قال مدير البنك المركزي اليمني فرع تعز معاذ عبدالواسع البركاني إن إيرادات البنك تضاعفت بشكل كبير خلال عام 2018، معبراً عن تطلعه لتحقيق اكتفاء ذاتي بين الايرادات والنفقات وذلك مرتبط بتحسن المنظومة الأمنية والقضائية التي ستوفر على الدولة الكثير من النفقات.
وأضاف البركاني في مقابلة مع موقع «المصدر أونلاين» إن «بنك تعز أصبح الأن بوضع أفضل واكتسب زخماً وهيبة، بعدما انتظمت الرواتب، وعرف الجميع إمكانياتنا وقدراتنا، وتبقى المشكلة الأمنية والقضائية والتي ينبغي النظر إليها بجدية كونها تفقد البلاد مليارات الريالات شهرياً وتفقد المواطنين مصالحهم لصالح مجموعة أفراد لا تنتهي مطامعهم ولا تتوقف».
وأوضح البركاني أن رئيس الحكومة السابق طلب منهم عند افتتاح البنك في أكتوبر 2017 توريد 10 مليون ريال شهرياً أو حتى مليون ريال، لصالح الحكومة لكي تدفع في المقابل مليارات الريالات مرتبات موظفي تعز، «مع نهاية عام 2018، يمكنني القول إن إيراداتنا الشهرية أصبحت تقترب من المليار، وليس مليون».
ايرادات مضاعفة:
تظهر تقارير فرع البنك المركزي بتعز تضاعف ايرادات البنك عدة مرات. خلال النصف الأول من عام 2018 بلغت الإيرادات المركزية والمحلية نحو مليار ريال، في الربع الثالث من العام 2018 بلغت الايرادات نحو 840 مليون ريال.
ورجح البركاني في مقابلة مع موقع «المصدر أونلاين» إن تصل إيرادات البنك في الربع الأخير من عام 2018 إلى 2 مليار ريال موزعة على إيرادات حسابية ونقدية، مقارنة بمبلغ مئة مليون ريال خلال نفس الفترة تقريباً من عام 2017، بعد إعادة افتتاح فرع البنك في 9 اكتوبر.
وعزى الزيادة المطردة في إيرادات البنك مؤخراً، لإضافة ضرائب المرتبات على مكتب ضرائب تعز، بعدما ظلت خلال الفترة الماضية تضاف لمكتب عدن.
وأشار البركاني إنه عند افتتاح فرع البنك بتعز ان ما تحقق إنجاز كبير أن تتجاوز إيرادات هذا العام 4 مليارات ريال، منها نحو مليار ريال إيرادات نقدية والبقية حسابية.
ايرادات أساسية تذهب للانقلابيين:
ورغم التفاؤل الكبير الذي يطغى على حديث البركاني إلا أنه يشير لشحة الإيرادات باعتبارها الأكبر ضمن صعوبات عدة تواجه بنكاً كان يصنف سابقاً من الفئة (أ) التي تغذي البنوك الأخرى بالسيولة.
قبل عام 2015، كانت إيرادات فرع تعز تبلغ نحو 15 مليار ريال شهرياً، فيما نفقات المحافظة لم تكن لتتجاوز 10 مليارات ريال شهرياً، وتذهب بقية السيولة لتغذية البنوك المركزية الأخرى أو تورد لصنعاء.
«إيرادات المحافظة تبقى شحيحة مقارنة بما هو مطلوب، نحن نعمل حالياً قدر الاستطاعة على جمع 30% من إجمالي الايرادات العامة لمحافظة تعز، لازال 70% من ايرادات المحافظة يذهب لخزينة الانقلابيين الحوثيين. لذلك فإننا نطلب تعزيزاً شهرياً يتراوح بين خمسة إلى ستة مليارات ريال من عدن»، قال البركاني في مقابلته مع موقع «المصدر أونلاين».
وتبلغ المرتبات الشهرية في تعز نحو 8 مليارات ريال، منها 5.5 مليار ريال مرتبات السلطة المحلية، و2.5 مليار ريال مرتبات مركزية، فيما تصل مرتبات الجيش والأمن نحو ملياري ريال.
