عدتها منظمات حقوقية بأنها “جريمة حرب”.. ما إمكانية مقاضاة الإمارات بسبب تجنيدها مرتزقة لقتل يمنيين؟

محرر 221 أكتوبر 2018
عدتها منظمات حقوقية بأنها “جريمة حرب”.. ما إمكانية مقاضاة الإمارات بسبب تجنيدها مرتزقة لقتل يمنيين؟

فتحت عملية التجنيد التي قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة لمرتزقة من جنسيات مختلفة؛ بهدف تنفيذ اغتيالات طالت ساسة وأئمة وناشطين جنوب اليمن، وفقا لما كشفها ووثقها موقع “بازفيد نيوز” الأمريكي في الأيام القليلة الماضية، الباب واسعا أما تساؤلات عدة، حول إمكانية مقاضاة الدولة الخليجية جراء هذه الجريمة، التي عدتها منظمات حقوقية بأنها “جريمة حرب”.

خبراء في القانون الدولي، أكدوا أن تجنيد “أبوظبي” مرتزقة أمريكيين وفرنسيين، لقتل مدنيين في اليمن، تعد من الجرائم التي تستوجب المساءلة والمحاسبة، وفقا لنظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية في تموز/ يوليو 1998.

وكان موقع “بازفيد نيوز” المتخصص بالصحافة الاستقصائية، قد كشف في تقرير له، الثلاثاء الماضي، عن استئجار الإمارات مرتزقة لتنفيذ اغتيالات في مدينة عدن (جنوبا)، من بينها عملية اغتيال استهدفت في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2015،”إنصاف علي مايو” زعيم الفرع المحلي لحزب الإصلاح (إسلامي)، في مقره بمنطقة كريتر، لكنها فشلت.

طرق المساءلة

في هذا السياق، قال الحقوقي اليمني، توفيق الحميدي، إن ما نشر مؤخرا عن تعاقد دولة الإمارات مع مرتزقة لتنفيذ اغتيالات ضد خصوم سياسيين من حزب الإصلاح ورجال دين وغيرهم، تعد “جريمة”، بل تشكل انتهاكا جسيما للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، التي نصت عليها المادتان1 و47 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف.

وأضاف الحميدي، وهو مسؤول الرصد والتوثيق بمنظمة “سام” لحقوق الإنسان، ومقرها جنيف، أن هذا الانتهاك يستوجب التحرك الجاد من الجهات المختصة، وفي مقدمتها الحكومة اليمنية ومنظمة الأمم المتحدة.

ووفقا للحميدي، فإن ما قامت به السلطات الإماراتية يفتح الباب واسعا أمام الضحايا لمقاضاتها، مع الشركات الأمنية في موطنها الرئيسي.

وأشار الحقوقي اليمني إلى أنه بإمكان الضحايا أن يسلكوا طرقا عدة، منها القضاء الوطني ذو الولاية الدولية، وهي محاكم وطنية منحها الدستور ولاية النظر في جرائم الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان، وهي غالبا، في الدول الأوروبية؛ فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.

ويحق للضحايا منح توكيلات لمحامين في هذه الدولة؛ لمقاضاة منتهكي حقوق الإنسان. حسبما ذكره المتحدث ذاته.

كما أكد الناشط الحميدي أن القضاء الدولي المتمثل بمحكمة “الجنايات الدولية”، واحدة من الطرق التي يمكن للضحايا التحرك عبرها لمقاضاة “أبوظبي” والمرتزقة الذين جندتهم، إما بالصورة المباشرة، بحيث تتوفر قناعات المدعي العام للمحكمة، تحريك دعوة جنائية.

وقال إن هناك مسارا آخر، وهو عن طريق “لجان التحقيق أمام مجلس حقوق الإنسان” الذي تحيل ملف الانتهاكات إلى مجلس الأمن، الذي يحيلها إلى محكمة الجنايات الدولية.

لكنه استدرك بالقول: إن هذا الطريق مليء بالحسابات السياسية للدول.

كما لفت إلى أنه يحق للضحايا في اليمن أولا محاكمة دولة الإمارات أمام القضاء المحلي، ما دام أن الجريمة وقعت على أرض يمنية وعلى أشخاص يمنيين، حتى وإن كانت هناك عوائق تتعلق بـ”تشكيل وتكوين القضاء اليمني، أو استقلاليته الكاملة في ظل الأوضاع الراهنة”.

