“الأيادي السوداء”.. الوجه المظلم للإمارات في المنطقة واليمن .. تفاصيل صادمة

محرر 229 مايو 2017
“الأيادي السوداء”.. الوجه المظلم للإمارات في المنطقة واليمن .. تفاصيل صادمة

ليس كل ما يلمع ذهبًا، والصور الذهنية التي تروجها الحكومات والأنظمة لنفسها عبر العديد من الأذرع الإعلامية والسياسية ربما لا تعكس واقعها السري الحقيقي الذي قد يكشف حجم الزيف والتضليل والخداع ما بين الأصل والصورة، وبين الجسد والظل.

“الأيادي السوداء” فيلم وثائقي مدته لا تتجاوز 82 دقيقة كشف بالوثائق والأدلة الدور الذي وصفه التقرير المصور بـ”المشبوه” لدولة الإمارات العربية المتحدة في دول الجوار الخليجي، ومساعيها لإجهاض ثورات الربيع العربي، وتجنيد عملاء وجواسيس محليين ودوليين، فضلاً عن علاقتها التي وصفت بـ”المتينة” مع الكيان الصهيوني ومخططاتها لشل أيادي المقاومة الإسلامية، وفي النهاية فضح سجلات انتهاكات حقوق الإنسان لديها في الداخل والخارج.

التقرير الذي يعد الأكثر وضوحًا في رسائله كشف المستور الذي طالما أنفق أبناء زايد من مليارات هنا وهناك حتى يظل طي الكتمان، خاصة أنه يؤصل لحقيقة واضحة تتمثل في تبعية الخارجية الإماراتية لتوجهات البيت الأبيض أيًا كان ساكنه دون أي اعتبارات لمصالح الأشقاء والجيران الإقليميين.

الإمارات.. كيف كانت؟

البداية تعود إلى عام 1971 حين أعلن الشيخ زايد آل نهيان، شيخ إمارة أبو ظبي اتحاده مع حاكم إمارة دبي الشيخ راشد آل مكتوم ليقودا معًا جهودًا كبيرًا لتوحيد الراية من أجل بناء دولة الإمارات الجديدة بعد الانسحاب البريطاني من دول الخليج.

تميزت الإمارات في هذه الفترة تحت قيادة الشيخ زايد الذي عين أول رئيس للدولة لمدة خمس سنوات استمرت حتى ثلاثين عامًا بتبني سياسة محايدة تعمل على مصالح الشعب الإماراتي دون التدخل في شؤون الدول المجاورة، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على صورة الإمارات خارجيًا.

كما انتهج زايد سياسة الحوار والمفاوضات بعيدًا عن الصدامات والصراعات مع الدول الأخرى بما فيها التي بينها وبينه خصومة وعداء كما هو الحال مع إيران والتي احتلت جزر طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى الإماراتية، وهنا كانت مقولة الشيخ زايد الشهيرة: “أنا عندي براهين على حقي، فأريد الآخرين أن يأتوني ببراهين، فإن كان لهم براهين أقوى من براهيني فالحق لهم وإن كانت براهيني أقوى فالحق لي”.

من الملفت للنظر في هذه الفترة غلبة الطابع الإنساني على توجهات الدولة الخارجية بعيدًا عن أي أهداف سياسية أخرى، وهو ما تجسده لغة الأرقام، ففي الفترة من 1971 – 2005 قدم صندوق أبو ظبي للتنمية ما قيمته 5.4 مليار دولار في هيئة مساعدات إلى 55 دولة، وفي أعقاب الحرب العراقية الكويتية فتح زايد أبواب بلاده أمام الفارين من الكويت، إضافة إلى تقديمه معونات لمسلمي البوسنة والهرسك ومساعدتهم على تسليح جيشهم مرة أخرى.

