة لنزاهة المحاكمة، وحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم، وتهديد واعتقال محاميهم داخل جلسات المحكمة، ورفض تسجيل طلباتهم، فضلا عن الاستجابة لها، وتعذيب المتهمين خلال فترة المحاكمة، بل وفي القاعات المجاورة لقاعة المحكمة وأثناء انعقاد الجلسات، بالإضافة إلى تغييب الدكتور يوسف البواب عن حضور الجلسة الأخيرة التي حجزت فيها القضية للحكم، وهي الجلسة التي أرغمت فيها المحكمة هيئة الدفاع بالرد على “تقرير المعمل الجنائي” الذي قدم مكتوبا في خمس أوراق، وألزمت المحكمة فريق الدفاع بالرد عليه خلال ساعة واحدة، ورفضت طلب المحامين بمنحهم فرصة للاطلاع والرد عليه، كما استمعت إلى رد النيابة في الجلسة نفسها، وحجزت القضية للنطق بالحكم، دون النظر لطلبات المتهمين وفريق الدفاع، وهو ما يشكل انتهاكا صريحا وواضحا لقانون العدالة الجنائية، وقواعد المحاكمة العادلة”.
ووفقا للمنظمة، فإن “الأحكام الصادرة عن محاكم مليشيا الحوثي هي أحكام لا قيمة لها، بل إنها تشكل جنايات في سجل أصحابها من منتحلي الصفات الرسمية للقضاة وأعضاء ورؤساء النيابة وغيرهم من الجناة”.
ولم يعد حكم إعدام 30 ناشطا سياسيا معتقلا لدى الحوثيين هو الأول من نوعه، بل سبقه أحكام مماثلة، منها ما صدر في أيلول/ سبتمبر، وأيار/ مايو، ونيسان/ أبريل من عام 2018، حيث قضت المحكمة ذاتها بإعدام 14 شخصا بتهم التخابر وإعانة التحالف الذي تقوده السعودية، والاشتراك بعصابات مسلحة تابعة لتنظيمي “القاعدة” وتنظيم الدولة في محافظة البيضاء، وسط البلاد.
وفي آذار/ مارس عام 2017، قضت المحكمة بإعدام الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، وستة من كبار معاونيه غيابيا، بتهمة الخيانة وانتحاله صفة رئيس الجمهورية منذ 21 شباط/ فبراير 2015.
*عربي21