يجد اليمنيون أنفسهم منذ أكثر من أربعة أعوام مع بدء حرب مليشيا الحوثي وتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مواجهة مفتوحة من القتل والجوع ومؤامرات أبو ظبي ضد وحدة بلادهم.
ويعاني اليمنيون الأمرين في ظل ضراوة الحرب التي تشهدها بلادهم منذ سنوات، والظروف المعيشية والأمنية الصعبة في الغالبية العظمى من مناطقه.
وتزداد معاناة اليمنيين بالنظر إلى جملة من العراقيل التي تضعها دولة الإمارات والقوى الموالية في المناطق التي لا تقع ضمن سيطرة الحوثيين، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن، ومدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت.
وللعام الخامس على التوالي، يشهد اليمن حربا بين قوات الحكومة الشرعية برئاسة المشير عبدربه منصور هادي المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية ومليشيا جماعة الحوثي الانقلابية المسيطرة على محافظات، في شمال اليمن بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وتشهد علاقة الحكومة الشرعية بالإمارات الشريق الاقوى بعد السعودية في تحالف دعم الشرعية اليمنية توترا متصاعداً جراء سياسة الامارات التي تنتهجها في المناطق المحررة.
في هذه الصدد نشر موقع “لوب لوغ” مقالا لمؤسس “غالف أنالاتيك” جورجيو كافيرو، يقول فيه إن حكومة عبد ربه منصور هادي والإمارات تختلفا في كثير من المواقف المتعلقة بتدخل الاخيرة في الشئون الداخلية اليمنية في التحالف العربي الذي تتخذه غطاء لتنفيذ اجندة خاصة بها.
ويؤكد كافيرو أن “العلاقة بين الإمارات والحكومة اليمنية ظلت متوترة؛ نظرا لاختلاف الرؤية حول مستقبل اليمن بعد نهاية الحرب، ففي الجنوب تدعم الإمارات الانفصاليين الجنوبيين، الذين يهددون ترتيبات ما بعد الوحدة الشمالية الجنوبية عام 1990، التي يحاول هادي الحفاظ عليها، وحصلت عدة مناوشات بين الانفصاليين وقوات الحكومة.
ويشير الكاتب إلى أن “هناك جبهة جديدة بدأت بالسخونة بين الحكومة المعترف بها في عدن والإمارات، وتتركز حول محافظة أرخبيل جزر سقطرى ذات الكثافة السكانية القليلة، والمعروفة بنباتاتها النادرة، التي جعلت اليونسكو تعدها في عام 2008 من التراث الثقافي العالمي، ففي بداية الشهر الحالي شجبت حكومة هادي الإمارات لإرسالها مئة من الجنود الانفصاليين لسقطرى، وهي كبرى جزر الأرخبيل، ورد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش على اتهامات عدن بأنها مجرد أخبار زائفة”.
ويلفت كافيرو إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها مواجهة حول سقطرى، ففي العام الماضي نشرت الإمارات وفي أثناء زيارة رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر للمحافظة، دبابات في ميناء الجزيرة الرئيس هاديبو، وشجب الوزير اليمني هذا التحرك الإماراتي، وطالب بتأكيد واضح للسيادة اليمنية على الجزيرة، وسط ما تراه الحكومة استعمارا إماراتيا لسقطرى”.
ويفيد الكاتب بأن “حكومة هادي عرضت الموضوع أمام مجلس الأمن، ما أدى إلى تراجع الإمارات واعترافها بيمنية الأرخبيل، ومن أجل نزع فتيل التوتر بين الحكومة اليمنية والإماراتيين نشرت السعودية قواتها فيما غادرت الإماراتية، ما أدى إلى تجنب المواجهة، لكن هذه الترتيبات كانت ضعيفة، وفي الحقيقة لم تغادر القوات الإماراتية سقطرى، وبقيت فيها باعتبارها جزءا من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وبحسب مصادر فقد ظلت القوات الإماراتية في الجزيرة، وسيطرت على الميناء والمطار”.