وأوضح مسؤول الرصد والتوثيق بمنظمة “سام” أن القضاء الوطني ذو الصبغة الدولية في إحدى الدول التي تتمتع محاكمها ولاية النظر في مثل هذه القضايا، أو أمام لجان التحقيق أو المقررين الخاصين، بطرحها على مجلس حقوق الإنسان؛ للسير بها وفقا لإجراءات مجلس الأمن.

شاهد

عبد الرقيب الهدياني، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحد الضحايا المحتملين الذين كانوا هدفا للهجوم الذي تعرض له مقر حزب الإصلاح في عدن، يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2015، الذي قاده مدير شركة “سبير أوبريشن غروب” إبراهام جولان، وفقا لموقع “بازفيد نيوز” يتحدث لـ”عربي21″ عن خياراته.

يقول الهدياني: نبذل جهودا مكثفة مع منظمات حقوق الإنسان، لتفعيل القضية دوليا، باعتبارها حدثا كبيرا استهدف البلد برمته.

ويضيف أن الهجوم الذي تعرض له مقر حزب الإصلاح في تلك الليلة، كان سيوقع ما يقارب 24 شخصا ما بين صحفي وناشط وموظف، كانوا يتواجدون داخل المقر. منتقدا حزب الإصلاح الذي قال إنه لم يصدر أي بيان، رغم أن مقره كان هدفا للهجوم.

وذكر أن هناك اتفاقا ومساعي جارية، لتوسيع النشاط الحقوقي بين ناشطين ومنظمات تعمل في حقوق الإنسان، للدفع بهذه القضية لأعلى المستويات؛ لإنصاف ضحايا هذه الاغتيالات التي نفذها مرتزقة استأجرتهم الإمارات.

وأكد الصحفي اليمني أنه “من غير المقبول، ورغم الخذلان الذي نجابهه، من قبل الحكومة اليمنية الشرعية، والقوى السياسية، التفريط بمثل هذه الجرائم التي باتت موثقة بشهادات وأشرطة مصورة، أو السماح بمرور انتهاكات جسيمة من قبل دولة مارقة تمارس القتل الممنهج مع سبق إصرار وترصد”.

ويتابع حديثه: لن نسمح أن تمر هذه الجرائم دون عقاب، وسنلجأ إلى المحاكم الدولية، طلبا للعدالة”. موضحا أن أمله وكل أسر الضحايا في منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، التي دعاها لتحرك جاد لإيصال صوتهم للمحاكم الدولية.

وبحسب الهدياني، فإن ما ورد من اعترافات على لسان قادة المرتزقة ” ابراهام جولان” مالك شركة “سبير أوبريشن غروب”، ومديرها التنفيذي، “إسحاق جيلمور”، للموقع الأمريكي “بازفيد نيوز” تعدّ واحدة من القرائن التي يمكن البناء عليها.

كما أشار المتحدث ذاته إلى أن هناك إثباتات ودلائل موجودة على الأرض، تؤكد تورط الإمارات في عمليات القتل في عدن خلال السنوات الثلاث الماضية، وهناك عدد من حوادث القتل التي تم إلقاء القبض على عدد من المتورطين فيها، كعملية اغتيال محافظ عدن الأسبق، اللواء جعفر محمد سعد، ورجل الدين السلفي عبد الرحمن العدني، وتم تسليمهم إلى إدارة شرطة عدن، التي بدورها سلمتهم إلى قيادة قوات التحالف التي تتولاها “أبوظبي” في عدن. مبينا أنه منذ ذلك الحين، تم تغييب هؤلاء القتلة، ولم يقدموا أمام القضاء، ولا يعرف مصيرهم.

قيد الدراسة

من جانبها، أكدت المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، أن اللجنة (حكومية) تقوم بتحليل ودراسة كافة ما يصدر حول حقوق الإنسان، سواء من منظمات محلية أو دولية، أو من مواقع ووسائل الإعلام.

وأضافت في حديث أنه عقب التأكد من صحتها، يتم تحويلها للباحثين القانونين للتكييف. على حد قولها.

وحسب المقطري، فإن اللجنة الوطنية تحقق في هذا الملف منذ فترة، كأحد أشكال الانتهاكات التي تطال الحق في الحياة.

وأوضحت أن ما ورد في التقرير، الذي نشره الموقع الأمريكي، يتم دراسته من قبل المحققين المختصين باللجنة؛ لمعرفة إمكانية الاستفادة مما ورد فيه مع التحقيقات التي تجريها اللجنة.