95% من الحسابات الحكومية في «المركزي»:
وأشاد البركاني بالتزام جميع المؤسسات الحكومية بإغلاق حساباتها في البنوك التجارية وفتح حسابات في البنك المركزي كحالة نموذجية غير متوفرة حتى في عدن وبنسبة 95% تقريباً.
وعبر عن شكره البالغ لفرع مصلحة الهجرة والجوازات كنموذج مثالي في الالتزام بتوريد إيراداته للبنك بنسبة 100%، تليها الواجبات والضرائب وكبار المكلفين والاحوال المدنية والنقل.
يضيف البركاني «هناك تعاون كبير معنا وهذه حقيقة، أبناء تعز متعطشون للدولة، الفرحة لم تسع أبناء تعز بافتتاح فرع البنك، كان طلاب الجامعة يصطفون بطوابير طويلة لسداد الرسوم مسرورين ويحيونا ويعطونا الأمل، شعروا بأمان كبير لاستعادة ملامح الدولة».
الصرافة. فوضى واستعراض سلاح:
في اغسطس الماضي نفذ فرع البنك المركزي بتعز -ضمن حملة متزامنة في المحافظات الخاضعة للشرعية-وبالتعاون مع نيابة الأموال العامة وإدارة الأمن، حملة استهدفت محلات الصرافة التي تشتغل بالمخالفة للقانون، تم إغلاق 61 محلاً للصرافة، واحيلوا للنيابة جميعاً، ولازال التحقيق معهم مستمراً وملفاتهم مفتوحة.
سألنا البركاني، عن وضعهم الحالي وقد عادوا للعمل جميعهم تقريباً للعمل، فأشار أن بعضهم طبقوا اللائحة وحصلوا على تراخيص أو موافقة مبدئية من البنك المركزي في عدن لأن التراخيص والتجديد مركزي، لكن كثيرين يعملون بالمخالفة للقانون، ويفرضون الأمر الواقع بقوة السلاح.
يشير البركاني إلى خلل كبير في وضع البلاد بشكل عام، وأن ما يحدث في عدن ينعكس على تعز.
«عندما عادت محلات الصرافة للعمل في عدن، رفضنا السماح للصرافين هنا بالعمل، فذهبوا وجلبوا مسلحين للحماية، وفرضوا أمراً واقعاً بالتحدي وخالفوا مرتين، مرة بالعمل خارج القانون، ومرة بالاستعراض بالسلاح».
«هذه ليست مسؤولية البنك، نحن جهة رقابة ولسنا جهة ضبط، هؤلاء يعملون بالمخالفة للقانون وملفاتهم لدى نيابة الأموال العامة ويفترض أن تحال إلى المحكمة. سأقول لك شيئاً: حتى موظفو البنك يتعرضون للتهديد والطرد والمضايقات أثناء قيامهم بدورهم الرقابي».
«هذا سلوك معيب، لكنه للأسف أصبح مألوفاً ويعتمده كثير من الناس لتحقيق مصالحهم، العمل بالقوة واستعراض المسلحين وقطع الطرق».
2019.. عام تنظيم سوق الصرافة:
وعن فوضى محلات الصرافة، مقارنة بما كان سائداً قبل 2015، أشار مدير فرع البنك المركزي في تعز أن العملية كانت مضبوطة بتحديد محلات الصرافة بعدد محدد لكل محافظة، أما الآن فبالإمكان ان تجد عشرة صرافين ولا تجد بقالة لتشتري الماء.
واعتبر عدم قبول بعض الصرافين لعملة الدولار طبعة 2006 وما قبلها، إلا بسعر متدنٍ مجرد تلاعب واحتيال ابتزاز بغير وجه حق، وهي جزء من الفوضى في سوق الصرافة المنفلت.
ويؤكد البركاني أن هناك توجهاً من البنك المركزي بعدن لتنظيم سوق الصرافة عام 2019، وهناك خطة من قطاع الرقابة على البنوك لضبط سوق الصرافة وتنظيمها. «لائحة الصرافة صدرت في اغسطس، ويجري حالياً تدريب الموظفين عليها ونأمل أن تطبق عام 2019».