وسياسيًا، كانت معظم تحركات حاكم الإمارات الخارجية تدور في إطار أخوي من باب التشاور والنصح، حيث اقترح على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الاستقالة عام 2003 لحل الأزمة مع الكويت رافضًا النزاع المسلح بين الأشقاء، كذلك قيامه بدور الوساطة بين مصر وليبيا عام 1974، ونجاحه في تسوية الخلاف بين عمان واليمن في 1982، ودوره المؤثر في إعادة مصر إلى الصف العربي مرة أخرى بعد التوتر الذي شابه العلاقة بينهما في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

اقتصاديًا، لم ينشغل زايد بوضع سياسة خارجية على حساب شؤون بلاده الداخلية، والعمل على بناء منظومة اقتصادية تعود على الإماراتيين في المقام الأول، ففي الوقت الذي مثل النفط فيه نحو 66% من المساهمة في معدلات النمو، إلا أن ذلك لم يمنع من إقامة مشروعات نمو غير نفطية ارتفعت ميزانيتها من 13 إلى 57 مليار في خلال عشرة أعوام بمعدل نمو مقداره 33%.

انتهج زايد سياسة الحوار والمفاوضات بعيدًا عن الصدامات والصراعات مع الدول الأخرى بما فيها التي بينها وبينه خصومة وعداء كما هو الحال مع إيران

النفط وبروز الدور الأمريكي

ظلت الإمارات بعيدة نسبيًا عن مجهر الاهتمام الدولي، فتلك الدولة الصغيرة الواقعة وسط صحراء قاحلة قليلة الموارد بعيدة الحضور قليلة التأثير الإقليمي، كيف يمكنها أن تخطف الأضواء وتفرض نفسها على خارطة العالم؟

لكن ومع ظهور النفط الذي أحدث هزة اقتصادية وسياسية عادت الإمارات من بعيد إلى صدارة المشهد، ولم يكتف الأمر عند هذا الحد، بل إن قرارها بحظر تصدير النفط لدول أوروبا كان له مفعول السحر في وضعها تحت مجهر العناية الأمريكية.

استجابة الإمارات لقرار الملك فيصل آل سعود بحظر تصدير النفط دعمًا لمصر في حربها ضد الكيان الإسرائيلي أحدث ارتفاعًا قياسيًا في أسعار البترول خاصة في ظل عدم وجود موارد نفطية بديلة في أوروبا وأمريكا، وهو ما دفع الأخيرة إلى توجيه دفة الاهتمام إلى منطقة الخليج من أجل تأمين منابعها النفطية من جانب، وفرض الإمارات كدولة نفطية لاعب أساسي في المشهد الإقليمي.

هكذا تحولت الإمارات العربية المتحدة مع مرور الوقت إلى أداة تستخدمها الإدارة الأمريكية في تنفيذ أجندتها الخارجية

استغلت واشنطن الاعتداء العراقي ضد الكويت لترسخ أقدامها في الشرق الأوسط بصورة رسمية، لحماية مصالحها وتعزيز احتياطيها النفطي، ومن هنا بدأت مغازلة أبو ظبي التي رحبت بشكل كبير بتوطيد علاقتها مع الولايات المتحدة التي تخلت عن مبدأ “نيكسون” في عدم التدخل المباشر في شؤون الدول الخارجية.

وفي 1994 منحت اتفاقية التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والإمارات الحق لأمريكا في بناء قواعد عسكرية على أرض الإمارات، خاصة في منطقة جبل علي التابعة لإمارة دبي كونه المرفأ الوحيد الذي يتمتع بالعمق الكافي لرسو الطائرات الأمريكية، ومن ثم باتت الإمارات واحدة من ثلاث دول في العالم شاركت واشنطن بلا انقطاع في تحالفاتها العسكرية خلال الـ20 عامًا الأخيرة.

وهكذا تحولت الإمارات العربية المتحدة مع مرور الوقت إلى أداة تستخدمها الإدارة الأمريكية في تنفيذ أجندتها الخارجية، إلى الحد الذي دفع البعض لوصف هذه العلاقة بـ”التبعية” وأن القرار الإماراتي يأتي أولاً من البيت الأبيض قبل أن يطرح للنقاش داخل خيم أبناء زايد، فما الذي حدث؟

رسمت سياسة الشيخ زايد المحايدة صورة الإمارات الإيجابية خارجيًا

إلى ماذا وصلت؟

في الثاني من نوفمبر 2004 توفي مؤسس الإمارات الشيخ زايد آل نهيان،  الملقب بين العرب بـ”زايد الخير” لتدخل البلاد مرحلة أخرى من التناقض، حيث الانقلاب على ثوابت الراحل ومبادئه لا سيما فيما يتعلق بعلاقته بشعبه وقوميته وحبه لجيرانه وانتهاجه سياسة الحياد وإيثاره لعدم التدخل في شؤون الآخرين.

