بعد اندلاع الربيع العربي في موجته الأولى عام 2011، يقول مراقبون: إن أبوظبي شهدت تحولا نوعيا في دورها المحلي والإقليمي، وأخذت تقود الثورة المضادة في سبيل درأ انتقال المطالب العربية الشعبية إلى الإمارات. ولتحقيق ذلك، دعمت نزاعات داخلية في دول الربيع العربي وخاصة في مصر وليبيا واليمن، وغيرها.
فبعد نحو 5 سنوات من حربها في اليمن، ودعمها لمليشات حفتر في ليبيا، شهد مشروع أبوظبي حدثين بارزين خلال الساعات القليلة الماضية: انسحاب قوات إماراتية من عدن، واندحار مليشيا حفتر من “غريان” غربي طرابلس والكشف عن وجود أسلحة إماراتية متطورة مع المليشيات المهاجمة لطرابلس. فما الذي حدث، ولماذا الانسحاب من عدن، وهل لمحمد بن راشد دور في قرار الانسحاب؟! وهل انتكس مشروع أبوظبي في المنطقة أم أنها مستمرة بغض النظر عن استمرار الخسائر؟!
الانسحاب من عدن
من كان يراقب ويتابع السلوك العسكري والأمني في عدن والمدن اليمنية المحررة الأخرى، يدرك أنها كانت تؤسس لتواجد طويل الأمد وأنها تعاظم استثماراتها الأمنية والعسكرية من خلال تدشين بنية أمنية وعسكرية موالية لها، ليس من أجل محاربة الحوثيين وإنما من أجل مواجهة حكومة هادي، بحسب ناشطين يمنيين حتى قبل أيام كانوا يصفون مشاركة الإمارات في التحالف بأنه “احتلال”.
لذلك، كان من المفاجئ للمراقبين توارد أنباء انسحاب دبابات وقوات إماراتية من عدن تحديدا.
تنوعت التحليلات والتكهنات في قراءة هذا الانسحاب، بين من ربطه بالتوتر في المنطقة وخاصة مع إيران في الآونة الأخيرة، وبين من رأى أنه انسحاب تكتيكي يستهدف تحسين صورة أبوظبي، بحسب مسؤول يمني حكومي تحدث لموقع “الجزيرة نت”، إضافة إلى تخوف أبوظبي من عمليات انتقامية أو انتفاضة يمنية شعبية إثر تصاعد الانتقادات اليمنية شعبيا ورسميا خلال الأيام القليلة الماضية.
غير أن أبرز التفسيرات التي يمكن توثيقها، ما قاله “مسؤول إماراتي رفيع”، لوكالة رويترز من أن هذه الخطوة لا تمثل إعادة انتشار أو انسحاب للقوات الإماراتية في اليمن، مشيرا أن هذه التحركات لها علاقة بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة، الذي تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي برعاية الأمم المتحدة.
وإلى جانب أن المراقبين شككوا فيما ذهب إليه المسؤول الإماراتي، قالوا إن مصادر عديدة أكدت أن نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد مارسها على ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
فبحسب الباحث السياسي اليمني عدنان هاشم، فقد قال إن أبو ظبي تتعرض لضغوط داخلية هائلة من أجل وقف سياستها الخارجية التي تقودها في المنطقة من قِبل حُكام وشيوخ باقي الإمارات.
ويضيف هاشم: “يلاحظ أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد كرر أكثر من مرة خلال الفترات الماضية الحديث عن تأثير القرارات السيئة للحكام على الاقتصاد، وذلك في الوقت نفسه الذي تبدو فيه باقي الإمارات غاضبة لأن معظم القتلى في حرب اليمن هم من أبنائها وليس من أبو ظبي، وهو ما يجعل تلك الضغوط حقيقية من أجل عودتهم”، على حد قوله.
