نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن فقدان المشير خليفة حفتر لمدينة غريان التي يتخذ منها مركز قيادة للعمليات التي يشنها على العاصمة طرابلس.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن فشل هجوم حفتر على طرابلس وفقدانه لمدينة غريان يعيدان خلط الأوراق من جديد في ليبيا، خاصة بعد النجاحات العسكرية التي حققتها قوات حكومة الوفاق الوطني. كما أن عرابي حفتر باتوا منهكين، لذلك من المؤكد أن فقدان المشير لمدينة غريان سيشكل صدمة كبيرة بالنسبة لهم. كما أن الطائرات المسلحة من دون طيار، التي تلقتها قوات السراج من تركيا، أحدثت فارقا كبيرا.
وذكرت الصحيفة أن مدينة غريان تتميز بموقع استراتيجي ذلك أنها تطل على جبل نفوسة الذي يربط بين غرب ليبيا وجنوبها، ولهذا السبب اختاره الجيش الوطني الليبي ليكون مركز غرفة عملياته. وانطلاقا من مدينة غريان، تمدّ قوات حفتر مختلف مواقعها المنتشرة على طول خط جبهة العزيزية المشرفة على أحواز طرابلس بالأسلحة والمقاتلين.
وأوردت الصحيفة أن حشد حفتر لقواته على مشارف طرابلس منذ ثلاثة أشهر أثار إعجاب عرابيه الإقليميين، الإمارات ومصر، اللذان اعتقدا أن تحرير مدينة طرابلس مسألة وقت لا غير. كما استغل المشير حفتر غضب الأهالي من تعسف الميليشيات والعصابات المحيطة بالعاصمة، قبل أن يشن هجومه في الرابع من نيسان/ أبريل.
ونوهت الصحيفة إلى أن عنصر المفاجأة الذي اعتقد المشير بأنه سيكون لصالحه بعد شن هجوم على حكومة فايز السراج، تسبب في الواقع في حشد مختلف الجماعات المسلحة المنتشرة في إقليم طرابلس ضده، التي نجحت في إيقاف هجومه بمشاركة ميليشيات مدينة مصراتة المينائية.
وأشارت الصحيفة إلى أن فقدان حفتر المفاجئ لمدينة غريان تفسره العديد من المستجدات، لعل أبرزها استخدام قوات فايز السراج لأول مرة طائرات مسلحة من دون طيار أرسلتها تركيا. وحيال هذا الشأن، قال الباحث في معهد كلينجندل والمختص في الشأن المغاربي، جليل الهرشاوي، إن “التغيير تمثل في وصول الطائرات التركية المسلحة المسيّرة التي أحدث تدخلها فرقا كبيرا وحطّ من معنويات قوات حفتر ووضعها في موقف دفاعي”.
وأكدت الصحيفة أن امتلاك قوات حكومة الوفاق الوطني لهذه التكنولوجيا جاء ردا على الدعم العسكري الذي تتلقاه قوات حفتر من الإمارات العربية المتحدة، الذي يعد انتهاكا لحظر الأمم المتحدة لبيع أو تزويد ليبيا بالأسلحة منذ سنة 2011. وبعد استعادتها لمدينة غريان، اكتشفت قوات السراج أربعة صواريخ مضادة للدبابات أمريكية الصنع، تركها مقاتلو الجيش الوطني الليبي خلفهم وتلقتها قوات حفتر من أبو ظبي.
وتجدر الإشارة إلى أن الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني، الذي ساهم إلى حد كبير في سقوط مدينة غريان، يمكن أن يتسبب في شن عرابي حفتر عمليات انتقامية. وقد ترجم ذلك التصريح الذي أدلى به الجنرال أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، الذي هدد “باستهداف السفن التركية التي تقترب من المياه الإقليمية الليبية”. كما اعتبر “الشركات ومواقع المشاريع التركية في ليبيا أهدافا محتملة لقوات الجيش الوطني الليبي”.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات فايز السرج لم تستفد من الدعم العسكري التركي لاستعادة مدينة غريان فحسب، بل استفادت أيضا من الدعم السري لعناصر من داخل المدينة المعادية لحفتر. وحتى في حال لم ينبئ سقوط مدينة غريان في هذه المرحلة بهزيمة حفتر في معركة طرابلس، فإن ذلك سيتسبب حتما في تقويض نقاط قوته. وفي محيط العاصمة، تمثّل بلدة ترهونة الواقعة جنوب البلاد الخاضعة لسيطرة اللواء السابع مشاة، معقله الوحيد.
وتساءلت الصحيفة عن مدى قدرة ترهونة على مواصلة تقديم الدعم إلى المقاتلين الموالين لحفتر؟ مما لا شك فيه أن سقوط غريان سيؤثر على خطوط الإمداد التي سمحت لحفتر في السابق بالحصول على موطئ قدم في جيوب طرابلس. ويمكن للصدمة المنجرة عن فقدان السيطرة على مدينة غريان أن تطال ما هو أبعد من طرابلس.
ففي الجنوب، من المحتمل أن تخضع المكاسب الإقليمية التي حققها حفتر في مطلع السنة في كل من سبها، وهي مركز منطقة فزان، وحقول النفط القريبة، إلى الضغوطات. ومن المتوقع أن يفقد حفتر منطقة الهلال النفطي. وفي هذه الحالة، سيجد حفتر نفسه مجبرا على إقناع عرابيه بمواصلة دعمه.
وحسب جليل الهرشاوي فإن “عرابي حفتر منهكون تماما، وبعد أن برز شكل من أشكال التشبع الدولي، لم تعد البيئة مواتية للتسول للحصول على الدعم”. وفي هذا السياق، يمكن للمبادرات الرامية لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى حل سياسي أن تحيي المشهد الدبلوماسي مرة أخرى في البلاد.