يبدو أن النمو الاقتصادي الذي شهدته الإمارات عقب ظهور النفط والذي قفز بالإنتاج من 3 مليار درهم عام 1971 إلى 1503 مليار درهم عام 2013، قد أغرى أبناء زايد “محمد” و”عبد الله” و”سيف” في التطلع لمزيد من الحضور الدولي والانتقال من مجرد فكرة الفاعلية الإقليمية الهادئة إلى التدخل الدولي المباشر مستغلين تراجع الأطراف القوية الفاعلة في المنطقة.

التقرير الوثائقي المصور تطرق بالتفصيل ووفق ما نشره من وثائق ومستندات إلى الأيادي الإماراتية السوداء الممدودة داخل بعض الدول الخليجية والعربية

أبناء زايد سعوا بكل ما لديهم من إمكانيات لخطب ود البيت الأبيض بشتى السبل، مهما كانت كلفة ذلك، في محاولة لترسيخ أقدامهم كقوى فاعلة في المنطقة، وهو ما وجدت فيه أمريكا ضالتها خلال ثورات الربيع العربي التي سيرد ذكرها تفصيلا في موضع آخر.

الولايات المتحدة منذ 2011 تتبنى استراتيجية القيادة من الخلف تعتمد فيها على عدد من الأطراف الإقليمية لإدارة الصراعات الدولية، وباتت الإمارات واحدة من تلك الأطراف، وبالتالي أصبحت السياسة الإماراتية خلال السنوات الماضية رهنًا بما تمليه عليه السياسة الأمريكية.

الأيادي السوداء

التقرير الوثائقي المصور تطرق بالتفصيل ووفق ما نشره من وثائق ومستندات إلى الأيادي الإماراتية السوداء الممدودة داخل بعض الدول الخليجية والعربية في محاولة للوقوف على دورها المحوري في تفتيت الشعوب وإجهاض أحلامها ودعم الكيانات الديكتاتورية ذات الصلة والشبهة بكيانها الحاكم الذي يعتمد في حكم البلاد على بعض الأسماء التي تدير المشهد بدءًا بالحاكم مرورًا ببعض المناصب كالخارجية والدفاع.

الدور الإماراتي المشبوه لم يقتصر فقط على دول الربيع العربي كما يظن البعض على اعتبار حالة الفوبيا التي سيطرت على أبناء زايد عقب انطلاق قطار الربيع العربي، والتي دفعتها إلى بذل الغالي والنفيس من أجل إيقاف هذا القطار أو تغيير مساره.

ويمكن رصد تلاعب الأيادي الإماراتية السوداء داخل بعض الدول من خلال المحاور التالية:

أولاً: منافسة السعودية إقليميًا

العلاقات بين السعودية والإمارات ليست على ما يرام كما يتوهم البعض، بل إن الخلافات بينهما تفوق خيال الكثيرين والتي كادت أن تصل في كثير من الأحيان إلى درجة الصدام.

الإمارات تسعى وبكل قوة إلى منافسة دور السعودية إقليميًا وتعمل جاهدة من أجل تقويض دور الرياض في مقابل بسط نفوذها السياسي والمالي بما يضعها على قائمة الدول الأكثر فاعلية، هذا بالطبع في ظل غياب وتراجع الدور المصري منذ سنوات عديدة.

ويمكن تلمس مساعي أبو ظبي لتقليل نفوذ السعودية من خلال الوضع في اليمن، حيث تخطط الإمارات لتفعيل سيناريو الانفصال والتقسيم إلى شمال وجنوب، لتحصل هي على القسم الجنوبي الذي يؤهلها لفرض سيطرتها الكاملة على ميناء عدن ومضيق باب المندب.

