نشر موقع “ميديابار” الفرنسي تقريرا سلّط فيه الضوء على الاستفتاء الذي أجري مؤخرا في مصر، من أجل تعزيز بسط السيسي لسيطرته على البلاد ومؤسساتها.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إنه خلال 21 و22 نيسان/ أبريل، دُعي 55 مليون ناخب مصري للمشاركة في استفتاء على تعديلات دستورية تعزز سلطات السيسي. وشهد هذا التصويت اعتقالات في صفوف المعارضين ومنح رشاوي بالقرب من مكاتب التصويت.
وكانت الصحف الوطنية قد نشرت صورا للطوابير الطويلة للناخبين، وعنونت مقالاتها، على غرار “الهرم”، أبرز الصحف اليومية في مصر، كالتالي: “بفضل ملايين الأصوات، يواصل المصريون مفاجأة العالم”، كما احتفلت بهذا “العرس الديمقراطي”.
وفي بعض الأحيان، تُرجم هوس النظام من خلال إظهار شعب متحمس وملتزم بطريقة قسرية. ووفقًا لمعلومات ميديابار، أقامت عناصر من الشرطة بملابس مدنية حواجز طرق في القاهرة وأجبرت الأشخاص الخاضعين للرقابة على الذهاب للتصويت يوم الأحد 21 نيسان/ أبريل. وتم نقل الأشخاص الذين لم تُلون أصابعهم بالحبر الوردي المخصص للانتخابات في ميكروباصات نحو أقرب مكتب اقتراع. وبعد أن أدوا واجبهم الانتخابي، أعيدت لهم بطاقات هوياتهم.
ونقل الموقع عن الهيئة الوطنية للانتخابات أنها لم تتلق أي شكوى بشأن مخالفات ارتكبت خلال الاستفتاء وتعهدت بمحاكمة الفاسدين المحتملين. أما بالنسبة لدائرة الإعلام الحكومية، فلم تنكر وجود عدد قليل من حالات توزيع المواد الغذائية ولكنها تشدد على أنها كانت “مبادرات فردية ومقيدة” لا تضمن بأي شكل من الأشكال اختيار الناخبين للتصويت بنعم.
وعلى الورق، يمكن للناخبين المصريين وضع علامة أمام الخيار الرافض للتعديلات الدستورية الجديدة. لكن على أرض الواقع، بذلت السلطات كل ما في وسعها لتكميم أفواه المنتقدين وجعل الخيار الوحيد المتوفر أمامهم هو التصويت “بنعم”. ومنذ شهر شباط/فبراير، تم إيقاف 120 معارضا ديمقراطيا. ووفقا للناطق الرسمي باسم حزب الدستور اليساري، خالد داود، “كان بعض المعتقلين قد قام بنشر مقاطع فيديو تفسر سبب تصويتهم “بلا” أو شاركوا في إنشاء موقع ويب. وقد اتُهموا بالانضمام إلى جماعة غير قانونية. لكن، لم يكن المدعي العام قادرا على إخبارنا بهوية هذه الجماعة”.
وذكر الموقع أنه بالنسبة لأولئك الذين نجوا من موجات الاعتقالات، فقد كان عليهم التخلي عن تنظيم الحملات رسميا. في المقابل، تناقلت جميع أجهزة التلفزيون والصحف، الخاضعة لرقابة مشددة من طرف أجهزة الاستخبارات، الشعارات المؤيدة “لنعم” في الاستفتاء. وفي الجيزة مثلا، لم يستمر وجود لافتة كتب عليها “لا للتعديلات”، التي وُضعت من قبل مجموعة من الناشطين الشباب، سوى ساعات قليلة قبل أن ترفعها الشرطة وتستبدلها بعلامات تدافع عن التصويت “بنعم”.
وحتى صغار التجار أُجبروا على التبرع لقوات الأمن من أجل الحملة، وفقًا لموقع الأخبار “المشهد”. وعقب هذا التقرير، حُجب الموقع وأُلزم بدفع 2600 يورو. ولتجنب سير هذه الحملة في اتجاه واحد، حاول معارضون إطلاق عريضة عبر الإنترنت وقّع عليها حوالي 250 ألف من رواد الإنترنت قبل أن تتمكن السلطات من منع الوصول إليها. وقد تطلبت عملية الرقابة السريعة هذه وسائل غير مسبوقة، وانتهت بحجب 34 ألف موقع.
وأضاف الموقع أن هذا التمديد في الفترة الرئيسية يرافقه تعزيز غير مسبوق لصلاحيات الرئيس، حيث يمكن لعبد الفتاح السيسي، الذي أعيد انتخابه بنسبة 97 بالمئة من الأصوات سنة 2018، تعيين المدعين العامين فضلا عن رؤساء أبرز المحاكم، مثل المحكمة الدستورية ومحكمة النقض، من خلال تعديلات 185 و189 و193.
كما سيرأس رئيس الدولة المجلس الأعلى الذي يشرف على المؤسسات القضائية. من هذا المنطلق، سيفقد مجلس الدولة فرصة مراجعة القوانين قبل دخولها حيز التنفيذ. ويُجسد مجلس الدولة، الذي عارض التنازل عن الجزر لصالح المملكة العربية السعودية، أحد آخر أشكال القوة المضادة للنظام الحالي.
وبين الموقع أنه بعد سقوط الرئيس الإسلامي، محمد مرسي، حُوكم آلاف المدنيين أمام المحاكم العسكرية. ومن المرجح أن يزيد عددهم بعشرة أضعاف بسبب المادة 204، التي تمنح المحاكم العرفية سلطة تتبّع أي مدني يهاجم مؤسسات ومصانع وموظفين عسكريين، فضلا عن البنى التحتية الموضوعة تحت حماية الجيش، بما في ذلك ميدان التحرير حيث تتواجد بصفة منتظمة وحدات خاصة في دبابات ومركبات مدرعة.
وفي إطار حركة التمرد التي اجتاحت كلا من السودان والجزائر، يخشى النظام العسكري المصري أي إشارة قد تدل على زعزعة الاستقرار. وهكذا، تم تأمين كل مكاتب الاقتراع من طرف عسكريين وأفراد للشرطة. ولأن الاستفتاء كان بمثابة اختبار للاستقرار، فلم يتم التسامح مع أي اضطراب بسيط.
وفي الختام، أشار الموقع إلى أن رواد الإنترنت المصريين قد عبروا على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم قائلين: “انظروا إلى الجزائر والسودان، لا تفقدوا الأمل”. ووفقا لأستاذة العلوم السياسية في القاهرة، أمينة النجار، يعد الاستفتاء العام “نجاحا لا يمكن إنكاره للنظام. ودون أي دعم دولي، أظهر حزب مستقبل الوكن الموالي للحكومة أنه قادر على تعبئة موارد كبيرة لنشر اللوحات الإعلانية في أنحاء البلاد في الوقت الذي دعا فيه الإخوان المسلمون إلى المقاطعة وأصبح العديد من الثوريين الشباب لا مبالين بالسياسة”.