ويعلق كافيرو قائلا إن “سقطرى ابتعدت عن المشكلات التي تدور في البر اليمني منذ عام 2014، إلا أنها تعد محلا لنزاع القوى والتصارع على السلطة بين عدة أطراف، كل طرف يحاول تأكيد سيطرته عليها”.
وينوه كافيرو إلى أن “مسألة سقطرى وضعت اليمنيين في معسكرات متضادة، فرغم المشكلات التي عانى منها هادي مع حكام سقطرى السابقين، الذين رحبوا بالتعاون مع الإمارات، إلا أن حاكمها الجديد رمزي محروس يعد من المعادين لمحاولات الإماراتيين بناء تشكيلات عسكرية في الجزيرة، وتعهد المحافظ بمواجهة الوجود الإماراتي، لكن لا يعرف أحد ماذا عنى بذلك وما هي تداعياته”.
ويذكر الكاتب أن المسؤولين في حكومة هادي يحاولون إقناع الإمارات بالتركيز على قتال الحوثيين، بدلا من ضم واحتلال مناطق لا وجود للحوثيين فيها، لافتا إلى أن السعودية لم تتدخل لوقف جولة ثانية من المواجهة بين الإمارات وحكومة هادي، ولم تشجب أنقرة بعد التحركات في سقطرى، مع أن المنافسة تحتدم بينها وأبو ظبي في المنطقة.
ويشير كافيرو إلى أن “هادي وصف الإمارات في أيار/ مايو 2017 بـ(القوة المحتلة)، وتعكس هذه التصريحات مواقف اليمنيين من التدخل الإماراتي في شؤون بلادهم، وقبل النزاع على سقطرى عبر الكثير من اليمنيين عن قلقهم من الدور الإماراتي ومحاولات السيطرة على طرق الملاحة العابرة عدن ومضيق باب المندب”.
ويفيد الكاتب بأن “هذه المخاوف كانت وراء إلغاء صفقة مع شركة دبي للموانئ العالمية لتطوير ميناء عدن وقعت عام 2012، وخشي الكثيرون أن وراء الخطوة الإماراتية محاولة لإضعاف ميناء عدن كونه معبرا للملاحة في بحر العرب، ويمكن يوما ما أن ينافس دبي، ومع السيطرة الفعلية للإمارات على أجزاء من اليمن بما فيها ميناء عدن فقد زادت المخاوف”.
ويرى كافيرو أن “مسألة سقطرى تظهر الكيفية التي تتناقض فيها الاستراتيجية الخارجية الإماراتية الكبرى مع حليفتها السعودية، فأبو ظبي مستعدة للقيام بتحركات قد تضعف مواقف الرياض، ودون أخذ في عين الاعتبار للرغبة السعودية في الحفاظ على يمن موحد”.
ويلفت الكاتب إلى أن “حكومة هادي عملت مع الحكومتين منذ عام 2015 لمحاربة الحوثيين، إلا أن مصالح الإمارات تمتد أبعد من مجرد التحالف لسحق المتمردين المتحالفين مع إيران، فمصالح أبو ظبي الجيوسياسية طويلة الأمد، تتعلق بمضيق باب المندب وشرق أفريقيا والمحيط الهندي بشكل عام، ولتقوية هذه المصالح فإن على الإمارات، التي ليس لها بحر أحمر ولا خليج عدن، وليست قريبة من المحيط الهندي، أن توجد موطئ قدم لها في خليج عدن وجنوب اليمن، بما فيه سقطرى والقرن الأفريقي”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه “مع زيادة طموحات السياسة الخارجية الإماراتية فإن الضغوط على اليمنيين ستتزايد للاختيار بين بقية الشعب الرافض للتدخل الإماراتي، وتلك القوى في الجنوب الساعية لبناء دولة منفصلة عن الشمال”.