“نون بوست” في تقرير له كشف عن دعم الإمارات للحوثيين والرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ونجله، وما كان لهذا الدعم من دور كبير في انقلاب الحوثي وتغير ملامح خارطة المشهد داخل اليمن.

وفي مضمار آخر تسعى أبو ظبي إلى منافسة السعودية في مصر عبر بوابة الاستثمارات والتأثير في الشأن المصري، فرغم كون الدولتان من أكثر الدول الداعمة لنظام الحكم العسكري في مصر، فإن هذا لا يخفي التنافس الواضح بينهما في تحقيق أكبر المكاسب.

وفي عام 2008، نشر موقع ويكليكس وثيقة أبدى فيها محمد بن زايد “احتقارًا للسعوديين”، مؤكدًا أنهم “ليسوا أصدقاءه” وأن هناك تاريخًا من “الصراع والدماء بينهم”، فضلاً عن وصفه لوزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بـ”القرد”، ولعل هذا ما يفسر منع السعودية أغلب حكام الإمارات حضور جنازة عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، بحسب الوثائقي.

لكن سرعان ما نجحت الدبلوماسية الإماراتية في امتصاص غضب الرياض بسبب تلك التصريحات التي كشفتها الوثيقة من خلال دعم ولي ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان، الذي بدأ يسير هو الآخر في ركب أبناء زايد لا سيما فيما يتعلق بالتبعية للولايات المتحدة بصورة كبيرة.

 يسعى أبناء زايد وبكل قوة إلى منافسة دور السعودية إقليميًا ويعملون جاهدين من أجل تقويض هذا الدور في مقابل بسط نفوذهم السياسي والمالي بما يضعهم على قائمة الدول الأكثر فاعلية

توتر خفي في العلاقات بين السعودية والإمارات جسدته الأزمة اليمنية

ثانيًا: التخطيط لقلب نظام الحكم في عمان

في 2015 أبدت سلطنة عمان قلقها من عمليات شراء غير مسبوقة يقوم بها محمد بن زايد لأراضي وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود مع الإمارات، تزامنت مع تواتر الاخبار بشأن مرض السلطان قابوس والحديث عمن يخلفه في حكم السلطنة.

التليفزيون العماني كشف في أحد تقاريره المذاعة عن نجاح قوات أمن السلطة في الكشف عن شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة الإماراتي تستهدف نظام الحكم في عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري فيها.

ومن الخطوات التي أثارت التساؤلات عن العلاقة بين الإمارات وسلطنة عمان قيام عبد الله بن زايد، بعد تعيينه وزير الدفاع الإماراتي بعزل منتسبي الجيش من أصول عمانية.

 

ثالثًا: عداء الربيع العربي

أصابت ثورات الربيع العربي أركان السياسة الخارجية الإماراتية بهزة عنيفة وضعتها أمام تحديات خطيرة أفقدها التوازن في كثير من الأحيان، حيث بدأ أبناء زايد يستشعرون الخطر حيال تهديد نظام حكمهم حال إصابته بعدوى تلك الثورات.

ومنذ البداية ارتأى صانع القرار الإماراتي أن الربيع العربي خطرًا يهدد الأمن القومي العربي ويجب مواجهته بشتى السبل، لأن نجاح نموذج واحد من هذه الثورات ربما ينسف كراسي وعروش كثير من الدول التي تفتقد أنظمة وإدارة حكمها للديمقراطية وإرادة الشعب.

داخليًا، رغم أن الإمارات لم تشهد أي موجات احتجاجية معارضة، فإن حالة من القلق والفوبيا سيطرت على نظام الحكم داخل البلاد، وهو ما يفسر طريقة التعامل مع العريضة المقدمة من 130 شخصية وطنية إماراتية تناشد رئيس الدولة تطوير صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي، حيث يتم اعتقال الموقعين على الوثيقة خشية تطور تلك المطالب إلى تحالف سياسي.

