وأظهر تحليل بيانات نشرته “رويترز”، أن “الداخلية المصرية” قتلت 465 رجلا في ما قالت الوزارة إنها “اشتباكات” مع قواتها على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة.
ووفق بيانات رسمية، رصدت الفترة من مطلع يوليو/تموز 2015 حتى نهاية 2018، فلم يبق على قيد الحياة سوى ستة فقط من المشتبه بهم من بين 471 رجلا في 108 وقائع أي أن نسبة القتلى فيها بلغت 98.7%.
ونشرت وزارة الداخلية صورا لمسرح الأحداث مع بعض البيانات، وظهرت في تلك الصور جثث غارقة في دمائها وإلى جوارها بنادق هجومية أو أسلحة نارية أخرى على الأرض، كذلك جاء في البيانات كلها تقريبا أنه تم العثور على أسلحة وذخائر في موقع الاشتباك.
لكن باحث في منظمة مصرية تتولي توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، قال إن “الشرطة المصرية بدأت موجة قتل خارج القانون لأن هي خلاص عارفة إن مافيش حد هيحاسب أو هيراجع وراها”.
أقارب الضحايا
ونقلت “رويترز”، عن أقارب 11 من هؤلاء القتلى، تأكيدهم على اختلاق الروايات الرسمية، مؤكدين أن أبناءهم أو أشقاءهم أو أزواجهم اختفوا لفترات وصلت في بعض الحالات إلى عدة أشهر بعد أن أمسكت بهم الشرطة أو رجال الأمن الوطني من الشوارع أو من بيوتهم.
وقالت الأسر إن “أيا من هؤلاء الرجال لم يكن يحمل سلاحا”.
وشكك ثلاثة من خبراء الطب الشرعي، اطلعوا على صور التقطت في المشرحة لجثتي اثنين من الأحد عشر رجلا القتلى، في رواية وزارة الداخلية.
وقالت المستشارة القانونية لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية للحقوقيين، “كيت فينيسوار”، إن “حوادث القتل التى تنفذها السلطات المصرية تمثل إعداما خارج نطاق القانون وهذه جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي”.
واعتبرت “كيت”، وجود أدلة على أن الرصاص أُطلق على الضحايا من مسافات قريبة بأنه لم يكن ردا على تهديد مشروع بل مسلكا متعمدا مع سبق الإصرار من جانب قوات الأمن لإعدام أفراد خارج حماية القانون.
سهيل وزكريا
“سهيل أحمد” و”زكريا محمود”، كانا بطلا إحدى وقائع التصفية خارج إطار القانون، حيث انطلق الاثنان، في رحلة بالسيارة من مدينة دمياط (شمال) لقضاء إجازة في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر.
اتصل “أحمد” بأسرته بعد بضع ساعات من بدء الرحلة، وقال لوالدته إنهما توقفا لتناول عصير القصب قبل نقطة تفتيش أمنية في محافظة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس، وكان ذلك آخر اتصال لهما بالأسرة.
بعد خمسة أيام أعلنت وزارة الداخلية على صفحتها عبر “فيسبوك” أن الاثنين كانا ضمن أربعة متطرفين إسلاميين قتلوا في اشتباك عندما اقتربت الشرطة من مخبأهم في قرية بالإسماعيلية في 15 يوليو/تموز الماضي.
وحين عرضت صورهم على خبراء الطب الشرعي الثلاثة وهم خبراء دوليون، شكك الثلاثة في الرواية الرسمية بشأن حدوث الوفاة جراء اشتباك بالرصاص.
كان “محمود” مصابا بثلاث طلقات في الرأس. وكان مدخل إحدى الطلقات على جانب منخاره الأيمن ومخرجها من أسفل الشفة السفلى مباشرة.
شهادة باوندر
وقال البروفسور “ديريك باوندر” الذي عمل مستشارا لمنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة،: “هذا يجعل مطلق الرصاص مطلا من وضع أعلى وعلى يمين الضحية إذا كان الضحية واقفا وهو ما يبدو مستبعدا في تبادل لإطلاق النار”.
وأضاف “التصور الأرجح أن الضحية كان راكعا ومطلق الرصاص كان واقفا بالقرب منه على الجانب الأيمن”.
وأكد خبراء الطب الشرعي الثلاثة أن “جثتي الشابين محمود وأحمد بدت في مراحل تحلل مختلفة”.
وأضافوا أن “موت محمود بدا وكأنه حديث جدا غير أن أحمد توفي قبل التقاط الصور بما بين 36 و48 ساعة”.
ولفت التقرير إلى التشابه المذهل بين بيانات وزارة الداخلية، في الإشارة إلى حدوث اشتباكات، دون ذكر أسماء 302 من الرجال القتلى كما أنها لم تذكر المواقع المحددة للاشتباك في كثير من الحالات.
وكان أغلب القتلى في العشرينيات من العمر وأصغرهم في السادسة عشرة وأكبرهم سنا عمره 61 عاما.
واستعرض خبير الطب الشرعي “باوندر”، 20 صورة لوقائع قتل أخرى نفذتها الشرطة المصرية، قائلا إنه بدا فيها أن 11 من الجثث نقلت بعد الوفاة، مشيرا إلى وجود دم وعلامات جر وسط الرمال.
وأضاف أن “انخفاضات في مستوى الرمال توحي بأن اثنين من الرجال قتلا وهما في وضع الركوع”.
وقال مصدر قضائي مصري إن بعض رجال الشرطة يشعرون بأن المحاكم بطيئة الأمر الذي دفع بعض الضباط لمحاولة تطبيق العدالة بأنفسهم.
وأضاف: “الشرطة تنقل في كثير من الأحيان أسلحة وأشياء أخرى إلى موقع الأحداث للتغطية على الإعدامات”.
ولا تسفر عمليات التصفية التي تقول السطات إنها جراء اشتباكات، وأن المستهدفين كان بحوزتهم أسلحة وأحزمة متفجرة وعبوات ناسفة، عن سقوط أي قتلى أو جرحى في صفوف الأمن المصري، والذي يبدو أنه كان يخوض اشتباكا من طرف واحد.
اللافت أيضا، غياب تقارير الطب الشرعي عن الوقائع المشار إليها لتحديد سبب الوفاة، وما إذا كان الضحايا قتلوا من مسافة صفر، أم خلال اشتباكات حقيقية.