أما صحيفة “راي اليوم”، فقد قالت: مصادر مطلعة أكدت أن “محمد بن راشد” لعب دورا كبيرا في قرار الانسحاب. وزعمت المصادر أن محمد بن راشد عقد اجتماعا مع محمد بن زايد، وأكد فيه أن “دبي غير مستعدة لدفع ثمن كبير جراء إقدام الحوثيون على استهداف مراكز حيوية في دبي ردا على مشاركة الإمارات في الحرب”.
ويقول المصدر : أن محمد بن راشد “ذهب إلى حد التلويح بالخطر على وحدة الإمارات إذا ما استمرت السياسية الإماراتية تجاه اليمن على هذا النحو”، على حد زعمه.
هزيمة غريان
وفي ساحة أخرى، وفي الساعات القليلة الماضية، أحكمت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية سيطرتها على مدينة “غريان” غربي طرابلس وهي مركز متقدم وخط إمداد لمليشيا حفتر، وعثرت على أسلحة إماراتية وأميركية.
وعقب السيطرة على غريان، قالت قوات حكومة الوفاق إنها عثرت على أسلحة متطورة أميركية وإماراتية تركتها قوات حفتر. وأظهرت صور من المدينة أسلحة في صناديق كتب عليها أنها من دولة الإمارات.
وكان من اللافت للانتباه، وبالتزامن مع استعادة “غريان”، اعتراف وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش بدعم أبوظبي لمليشيات حفتر، وذلك في مقابلة مع صحيفة “لا ريبابليكا” الإيطالية رغم دعم روما لحكومة الوفاق لا مليشيا حفتر!
ماذا بعد؟
في الأثناء ورغم الانسحاب من عدن وانكسار مليشيا حفتر في طرابلس، ورغم التوتر المتزايد مع إيران، أكدت دولة الإمارات المضيّ فيما أسمته “التزامها نحو الدفاع عن أمن المنطقة والتصدي للإرهاب بكل أشكاله وأنواعه”، وهو ما زعمه محمد أحمد البواردي وزير دول لشؤون الدفاع خلال مشاركة الدولة في اجتماع وزراء دفاع «ناتو»، في بروكسل. وهو ما يعني أن أبوظبي مصرة على المضي بطريق التدخل في شؤون الدول الأخرى وتمويل الصراعات والحروب الأهلية والاستثمار في هذه الأوضاع التي تعصف بمستقبل أمة برمتها وبدول عربية بكامل جغرافيتها ويمغرافيتها، على حد تعبير مراقبين.
يؤكد مراقبون، وبغض النظر عن اتعاظ أبوظبي من الانسحاب من عدن أو تعثر حفتر في طرابلس أو الأزمة مع إيران، أو نشوتها بالسيطرة على المجلس العسكري في السودان، باعتباره ساحة جديدة لنفوذها، أو فشل نظام الانقلاب السيسي، أو التدخلات في تونس والمغرب والأردن وتركيا وقطر- بغض النظر عن كل ذلك، يقول المراقبون: إن أبوظبي لديها فرصة تاريخية نادرة قد لا تتكرر لوقف اندفاعها وانخراطها في العديد من الملفات والساحات المختلفة، وبإمكانها الآن أن تنقذ الكثير وتحافظ على سلامة الدولة والشعب الإماراتي قبل فوات الآوان.
ولكن ما شدد عليه المراقبون بصورة ملحوظة، هو بداية تململ وربما تحرك رسمي طال انتظاره من جانب محمد بن راشد وربما من جانب حاكم الشارقة أيضا الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وكثيرين من الإماراتيين الوطنيين الذين يستهدفون وقف التدهور المتواصل ليس في سمعة الدولة فقط وإنما في أوضاع الدولة ومكانتها الجيوسياسية والاستراتيجية وثرواتها ورفاهية الإماراتيين رغم تقلص هذه الطبقة في السنوات الأخيرة كثيرا نظرا لمشروع أبوظبي المحلي والإقليمي الذي بدأ يشهد انتكاسة قد لا يتوقف عند الانسحاب من عدن أو فشل الرهان على حفتر.