ودعا شركات ومحلات الصرافة للالتزام بالقانون لتنتقل علاقتهم بالبنك إلى مرحلة الشراكة، عوض الرقابة «عليهم أن يلتزموا بالقانون، باستخراج التراخيص وتجديدها، وسيكون مسموحاً لهم العمل والربح المشروع والآمن، لكن دون الاضرار بمصالح 30 مليون لتحقيق ربح مجموعة أفراد».
حيتان وهوامير:
بحسب البركاني فهناك حرب اقتصادية توازي الحرب العسكرية والاعلامية والسياسية، مشيراً إلى شبكة صيارفة وتجار كبار، يمتلكون نقداً أجنبياً وجزءاً كبيراً من النقد المحلي يتلاعبون بأسعار العملات. «هناك حيتان وهوامير في سوق الصرافة يتلاعبون بسعر الصرف».
وضرب مثلاً. «عندما أعلنت الحكومة السعودية قبل شهرين تقريباً دعم البنك المركزي بمبلغ 200 مليون دولار، تراجع سعر الصرف أكثر من 100 ريال للدولار بينما كان الأمر مجرد عنوان في شريط أخبار الفضائيات، وليس مودعاً في حساب البنك، ولم يدخل سوق التداول اليمني، فماذا يعني ذلك؟!».
«ما حصل خلال الأشهر الماضية هو جزء من الحرب الاقتصادية، طفرة وابتزاز اقتصادي. نحن لم نصدر النفط وتوقفت إيراداتنا منذ بداية الحرب، فما معنى ان يرتفع الصرف بهذا الشكل الكبير عام 2018 ليقفز الدولار إلى 800 ريال».
وتساءل البركاني «اين ذهب سيولة النقد اليمني المتداول (أكثر من 2 تريليون ريال) الذي كان في خزائن الدولة قبل 2015، يضاف لها مبلغ تريليون ريال طبعها البنك المركزي خلال عامي 2016، و2017. هذه أموال يفترض بها أن تدور في السوق، وليست أكلاً يؤكل وينتهي. يوجد عشرات المليارات في خزانات خاصة وفي بدرومات في بيوت وأماكن خفية لكبار الصيارفة والتجار والبنوك، وليست متداولة في السوق ولا في البنوك. وهؤلاء هم من يتلاعبون بالعملة وبالأسعار ويؤثرون على السوق حسب مصالحهم».
وأشار أن البنك المركزي في عدن تدخل لتثبيت الدولار عند سعر 520، خفضوا الدولار إلى 300. لكن ما الذي حصل؟ «هل يعقل هذا الأمر أن ينزل سعر السوق السوداء إلى ما دون سعر البنك المركزي بفارق كبير. هذا يؤكد أن العملية كذب».
بنينا مؤسساتنا من الصفر. وننطلق بثقة:
يتحدث البركاني عن تقدم كبير في بناء مؤسسات الدولة المالية، والتحكم بالسوق، وهزيمة الحوثيين مجدداً في الحرب الاقتصادية التي يشنونها على اليمنيين، وكسب البنك المركزي جولة الحرب بجدارة وبإجراءات مدروسة وليس مناكفات كتلك التي يعتمدها بنك صنعاء الخاضع للحوثيين.
ويقول لـ«المصدر أونلاين»، «الانقلابيون وشركاؤهم في الداخل والخارج، ورثوا امكانيات دولة ومؤسسات قائمة بخزينتها وودائعها وايراداتها المنتظمة، بينما نحن نؤسس مؤسساتنا من الصفر. ومع ذلك تمكنا مؤخراً من الإمساك بخيوط اللعبة واستعادة زمام المبادرة في السوق باعتماده سياسة المستندات».
ويتابع «اتخذت اللجنة الاقتصادية والبنك المركزي اجراءات صحيحة وسليمة، أوجعت الانقلابيين وشركاءهم، فكان الهبوط الكبير والنزول إلى أقل من سعر البنك، يستهدف البنك المركزي لرفع خسارته، وإفشال اجراءاته، لكن البنك لم يتعاط مع تلك الأمور، وحافظ على سعر الصرف عند حدود سعره الحقيقي لهذه المرحلة على الأقل».