التليفزيون العماني كشف في أحد تقاريره المذاعة عن نجاح قوات أمن السلطة في الكشف عن شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة الإماراتي تستهدف نظام الحكم في عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري فيها

وفي الإطار ذاته حلت الدولة جمعية الإصلاح المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين واعتقلت عددًا من رموزها ووجهت اتهامات لبعض أعضائها بالتحريض على قلب نظام الحكم، إضافة إلى إلغائها تأشيرات نحو 60 شخصًا من السوريين بحكم مخالفة القانون والتظاهر أمام قنصليتهم بدبي.

خارجيًا، هلع أبناء زايد من امتداد عدوى الربيع العربي إلى بلادهم دفعهم بجانب ما فعلوه داخليًا إلى العبث بالشؤون الداخلية لدول الربيع والتحالف مع قيادات الثورات المضادة بها ودعمها بشتى السبل من أجل إجهاض أحلام شعوب تلك البلدان في الحرية والكرامة وتغيير الأوضاع المأساوية التي يحيوها منذ عقود طويلة.

وبلغت صور العداء الإماراتي للربيع أشده ضد جماعة الإخوان المسلمين والتي ترى فيها أبو ظبي تهديدًا حقيقيًا لنظام حكمها، وهو ما دفعها للضغط بشتى السبل لتطويق الجماعة وتضييق الخناق عليها، وهو ما ظهر بصورة جلية في الضغط على بريطانيا لإدراج الجماعة على قائمة الكيانات الإرهابية ملوحة بفسخ وإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة معها، علمًا من الإمارات بثقل الإخوان في بريطانيا.

“الدولة الخنجر” مصطلح يشير إلى استخدام الدول الكبرى لدول أخرى محدودة التأثير في تنفيذ أجنداتها الخارجية، وهو مفهوم أطلق على الإمارات العربية المتحدة في علاقتها بالولايات المتحدة وتوجهاتها في المنطقة.

 

1- دعم الانقلاب العسكري في مصر

مثلت الإمارات أحد الأضلاع الرئيسية في انقلاب الثالث من يوليو 2013، حين سخرت كل إمكانياتها المادية والسياسية والمخابراتية لإفشال حكم الإخوان والتمهيد للانقلاب العسكري وهو ما كان بالفعل.

في تقرير لـ”نون بوست” كشف عن حجم الدعم الذي قدمه أبناء زايد للسيسي بعد الانقلاب، بداية تم تقديم منحة قيمتها مليار دولار، ووديعة بقيمة ملياري دولار، وبعد ذلك 4.9 مليار دولار لإقامة مشاريع خدمية، إضافة إلى تمويل شراء كميات من الوقود لتأمين احتياجات مصر من الطاقة حتى 2015، كما قدم تمويل مبادرات ومشاريع متنوعة بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فوفقًا للبنك المركزي المصري تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول من حيث الاستثمارات العربية المباشرة الموجودة بمصر، بقيمة 401.2 مليون دولار، وبحسب مسؤولين إماراتيين فإن بلادهم قدمت لمصر أكثر من 14 مليار دولار حتى 2015.

كما دعمت الإمارات الثورة المضادة التي استهدفت من خلالها وأد ثورة يناير وتبعاتها وإسقاط أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، حيث أغدقت الأموال على حركة “تمرد” التي قادت حملة توقيعات لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين، كذلك دعم الأمن المصري بالأسلحة والذخيرة التي تتصدى بها لأي مظاهرات احتجاجية ضد الانقلاب.

كما لعبت دورًا آخر في تأجيج الصراع الداخلي وإحداث الانقسام بين طوائف الشعب من خلال قنواتها الإعلامية التي تعزف على وتر غياب الاستقرار والوقيعة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، كما ساعدها تمويلها لوسائل إعلام مصرية في فرض أجندتها الخاصة على السياسة التحريرية لهذه الوسائل، خاصة ذات الانتشار الواسع كصحيفة اليوم السابع والمصري اليوم والوطن، إضافة إلى تمويل إنشاء بعض المراكز البحثية والإعلامية التي تخدم توجهاتها مثل المركز العربي للدراسات والبحوث الذي يديره البرلماني عبد الرحيم علي، المقرب من الإمارات ودوائر صنع القرار المصري، فضلاً عن تقديم الهدايا والمكافآت لعدد من الإعلاميين بهدف الالتزام بالتعليمات وتنفيذ المطلوب على أكمل وجه، كما كشفت تسريبات “ويكيليكس”.

