مع تراجع حدة التوتر في أعقاب المواجهة الأخيرة الخطيرة بين الهند وباكستان، اعتبر محللون أن رئيسي وزراء الدولتين النوويتين خرجا رابحين من هذه الأزمة، ففي حين نجح ناريندرا مودي في تثبيت موقعه كقومي هندوسي، ظهر عمران خان كصانع سلام.
ووقّع نحو 400 ألف شخص على عرائض مطالبة بحصول خان — لاعب الكريكت السابق ورئيس الوزراء منذ آب/اغسطس — على جائزة نوبل للسلام، بينما ارتفعت أسهم مودي سياسيا قبيل الانتخابات المرتقبة في الهند.
ومنطقة كشمير الجبلية التي يشكّل المسلمون غالبية سكانها، مقسمة بين الهند وباكستان منذ انتهاء الاستعمار البريطاني عام 1947. ويطالب الطرفان بالمنطقة كاملة وخاضا حربين في هذا السياق.
وأسفر تمرد تتهم نيودلهي إسلام أباد بإثارته منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي في القسم الذي تديره الهند من كشمير عن مقتل عشرات الآلاف، معظمهم مدنيون.
وفي 14 شباط/فبراير، قتل 40 جنديا هنديا في تفجير انتحاري تبنته جماعة مسلحة متمركزة في باكستان. وبعد 12 يوما، قصف الطيران الهندي ما أفادت نيودلهي أنه معسكر تدريب “للإرهابيين” داخل الأراضي الباكستانية.
وفي اليوم التالي، حصلت مناوشات جوية في أجواء كشمير أُسقطت خلالها طائرة هندية واحدة على الأقل وأسرت باكستان طيارها. وأعلنت الهند بدورها أنها أسقطت طائرة باكستانية كذلك، وهو أمر نفته إسلام أباد.
– “بادرة سلام” –
وفي وقت حبس العالم أنفاسه، فاجأ خان (66 عاما) كثيرين بإعلانه أنه سيتم الإفراج عن الطيار ابهيناندان فارثامان كـ”بادرة سلام”.
ورغم القصف عبر الحدود بين البلدين والمواجهات بين قوات الأمن الهندية والمسلحين، يبدو أن إطلاق سراح ابهيناندان الجمعة خفف من حدة المواجهة على الأقل في الوقت الحالي.
وجردت مواقف خان خصومه في البرلمان ووسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء من أسلحتهم، إذ أشارت صحيفة “ذي نيوز” إلى “دفء غير معهود (…) بين الحكومة والمعارضة”.
وفي هذا السياق، كتب المعلّق غول بخاري، المعارض بشدة للحكومة، عبر “تويتر” أن “هذه أول خطوة صحيحة في مسيرة (خان) السياسية” على فرض أن إطلاق سراح الطيار كان بقرار من رئيس الوزراء — وهو أمر لا يعد مفروغا منه في بلد حيث يلعب الجيش الدور الأكبر.
وبالنسبة للمحلل مشرّف زيدي، يبدو مودي “كزعيم تافه مولع بالحرب في حين يظهر رئيس الوزراء (الباكستاني) كرجل دولة”. بدوره، قال المحلل البارز ومدير صحيفة “ذي إكسبرس تربيون” التنفيذي فهد حسين لفرانس برس إن موقف خان كان “مفاجأة سارة للغاية”.
وأضاف “كان من السهل جدا عليه أن يختار المسار العدائي. كان الناس سيشيدون بذلك”.
لكنه نوه إلى أنه عندما تهدأ الأمور، ستعود البلاد الى مشاكلها القديمة الداخلية. وقال في هذا الإطار “تعاني باكستان من مشاكل عديدة: التعليم والمياه وغير ذلك. وعمران خان هو رئيس وزراء كل هذه المشاكل”.
من جهتها، حذرت هوما يوسف من مركز “ويلسون” للأبحاث من أن التحدي المتمثل بإطلاق الحوار مع الهند لا يزال قائما.
وأضافت “تم التعامل مع هذه الحادثة بمهارة، لكن العلاقة بين الهند وباكستان تدهورت بغض النظر عن مدى تعاطي عمران خان مع (الأزمة) بشكل جيد”.
– مودي اتخذ موقفا حازما –
وبينما لم يقترح أحد منح مودي جائرة نوبل للسلام، إلا أن خطابه القوي أكسبه النقاط السياسية التي يحتاجها قبيل الانتخابات المرتقبة في الهند في غضون أسابيع.
وفي نقيض للهجة خان التصالحية، تبنى مودي خطابا صارما مشيرا إلى أن “الهند الجديدة” في عهده “ستحارب بشكل موحّد” لتوجيه “رد قاس” لباكستان.
ولم تقلل الشكوك بشأن مدى فعالية الضربات الجوية داخل باكستان، والإسقاط المحرج للطائرة من الحماسة الوطنية لرد مودي.
ورغم أن حزب المؤتمر المعارض الذي كان يبدو واثقا من نفسه بشكل متزايد قبيل الانتخابات انتقد عدم إبلاغه بالغارة، إلا أنه لم ينتقد القصف بحد ذاته.
وانعكس ذلك في الإشادات بالغارة من قبل شخصيات معارضة لمودي على غرار رئيس الحكومة السابق في ولاية جامو وكشمير الهندية عمر عبدالله الذي قال عبر “تويتر” إن “هذه ضربة في عمق باكستان وهي محرجة للغاية لها”.
وكتبت الصحافية المخضرمة تافلين سينغ في صحيفة “إنديان اكسبرس” الأحد “لو أن الهند لم تنتقم لمجزرة بولواما، لكنت شعرت بالغضب والعار. أعتقد أنني أتحدث على لسان معظم الهنود عندما أقول ذلك”.
وأفاد العديد ممن استُطلعت آراءهم في هذا الشأن أن الضربات الجوية قدمت لمودي الدفعة التي كان يحتاج إليها قبيل الانتخابات.
وقال الخبير السياسي ياشوانت ديشموك أن نسبة الدعم لحزب مودي — حزب الشعب الهندي (باراتيا جاناتا) — قد ترتفع خمسة بالمئة بفضل المشاعر القومية التي تعيشها البلاد.
وذكر محرر صحيفة “إيكونوميك تايمز” تي.كي آرون في مقال أن “مودي يمتلك المهارة التي تمكنه من إبقاء المشاعر القومية ملتهبة عبر المحافظة على لعبة مواجهة باكستان لبعض الوقت”.