إجراءات لبناء الثقة. السيولة تتدفق مجدداً إلى البنك:
يرى مدير فرع تعز، وليد البركاني، أن البنك المركزي يعمل إجراءات لاستعادة الثقة، «وقد بدأ بتلك الاجراءات فعلياً بتفعيل سياسة المستندات، ولازال هناك تخوف مبرر، فالبعض يخاف ان يودع أمواله في البنك ثم لا يجدها متى احتاجها وهذا الأمر قد حصل».
وقال مدير البنك المركزي في تعز لـ«المصدر أونلاين» إن «البنك المركزي في عدن يتعامل كبنك مسؤول عن الجميع بما في ذلك الجهات المالية والتجار والصرافين في مناطق الانقلابيين».
وأكد على أنه «يجب أن نقدر ونتفهم وضع البنك، فمن الصعب ان تنتقل من فرع إلى مركز رئيسي بيوم وليلة. وجدنا صعوبة لكنا حققنا نجاحاً وقفزة نوعية كبيرة في الفترة الأخيرة».
وأشار إلى إنه «عندما واجهت البنوك صعوبات في تحويل العملات للخارج، أصدر محافظ البنك المركزي الدكتور محمد زمام تعميماً لتوريد العملات للبنك، ويتولى البنك نقلها للخارج».
وقال البركاني «أعاد البنك المركزي تنظيم القطاعات، وتأسيس الادارات العامة، وأهمها إدارة الدين العام، والتي لها أثر كبير في سحب السيولة، وتنظيم العمل في البنك، وربط العلاقة مع البنوك».
وذكّر بأن «البنك أعاد العمل بأذون الخزانة، أصدر سندات حكومية وصكوك إسلامية، بمئة مليار ونجح. كان مطلوباً مئة مليار نقد إلى منتصف يونيو 2018، فتم ذلك خلال ثلاثة أشهر. تلقينا عروضاً بمليارات هنا في تعز لإصدار سندات وصكوك. وهناك وعود بافتتاح السندات عام 2019 في تعز وفروع البنك المركزي، بعدما كانت حصرية على البنك الرئيسي في عدن. وهناك طلب آخر منظور أمام الحكومة حالياً لعام 2019».
مشكلة مجتمعية:
أكثر الصعوبات التي تواجه فرع البنك المركزي في تعز، وكافة البنوك المركزية والتجارية في المناطق المحررة، تتمثل في الاختلالات الأمنية، فعمل البنوك يرتبط بحساسية كبيرة للغاية تجاه العامل الأمني، فطلقة واحدة في الشارع تسبب إشكالاً كبيراً، بحسب البركاني.
ويوضح البركاني بأنه «هناك مشكلة مجتمعية في كل المجالات، عنوانها الأقوى هو من يتحكم في أي سوق، وليست المشكلة شاذة في سوق الصرافة».
وقال إن «هناك خلل أو غياب فعالية وتكامل في مؤسسات الدولة، المالية والأمنية والعسكرية، والقضائية، لكونها جميعاً في مرحلة التأسيس. هناك تجاوب من الجميع، لكن التكامل غير منتظم، والبنك المركزي ليس مسؤولاً لوحده عن اختلال السوق المصرفية».
«هناك تعاملات مالية كبيرة ولا يستهان بها في تعز وفيها كبرى المؤسسات والمصارف اليمنية. ونحن ندير الإيرادات ضمن حدود المتاح والمناطق المحررة»، يضيف المسؤول المالي اليمني لـ«المصدر أونلاين».
وقال البركاني «في حال تفعيل المنظومة الأمنية والقضائية بشكل مؤثر، فأنا أؤكد أن إيراداتنا ستتحسن بشكل كبير، ولن نكون بحاجة لطلب تعزيز من عدن، بل سنغذي البنوك الأخرى، خصوصاً إذا تمت استعادة المناطق الاقتصادية الهامة الخاضعة للانقلابيين».