وعلى الرغم من سيطرة الإمارات على توجهات وسياسات العديد من وسائل الإعلام المصرية، فذلك لم يكن كافيًا، حيث شرعت في إنشاء قناة خاصة تكون صوت الإمارات في مصر، وبالفعل كانت قناة “الغد العربي”، كذلك استضافتها لرموز الثورة المضادة على رأسهم أحمد شفيق وبعض عناصر “جبهة الإنقاذ الوطني” التي شكلت ضد مرسي ونظامه.

بحسب مسؤولين إماراتيين فإن بلادهم قدمت لمصر أكثر من 14 مليار دولار حتى 2015

دعم إماراتي لحركة تمرد بهدف إسقاط نظام الرئيس مرسي

 

2- إجهاض الثورة الليبية

واصلت الإمارات مد أياديها السوداء داخل كل دول الربيع العربي، حيث دعمت اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته المناهضة للثورة الليبية من خلال توجيه ضربات جوية على العاصمة طرابلس في أغسطس 2014، فضلاً عن تقديم الدعم السياسي والعسكري والمادي.

كما أنشأت الإمارات غرفة عمليات لديها لمتابعة ما يدور في ليبيا، واستقبالها لداعمي الثورات المضادة من الليبيين، كما أدخلت السلاح علانية للأراضي الليبية رغم مخالفة ذلك للقانون الدول، كما باتت الإمارات مأوى لرموز الثورة المضادة في ليبيا وقبلة لبعض قيادات القذافي.

الدعم الإماراتي لليبيا وإجهاض الثورة بها لم يتوقف عند الدعم السياسي أو العسكري، بل استحدث أبناء زايد أساليب جديدة واستخدموا أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها “شراء الذمم والضمائر” والتي باتت إحدى محددات السياسة الخارجية الإماراتية.

على رأس الذمم التي اشترتها الإمارات الوسيط الدولي الذي عمل في ليبيا برنارد ليون والذي عينته الإمارات رئيسًا للأكاديمية الإماراتية الدبلوماسية مقابل 35 ألف جنيه إسترليني، لتنفيذ أجندتها داخل ليبيا، وهو ما كان بالفعل، حيث كشف التقرير التليفزيوني المصور عن وثيقة موجهة من البريد الإلكتروني الخاص بليون إلى وزير خارجية الإمارات بتاريخ 31/12/2014 يؤكد فيها أنه لن يدعو الأطراف الليبية للحوار حسب الاتفاق، إضافة إلى “تشاوره مع محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا السابق المقيم في الإمارات” وذلك بعد أقل من 5 أشهر على عمله كوسيط دولي داخل ليبيا.

وبمناسبة الحديث عن سياسة شراء الذمم انتقدت صحيفة “ذا فايننشيال تايمز” في يونيو 2014 علاقة الإمارات برئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، مؤكدة أنه يعمل لصالح الإمارات في الكواليس، وأن أبناء زايد قد نجحوا في شراء نفوذ الرجل وعلاقاته الخارجية من أجل خدمة مصالحهم في المنطقة.

 استحدث أبناء زايد أساليب جديدة لتنفيذ مخططاتهم الخارجية، على رأسها “شراء الذمم والضمائر”

باتت أبو ظبي ملاذ قيادات الثورة المضادة في ليبيا

 

3- مليارات الأسد أبقى من دماء السوريين

على الرغم من الغطاء السياسي الظاهري الذي يسعى أبناء زايد إلى ترويجه إعلاميًا بشأن انحيازهم لإرادة الشعب السوري وثورته وهو ما تمثل في سحب الإمارات لسفيرها لدى نظام الأسد، فإن الممارسات على أرض الواقع لها رأي آخر وهو ما يكشف حجم التناقض في التوجهات.

الوثائق التي بثها التقرير كشفت عن العلاقات الاقتصادية التي تربط بين أبناء زايد ونظام الأسد والتي تجاوزت 10 مليارات دولار، اختارت الإمارات حمايتها على وقف نزيف الدم السوري.

وفي 2013 زودت أبو ظبي سوريا بأسلحة صاروخية طلبتها خصيصًا من مصر وتقنيات اتصالات حديثة وتسجيلات لرموز المعارضة قامت بالتجسس عليهم لصالح نظام الأسد، كما دعمت قناة “أورينت” التابعة للنظام السوري بما قيمته 15 مليون دولار من أجل تشويه معارضي الأسد، إضافة إلى تصنيفها 20 فصيلاً ثوريًا سوريًا ضمن قائمة الإرهاب.

الجانب الخفي في العلاقات بين الإمارات وإسرائيل يتمثل في مساعدة الإمارات في تهويد القدس

 

غموض حول الموقف الإماراتي من الأزمة السورية

 

متانة العلاقة مع “إسرائيل”

من الملفات التي كشفها الفيلم الوثائقي العلاقات القوية التي وصفها بـ”المتينة” بين حكام الإمارات ودولة “إسرائيل”، ففي وثيقة تعود إلى 2009 للدبلوماسي الأمريكي في تل أبيب مارك سيفرز، أكد خلالها على متانة العلاقة بين الإمارات و”إسرائيل” برعاية عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، حسبما كشف موقع “ويكليكس”.

العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل” لها شقين، أحدهما معلن والآخر خفي، أما الشق المعلن فيتعلق بحجم استثمارات وتبادل تجاري بين البلدين يبلغ مليار دولار سنويًا ورحلة جوية بين البلدين يوميًا، أما الجانب الخفي فيتمثل في مساعدة الإمارات في تهويد القدس.

هذا الجانب فضحه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الضفة، حين لفت إلى شراء الإماراتيين منازل في القدس بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية، منوهًا أن فادي السلامين أحد المقربين من محمد دحلان مستشار الإمارات الأمني، هو أحد أبرز من يقوم بتلك العمليات.

التسريبات كشفت أيضًا عن لقاء عقد بين وزير الدفاع “الإسرائيلي” أفيغادور ليبرمان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، قبل الحرب الأخيرة على غزة.

الإماراتيون يوظفون دحلان – بجانب رسم هيكلة العمل لجهاز أمن الدولة الخاص بهم والمتهم بانتهاكات حقوق الإنسان -، في تحقيق أجندتهم الخارجية داخل فلسطين وخارجها

في 2006 كشفت وثيقة مسربة عن قلق محمد بن زايد من فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، إضافة إلى التساؤلات التي فرضتها جريمة اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في الإمارات والتي أثارت الشكوك عن العلاقة بين البلدين، خاصة أنه لم يتم إطلاع حماس على التحقيقات التي أغلق الباب فيها دون اتهام أحد.

ووصل الأمر إلى قيام الجانب الإماراتي باعتقال عناصر من صفوف المقاومة الإسلامية حماس، وإجبارهم على الاعتراف والإدلاء بالمعلومات تحت التعذيب ثم تزويد “تل أبيب” بهذه المعلومات، بحسب الوثائقي.

ثم يأتي دور محمد دحلان، القيادي السابق بحركة الفتح والمفصول بسبب اتهامه بالتجسس لصالح “إسرائيل”، والذي يعمل مستشار ولي عهد الإمارات، وهو الورقة الأقوى في أيدي أبناء زايد لإعادة تشكيل منظومة الصراع الإقليمي بما لديه من نفوذ كبير وسيطرته على العديد من المليشيات التي يوظفها في بعض البلدان، فضلاً عن كونه أحد اللذين يعادون الإسلاميين ويعتبرهم العدو الأساسي في المنطقة.