آليات دولية للمحاسبة

بموازاة ذلك، قال عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وأفريقيا بمنظمة إفدي الدولية، ومقرها فرنسا، إن قيام دولة الإمارات بتجنيد مرتزقة في دولة هي في نزاع “جريمة مستنكرة وعمل ترفضه القوانين الدولية”.

وأضاف أن هناك مجموعة مصادر دولية ومصادر القانون الدولي واتفاقيات دولية لمناهضة تجنيد مرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، منها البرتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف، ونظام روما المؤسس لمحكمة الجنائيات الدولية، وكلها نصوص قانونية يمكن الاستناد في تأصيل وتكييف هذه الجريمة.

وبحسب مراري، فإن التكييف الذي يعطى لمثل هذا العمل الإجرامي الذي يقوم به مرتزق، وهو شخص يقوم بعمل عدواني على دولة بحق مدنيين، أو في حق عسكريين، دون أن يكون بالفعل مجندا، مقابل ثمن سواء كان مالا أو غير ذلك.

وذكر أن القانون الدولي يحرم هذا الفعل ويجرمه، ويعده من جرائم الحرب، فالمادة الثامنة من نظام روما تتحدث أن القتل خارج إطار القانون من “جرائم الحرب التي تستوجب المحاسبة والمتابعة”.

وأكد الخبير “مراري” من منظمة إفدي الدولية، أنه ما دام هؤلاء المرتزقة ثبت أنهم أمريكيون وفرنسيون، ففرنسا مصادقة على نظام روما، بخلاف الولايات المتحدة.

ومن هنا، فإن التعرف على أسماء المرتزقة وتحديد هوياتهم خطوة مهمة تمكن الضحايا وأسرهم من رفع شكاوى إلى محكمة الجنايات عبر منظمات مدنية حقوقية أو محامين دوليين. حسب مراري.

واستدرك بالقول إن هناك آلية أخرى لإيصال صوت أهالي الضحايا، وهي المحاكم الوطنية لمقاضاة هؤلاء المرتزقة أمام قضائهم الوطني، كأن يتم رفع دعوى أمام المحكمة العليا في فرنسا لمقاضاتهم، أي المرتزقة الفرنسيين بعد تحديد هوياتهم.

منوها إلى أن القانون الجنائي الفرنسي يجرم هذا الفعل، ويعاقب عليه إذا ما كان بين يديه مستندات ووثائق تثبت ذلك.

وشدد على أهمية “تحديد هويات المرتزقة”، حتى يتم متابعتهم قضائيا سواء أمام القضاء الوطني أو في القضاء الدولي عبر محكمة الجنايات الدولية.

أما الآلية الثالثة، وفقا للمسؤول في منظمة إفدي الدولية، فتتمثل في “اللجوء إلى المقرر الخاص للقتل خارج إطار القانون بالأمم المتحدة، حول ارتكاب السلطات الإماراتية عمليات قتل وتصفية بدم بارد دون حكم قضائي” باليمن، والتي تعد جريمة حرب وفقا للمادة السابعة والثامنة من نظام روما.

واعتبر مسؤول الشرق الأوسط وأفريقيا بمنظمة “إفدي” أن ما ترتكبه الإمارات باليمن “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك لقواعد القانون الدولي والمبادئ الكونية، وللأخلاق والقيم الإنسانية”.

وقال إن أبوظبي تجاوزت كل الحدود، معبرا عن أسفه جراء موقف المجتمع الدولي الذي يقف مشدوها وصامتا باستثناء إدانات وتقارير من لجان تنبثق عن مجلس حقوق الإنسان.

ومضى قائلا: نطالب كمنظمات حقوقية بتجاوز مرحلة التنديد إلى آليات تنفيذية عقابية وآليات المحاسبة.

وبين المتحدث ذاته أنه من الممكن عبر قواعد القانون الدولي “تفعيل قواعد المحاسبة”، لافتا إلى أهمية الرأي العام الأوروبي الذي تشكل عبر البرلمان والاتحاد والمفوضية هناك، وعبر مؤسسات دولية الأخرى في إصدار بيانات وتوصيات قوية اللهجة وواضحة المعالم فيما يتعلق بالوضع اليمني.

ويلفت المسؤول الحقوقي والقانوني بمنظمة “إفدي” الدولية، إلى أن هناك آليات كثيرة ممكن اللجوء إليها، لكنها بحاجة إلى إجراءات وخطوات قانونية وأدلة منها “توكيلات وتكاتف عائلات الضحايا مع المنظمات الحقوقية”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept