تصاعد الجدل بشأن استمرار إغلاق مطار الريان في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، وسط اتهامات للقوات الإمارتية بالوقوف وراء تعطيل المطار وإغلاقه بوجه المرضى والمسافرين اليمنيين.
وكان المطار قد أغلق إثر سيطرة تنظيم “القاعدة” على مدينة المكلا في العام 2015، واستمر إغلاقه بعد تحرير المدينة في إبريل 2016، ومنذ ذلك الحين تحوّل المطار بحسب مزاعم يمنية إلى قاعدة عسكرية ومقر لقيادة القوات الإماراتية والسعودية، وأصبح الوصول إليه والمغادرة منه حكراً على بعض المسؤولين والموالين للإمارات فقط.
وخلال الأيام القليلة الماضية، عاد الحديث عن مطار الريان إلى الواجهة من جديد، إثر تزايد الشكاوى نتيجة إغلاق المطار، ودور ذلك في تفاقم معاناة المواطنين.
وعلى الرغم من عدم تضرره في معركة تحرير المدينة من تنظيم “القاعدة”، ظل المطار مغلقاً إلى الآن، من دون مبررات واضحة، فيما أطلق محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني وسلفه اللواء أحمد بن بريك، عدة وعود بافتتاح المطار كلها ذهبت أدراج الرياح، بعدما اصطدمت على ما يبدو برفض إماراتي.
السابق، أحمد بن بريك، في ديسمبر 2016، أن مطار الريان سيعاد افتتاحه في يناير 2017. لكن الوضع استمر على ما هو عليه، على الرغم من المطالبات الشعبية بضرورة افتتاح المطار.
وفي يناير من العام الماضي، أطلق محافظ حضرموت الحالي اللواء الركن فرج البحسني وعداً بافتتاح المطار في يونيو من العام نفسه، مشيراً إلى أن هذا لا يعني تسويفاً وكلاماً للإعلام إنما هو وعد ستمضي السلطة لتحقيقه بكل قوتها.
وأكد البحسني موعد الافتتاح ذاته في تصريح صحافي في إبريل من العام نفسه، قائلاً إن تجهيز المطار يجري وسوف يعاد افتتاحه بعد شهرين فقط. وفور انتهاء المدة المحددة، عاد البحسني مرة أخرى ليعلن عن موعد آخر لافتتاح المطار حدده نهاية العام 2018.
وإلى جانب الوعود المتكررة، برزت التصريحات المتناقضة بشأن استمرار إغلاق المطار، ففي أغسطس كشف البحسني في تصريحات لقناة أبوظبي عن توفير معدات الملاحة والرصد الجوي للمطار، وبقب فقط الانتهاء من الأعمال الإنشائ
لكن مدير المطار أنيس باصويطين ذكر في تصريحات صحافية قبل أيام أن إدارة المطار أبرمت عقوداً مع دول أجنبية لتوفير معدات الملاحة وعند وصولها سيتم البدء بتشغيل المطار.
وتسببّت حزمة الوعود والتصريحات المتناقضة التي أطلقتها السلطة المحلية بشأن افتتاح المطار، في إحراجها أمام الرأي العام، وأظهرت إلى حد كبير عدم امتلاكها قرار افتتاح المطار، الذي بات مرهوناً على ما يبدو بحسابات التحالف وتحديداً الإمارات.
وحسب صحيفة “العربي الجديد” إن إذ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أصدر خلال لقائه محافظ حضرموت نهاية العام 2017، توجيهات ببدء ما سماها “التهيئة” لفتح المطار واعتماد فتح خط لطيران “الاتحاد” مع مطار الريان فور تشغيله مباشرة.
ووفقاً للصحيفة فإن التوجيه يفصح عن حجم الهيمنة الإماراتية على الموانئ والمطارات في جنوب اليمن، إذ إن مضامينه من المفترض أن تكون صادرة عن الحكومة اليمنية أو وزارة النقل، ومن عدن لا من أبوظبي.
وتقول السلطات المحلية اليمنية إنّ عملية فتح المطار مرهونة بانتهاء التجهيزات في الصالات الجديدة واستقدام أجهزة الرقابة والملاحة. وللتأكيد على هذا الأمر نظّمت زيارة لقيادات من منظمات المجتمع المدني قبل أيام إلى المطار لاطلاعهم على العمل الحاصل، لكن مواطنين يرون ذلك نوعاً من الالتفاف كون المطار يستقبل رحلات لمسؤولين يمنيين وإماراتيين.
وعلى وقع الصراع اليمني الإماراتي في جنوب اليمن، ثمة صراع خفية بين الرياض وأبوظبي، على خلفية تزايد نفوذ الأخيرة في محافظة حضرموت اليمنية كبرى محافظات اليمن مساحة والمحاذية للسعودية.
فمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، والتي كانت وعلى مدى عامين أشبه بمحمية إماراتية، أصبحت في مقدمة اهتمامات السعودية التي أيقنت على ما يبدو أكثر من أي وقت مضى، مآلات فقدان سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد، لصالح حليفتها الطامعة لتوسيع نفوذها خارج الحدود.
وبدأ مشهد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى جانب السفير الأميركي، ماثيو تولر، متصدراً منصة احتفال في قاعدة “الريان” العسكرية، شرقي مدينة المكلا بداية ديسمبر 2018، غير مألوف، في منطقة ترزح تحت نفوذ أبوظبي، التي غابت عن الاحتفالية، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات.
ومن المكلا، أعلن آل جابر رجل السعودية الأول في اليمن، عن مشاريع مقبلة ستنفّذ بدعم من الرياض، وهي رسالة أكد عليها آل جابر أكثر من مرة في خطاباته وتصريحاته، ما يعني أنّ حضرموت ستكون مسرحاً لتنافس محموم على النفوذ بين الرياض وأبوظبي.
لم يكن قدوم السفير آل جابر إلى المكلا، وحده دليلاً على وضع الرياض ثقلها في حضرموت، إذ تم حشد الإعلام الكبير واستقدام مندوبين لوكالات عالمية ووسائل إعلام أجنبية لتغطية احتفالية تسليم حماية ساحل حضرموت لقوات محلية، وتدشين منحة نفطية سعودية لكهرباء المحافظة، تبدو شواهد أخرى على احتدام التنافس بين الحليفين في المحافظة الأهم اقتصاديا وجغرافياً، في بلد تتآكل سيادته يوماً بعد آخر.
على المقلب الآخر، أعلنت قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتياً انطلاق عملية عسكرية تحت اسم “القبضة الحديدة” لملاحقة تنظيم “القاعدة” في المناطق الغربية لمدينة المكلا بدعم وإسناد إماراتي، في خطوة بدت تأكيدا من أبوظبي على نفوذها العسكري في المحافظة، بحسب مراقبين.
وبحسب سياسيين، فإنّ الحضور السعودي في حضرموت، يأتي كرغبة لضمان نفوذ لها عبر شواطئ البحر العربي، وهو امتداد لوجودها في محافظة المهرة، هروباً من مضايقة إيران حول مضيق هرمز والخليج العربي، وتهديدات الحوثيين في البحر الأحمر.
وتعني سيطرة الإمارات على محافظة حضرموت اليمنية وميناء المكلا على بحر العرب؛ تركيزَ هيمنتها على الخط البحري لنقل نفط الخليج أولًا، وثانيًا خنق السعودية والخليج مستقبلًا؛ فضخ النفط عبر الأنابيب من الخليج إلى ميناء المُكلا كان أحد البدائل المطروحة لنقل نفط الخليج، عوضًا عن مضيق هرمز بعد التهديدات الإيرانيّة بغلقه عام 2011، بحسب تقارير يمنية في هذا الشأن.
*الامارات71