الإماراتيون يوظفون دحلان – بجانب رسم هيكلة العمل لجهاز أمن الدولة الخاص بهم والمتهم بانتهاكات حقوق الإنسان -، في تحقيق أجندتهم الخارجية داخل فلسطين وخارجها مستغلة علاقاته الوثيقة بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق جورج تينيت، ويستون سحاق من الجيش “الإسرائيلي”، ويعقوب بيري من الموساد.

محمد دحلان.. ورقة الإمارات للتقارب مع تل أبيب

 

سجل مشين لحقوق الإنسان

تعاني منظومة حقوق الإنسان في الإمارات من العديد من صور الانتهاكات الجسيمة التي ربما تغيب عن البعض في ظل الصورة الإيجابية التي تسعى الخارجية الإماراتية دومًا أن الترويج لها في الداخل والخارج، ويعد سجني الرزين والسجن المركزي التابع لجهاز أمن الدولة في أبو ظبي علامتين بارزتين على هذه الانتهاكات.

استهداف المعارضين لا يقتصر على الداخل الإماراتي فحسب، بل وصل إلى ملاحقتهم خارج البلاد

المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية تؤكد اعتماد الإمارات سياسة الإخفاء القسري منذ اندلاع الربيع العربي، حيث يعد في عداد المفقودين كل من يغرد خارج السرب، ولو كان على مواقع التواصل الاجتماعي.

العديد من الشواهد التي أوردها التقرير تعزز هذا الرأي، حيث تعرضت 3 شقيقات للإخفاء القسري مئة يوم في 2014 بسبب تغريدات لهن عما تعرض له شقيقهن الدكتور عيسى السويدي المعتقل ضمن دعاة الإصلاح، كذلك اعتقال نجلتي محمد العبدولي الذي استشهد في سوريا ولا تزال إحداهن معتقلة حتى الآن.

استهداف المعارضين لا يقتصر على الداخل الإماراتي فحسب، بل وصل إلى ملاحقتهم خارج البلاد، فها هو عبد الرحمن السويدي، المحسوب على جمعية الإصلاح، والمحكوم عليه بـ15 عامًا، يتم اختطافه من إندونيسيا وترحيله على طائرة خاصة إلى أبو ظبي.

ومن صور الانتهاكات أيضًا داخل الأراضي الإماراتية ما يتعرض له العمال من معاملة سيئة وقاسية، وصلت وبحسب وصف صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية حد السخرة والعبودية.

 

دعم محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا

كشف “نون بوست” في تقرير له عن تورط أبناء زايد في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في الخامس عشر من يوليو 2016، وذلك عبر تعاون جرى بين الحكومة الإماراتية ومُدبري الانقلاب في تركيا، بوساطة محمد دحلان، الذي عمل كحلقة وصل بينهم وبين رجل الدين التركي المقيم في أمريكا، وذلك قبل أسابيع من المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وحسب المصادر فإنّ دحلان قام بتحويل أموال إلى مدربي الانقلاب في تركيا، وتواصل قبل أسابيع مع فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، وذلك عن طريق رجل أعمال فلسطيني يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ هوية هذا الرجل الفلسطيني، المُقرّب من دحلان، معروفة لدى الاستخبارات التركية.

وفي السياق ذاته سارعت وسائل الإعلام الإماراتية أو التي تتخذ من أبوظبي مقر لها مثل العربية وسكاي نيوز، إلى بث أخبار تفيد بنجاح الانقلاب في تركيا وقدرة الجيش على الإطاحة بأردوغان وحزبه، بل وصل الأمر إلى الحديث عن هروبه خارج البلاد وطلبه اللجوء إلى ألمانيا.

وهكذا يتضح حجم التناقض الكبير بين الصورة التي ترسمها الإمارات لنفسها كدولة متحضرة تحترم شؤون جيرانها وتلتزم بالمواثيق الدولية في هذا الشأن وواقعها السري الذي تكشفت بعض خيوطه وأبرزت وبشكل واضح مخططاتها الإقليمية والدولية مستخدمة بعض الأيادي السوداء في تحقيق تلك الأهداف.

*نون بوست

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept