مصر.. الكشف عن تفاصيل جديدة عن مخطط السيسي للإطاحة بمرسي

محرر 27 يوليو 2018
مصر.. الكشف عن تفاصيل جديدة عن مخطط السيسي للإطاحة بمرسي

قبل أسبوع واحد من الانقلاب، أدلى عبد الفتاح السيسي، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس مرسي كوزير للدفاع ورئيس للقوات المسلحة، بخطاب خارج عن المألوف حيث حذّر من أن الجيش قد يتدخل في حال هزّت الاحتجاجات المناهضة للحكومة والمظاهرات المضادة، البلاد. وفي هذا الصدد، كان السيسي قد صرح قائلاً: “نحن مسؤولون بالكامل عن حماية إرادة الشعب المصري العظيم، وبالتالي، فإن أولئك الذين يسيئون للجيش وكأنهم يسيئون لكل المصريين. ومن يظن أننا سنلتزم الصمت تجاه أي هجوم يستهدف الجيش فهو مخطئ”.

في السياق ذاته، أضاف السيسي أن “القوات المسلحة لم تحاول أبدًا التدخل في الشؤون العامة أو في السياسة، لكنني أود أن أقول إننا جميعًا نتحمل مسؤولية أخلاقية وقومية وتاريخية تجاه الوطن، لهذا لن نقبل أبدًا أن تدخل مصر في نفق مظلم من النزاعات والصراعات الداخلية أو الحرب الأهلية أو انهيار مؤسسات الدولة”. وقد كان السيسي قد التقى بمحمد مرسي قبل إلقاء هذا الخطاب بوقت قصير لكنه لم يعطي أي تلميحات حول ما كان سيقوله. وقبل يوم من إلقاء هذا الخطاب، خرج مئات المتظاهرين في مسيرة متجهين نحو وزارة الدفاع من أجل دعوة الجنرال لافتكاك السلطة من مرسي.

صرح المسؤول السابق لمرسي قائلا: “لقد كنا حينها في المكتب، وكنا واثقين إلى حد ما من أن الجيش لن يتدخل. لكن، بعد تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي في 23 حزيران/يونيو، كان من الساذج مواصلة الاعتقاد بأن الجيش لن يتدخل”. ويعتقد المسؤول أن السيسي كان يخطط للقيام بانقلاب على امتداد أشهر. وعلى الرغم من أن القليلين فقط كانوا على علم بذلك، إلا أن السيسي كان يجتمع أسبوعياً، وبالتحديد كل خميس، مع قادة المعارضة في نادي القوات البحرية في القاهرة. وكانت هذه الاجتماعات تجري منذ انطلاق الأزمة الدستورية في كانون الأول/ديسمبر سنة 2012، التي اتهم فيها المعارضون مرسي بمنح نفسه المزيد من الصلاحيات.

شهد الأسبوع الأخير من شهر حزيران/ يونيو اندلاع أعمال عنف في جميع أنحاء البلاد، كان معظمها ضد أنصار مرسي وجماعة الإخوان المسلمين

الجدير بالذكر أن السيسي قدم نفسه كوسيط محايد بين المعارضة ومرسي، إلا أنه كان يساند المعارضة بصورة علنية في الخطاب الذي ألقاه في 23 حزيران/ يونيو. وفي هذا الإطار، أفاد المسؤول السابق أن “أقواله كانت تتماشى بشكل واضح مع مواقف المعارضة”. وخلال مؤتمر صحفي تم تنظيمه تحت عنوان “بعد الرحيل”، دعا كل من تحالف المعارضة والجبهة الوطنية للإنقاذ مرسي لتقديم استقالته وعقد انتخابات مبكرة.

23 حزيران/ يونيو: مرسي يُطلب منه مغادرة القصر

في اليوم ذاته، طلب الجنرال محمد زكي، قائد الحرس الجمهوري، المكلف بحماية الرئيس، من مرسي ومساعديه، مغادرة قصر الاتحادية ومواصلة العمل من مقر الحرس الجمهوري، وهي منشأة عسكرية أمنية تتميز بحراسة مشددة تقع في شارع “منشيه الطيران” في مصر الجديدة بالقاهرة.

آنذاك، لم تكن وسائل الإعلام أو الشعب على علم بالمكان الذي يتواجد فيه مرسي. من جهة أخرى، قيل لمرسي وفريقه إن القصر الجديد سيكون أكثر أمانًا من القصر الرئاسي خلال المظاهرات ضد مرسي التي من المقرر أن تنطلق بعد أسبوع وذلك في 30 حزيران/ يونيو، حيث كان من المتوقع أن يتجه المتظاهرون نحو القصر الرئاسي. وفي وقت لاحق، اتضح أن الجنرال زكي كان الذراع اليمنى للسيسي الذي ساعده في التخطيط للانقلاب.

من 26 إلى 29 حزيران/ يونيو: حالة احتقان في الشارع

شهد الأسبوع الأخير من شهر حزيران/ يونيو اندلاع أعمال عنف في جميع أنحاء البلاد، كان معظمها ضد أنصار مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. وقد تم نهب وحرق ما لا يقل عن 20 مكتباً لأحزاب سياسية وطنية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وفي 25 حزيران/ يونيو، تم حرق منازل إثنين من قادة الإخوان المسلمين في محافظة الشرقية في شمال مصر، وهي مسقط رأس محمد مرسي.

في الأثناء، انطلقت أعمال العنف، تحديدًا بعد خطاب مرسي المطول في 26 حزيران/ يونيو، الذي تحدث فيه عن التحديات التي واجهها خلال السنة الماضية وعن رؤيته للمستقبل. وقد صرح مرسي أن “كل ثورة لها أعدائها ولكل شخص منافسون، كما أن كل دولة تواجه تحديات، وأنا متأكد أننا كمواطنين مصريين، قادرون على تخطي هذه الفترة إن شاء الله”.

في الإطار ذاته، قال مرسي: “لقد كنت على حق في بعض الأحيان ومخطئًا في البعض الآخر. ومما لا شك فيه أنني قمت بالعديد من الأخطاء كما كنت على حق قدر المستطاع. ومن المتوقع أن تُرتكب بعض الأخطاء، ولكن تصحيحها واجب. إن هناك من يسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى زمن الفساد والقمع والاحتكار والظلم، وللأسف، يبدو أن هناك أشخاصا بيننا لا يتخيلون حياتهم دون هذه الأمور”.

في 28 حزيران/ يونيو، بدأ المتظاهرون في التجمع في أجزاء مختلفة من القاهرة. وتجدر الإشارة إلى أن المحتجين المناهضين لمرسي قاموا بنصب خيام في كل من مصر الجديدة وميدان التحرير، استعدادًا ليوم 30 حزيران/يونيو. في المقابل، بدأ المتظاهرون المؤيدون لمرسي بالتجمع منذ 21 حزيران/يونيو ضمن اعتصام وسط ميدان رابعة العدوية.

استنادًا إلى ما صرح به هذا المسؤول، توقعت الجموع الموالية لمرسي خيانة من قبل الجيش ومحاولة لإبعادها، لذلك قامت باحتجاجات حاشدة في ميدانيْ رابعة والنهضة في القاهرة

من جانب آخر، لم يُسمح لمؤيدي مرسي بالاحتجاج في ميدان التحرير، الذي مثل بوتقة الثورة التي قامت ضد نظام حكم الرئيس حسني مبارك في شباط/ فبراير سنة 2011. ولعدة أشهر، كان يُمنع على مؤيدي مرسي الوصول إلى ميدان التحرير ووسط المدينة، حيث يعود الفضل في ذلك إلى الجيش الذي قام بتطويق الساحة، وسمح فقط لمعارضي مرسي بالاحتجاج في ميدان التحرير. في الآن ذاته، وقعت عديد الاشتباكات في ميدان التحرير مع اعتراض الناشطين الليبراليين الشباب، المناهضين لمرسي، على رفع صور حسني مبارك في الساحة، الذين تم طردهم في نهاية المطاف من الساحات من قبل متظاهرين آخرين.

بحلول 29 حزيران/ يونيو، كانت أعمال العنف قد انتشرت والأوضاع ازدادت سوءًا. فقد تعرضت مكاتب حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين التابعة لمرسي لهجمات من قبل عصابات مسلحة معارضة للحكومة. كما تم طعن شاب أمريكي في الإسكندرية، يدعى أندرو بوشتر، حتى الموت أثناء تصويره لاحتجاجات المعارضة، وقد تم الإبلاغ كذلك عن مقتل ما لا يقل عن سبعة من أنصار مرسي. ووفقًا لما وثقته جماعات حقوق الإنسان، تعرضت سبع نساء على الأقل للتحرش الجنسي، بما في ذلك صحفية هولندية، كما تعرضت بعض من النساء الأخريات لاغتصاب جماعي.

استنادًا إلى ما صرح به هذا المسؤول، توقعت الجموع الموالية لمرسي خيانة من قبل الجيش ومحاولة لإبعادها، لذلك قامت باحتجاجات حاشدة في ميدانيْ رابعة والنهضة في القاهرة. وقد كانوا يحاولون التعبير عن دعم مرسي وشرعيته، على أمل أن يتراجع الجيش عن اتباع إستراتيجيته عند تبيّنه للغضب الشعبي. وقد أفادت حركة التمرد، التي ادعت أنها جمعت 22 مليون توقيع للإطاحة بمرسي، أن القوات الموالية لمرسي أطلقت حملة مماثلة أطلق عليها “حملة تجرد”، والتي ادعت جمع عدد مماثل من التوقيعات لتأييد شرعية مرسي. وقد قال المسؤول: “لقد استمعنا إلى هذه المزاعم، وكنا نعلم أنه لا يمكن التحقق من أي منها بشكل مستقل، ولكننا كنا ندرك أيضًا أن عدد الأصوات المناهضة لمرسي يتم تضخيمها من قبل الصحافة الغربية”.

أكد المسؤول أن الجيش كان على دراية تامة بأعداد المحتجين من كلا الطرفين

30 حزيران/يونيو: احتجاجات جماهيرية

في 30 حزيران/يونيو، كان مرسي لا يزال في مقر الحرس الجمهوري، في الوقت الذي سار فيه المتظاهرون باتجاه قصر الاتحادية، رافعين بطاقات حمراءوهم يهتفون “يسقط مرسي! يسقط الإخوان المسلمون”. كما كانوا أيضًا يدعون الجيش للتدخل. وفي إحدى المسيرات، حمل أحد المتظاهرين ضابط شرطة على كتفيه كإشارة على النصر.  

تواصل الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مع مرسي في صباح ذلك اليوم وشجعه على اتخاذ “قرارات جريئة”. وبعد ذلك بساعات، التقى مستشار الشؤون الخارجية لمرسي، عصام الحداد، بالسفيرة الأمريكية، آن باترسون. وقال المسؤول الكبير، متحدثا باختصار عن اللقاء، إن باترسون أخبرت الحداد في تلك الليلة أنه لا خوف من حجم الاحتجاجات، حيث أن الجيش هو عامل الحسم. في هذا الصدد، توجهت باترسون للحداد، مؤكدة: “من يدعمكم هو السيسي، وليس الشعب. في الحقيقة، يحاول المصريون التغاضي عن حقيقة أن المجلس العسكري هو من أطاح بمبارك وليس الشعب، فلا شيء سيحدث إلا إذا تحرك الجيش”.

أورد المسؤول الكبير أن باترسون، وأثناء اللقاء، تحدثت عن تحليلها لموقف السيسي وأكثر المعطيات التي كان لها تأثير عليه. ففي الواقع، لا يرغب السيسي في أن يصبح الجيش تابعا لأشخاص من المدنيين، بل أراد أن تكون للجيش اليد العليا في البلاد. ومن المرجح أن السيسي لم يكن صاحب القرار في كل شيء داخل الجيش، وربما كان يتعرض للضغط أو حتى التهديد من باقي أعضاء المجلس العسكري. كان أكثر ما يشغل السيسي في ذلك الوقت علاقة الجيش بالولايات المتحدة، ولم يرغب مطلقا في المساس بتلك العلاقة.

كما أكد المسؤول أن الجيش كان على دراية تامة بأعداد المحتجين من كلا الطرفين. وكان أعلى رقم وصل إلى مسامع مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة بشأن عدد المتظاهرين هو 675 ألف متظاهر في كافة أنحاء البلاد. وأردف هذا المسؤول، أن “ذلك العدد كان من تقدير الجيش المصري، كما أكدته وكالات أخرى، بالإضافة إلى بعض مصادرنا الخاصة. شعر أغلبنا أن الجيش لن يتدخل إلا في حال كانت أعداد المحتجين كبيرة للغاية. لذلك، اعتقدنا أن الجيش لن يفعل أي شيء طالما ظل عدد المتظاهرين قليلا إلى هذه الدرجة. وحسب تقديرات رسمية، كان عدد المتظاهرين المؤيدين لمرسي يضاهي عدد المتظاهرين المعارضين له”.

عموما، اهتم عدد قليل من الصحفيين في ذلك الوقت بالمظاهرات المؤيدة لمرسي في ميدان رابعة والنهضة. في المقابل، سلطت جميع وسائل الإعلام داخل وخارج مصر الضوء على الاحتجاجات المعارضة لمرسي في ميدان التحرير وفي محيط قصر الاتحادية.

 كان المسؤولون في قصر الرئاسة يتابعون بيانا عاجلا بثه الجيش على التلفاز. خلال البيان، ظهرت صورة السيسي في الخلفية، مع صوت أحد العسكريين متحدثا إلى كافة الأطراف، يمهلهم 48 ساعة لحل الأزمة، وهدد أنه في حال فشلوا في الوصول إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع، سيضطر الجيش إلى التدخل لاستعادة النظام في البلاد

الأول من تموز / يوليو: إنذار السيسي

على الرغم من أن كل الدلالات كانت تشير إلى أن انقلاب وشيك، إلا أن المسؤولين في القصر الرئاسي لمرسي أبدوا تفاؤلا غير مبرر. ربما يرجع ذلك إلى التطمينات التي حصلوا عليها من قبل مرسي، الذي اعتقد أن السيسي لا زال يلعب دور الوسيط. ففي مساء الأول من تموز / يوليو، التقى الرئيس المصري، محمد مرسي، بوزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، في مكتبه داخل إحدى ثكنات الحرس الجمهوري.

في الوقت ذاته، كان المسؤولون في قصر الرئاسة يتابعون بيانا عاجلا بثه الجيش على التلفاز. خلال البيان، ظهرت صورة السيسي في الخلفية، مع صوت أحد العسكريين متحدثا إلى كافة الأطراف، يمهلهم 48 ساعة لحل الأزمة، وهدد أنه في حال فشلوا في الوصول إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع، سيضطر الجيش إلى التدخل لاستعادة النظام في البلاد. وقد فاجئ البيان جميع الأطراف، حيث لم يكن مرسي نفسه على علم بهذا البيان قبل الاجتماع بالسيسي في مكتبه. وأفاد المسؤول أن “السيسي أخبر مرسي عن البيان قبل نهاية الاجتماع. في الحقيقة، نجح السيسي في أن يقنع مرسي بأن البيان ليس تهديدا”.

عندما التقى السيسي بالرئيس مرسي في مكتبه، أخبره بشأن محاولاته الأخيرة للعب دور الوسيط بينه وبين المعارضة. في هذا الصدد، علق المسؤول، قائلا: “لقد كان السيسي مخادعا لدرجة كبيرة. في اليوم ذاته، وبخ الرئيس، محمد مرسي، وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، على خلفية هذا البيان، وأصدرنا بيانا يندد ببيان الجيش، ما دفعه لإصدار بيان آخر يتراجع فيه عن المحتوى الضمني للبيان بالتدخل. لقد تلاعب بنا الجيش فعلاً بإعلانه التراجع حينا، والتفاوض حينا آخر، وتقديم مقترحات لحل الأزمة في بعض الأحيان”.

الثاني من تموز/ يوليو: العرض الذي اقترحه مرسي

يوم الثلاثاء، الثاني من تموز / يوليو، اجتمع مرسي مع ممثلين عن مؤيديه المتظاهرين في ميدان رابعة. وحسب ما أكده الرئيس المصري لكبار مستشاريه، اجتمع في اليوم ذاته مرة أخرى مع السيسي ليطلعه على المبادرة التي اقترحها مؤيدوه. وشملت هذه المبادرة تغييرا واسعا في التشكيل الوزاري، وتعديلات دستورية للمواد التي لا توافق عليها المعارضة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة للمصالحة. عقب ذلك، سأل محمد مرسي السيسي عما إذا كانت هذه البنود كافية لنزع فتيل الأزمة، فأجابه السيسي من دون تردد: “أجل بالطبع، حتى أنها أكثر بكثير مما طالبت به المعارضة”.

كتبت هذه البنود في شكل اتفاقية وكان من المفترض أن يوصل السيسي هذه الاتفاقية المكتوبة إلى المعارضة ويطلعها عليها، حيث أخبر الرئيس: “سأذهب للمعارضة، ثم أعود إليك خلال فترة وجيزة”. لقد استغرق منه الأمر خمس ساعات كاملة، وفي تمام التاسعة ليلا، اتصل السيسي بالرئيس مرسي وأخبره أن المعارضة لم توافق على بنود الاتفاق.

أكد المسؤول بأن السيسي لم يقدم عرض مرسي مطلقا للمعارضة

الثالث من تموز/ يوليو: السيسي يستولي على الحكم

على الرغم من ذلك، اجتمع عبد الفتاح السيسي في اليوم التالي، الثالث من تموز / يوليو، مع المعارضة، بتعلة عرض مبادرة الرئيس مرسي عليها. وقالت منى مكرم عبيد، من بين أبرز رموز المعارضة لمرسي، إن السيسي اجتمع بهم يوم الأربعاء من أجل أن يعرض عليهم مبادرته الشخصية وخارطة طريق جديدة بدلا من تلك التي اقترحها مرسي.

أكد المسؤول بأن السيسي لم يقدم عرض مرسي مطلقا للمعارضة، مشيرا إلى أنه “من المحتمل أن السيسي كان يجتمع بمرسي حتى يعطيه انطباعا بأن الأمور في مسارها الصحيح، وأنه يحاول أن يلعب دور الوسيط في الاتفاقية بين الرئاسة والمعارضة”. وفي وقت سابق من اليوم ذاته، التقى عصام الحداد مبعوثا غربيا آخر، ألا وهو السفير النرويجي، تور وينيسلاند. وأخبره الحداد أنه من الصعب التراجع الآن، لأن حلفاء مرسي لا يثقون في الجيش أو المعارضة، فهم يشعرون أن حياتهم معرضة للخطر، في حال فضوا اعتصامهم أو قدم الرئيس استقالته.

في هذا الإطار، توجه الحداد للسفير النرويجي، قائلا: “الأمر لا يتعلق بأننا لا نقبل المصالحة، ولكننا لم نعد نستطيع التصالح”. وأكد وينيسلاند أنه يتفهم موقف مؤيدي الرئيس مرسي جيدا، ووعدهم بمحاولة التدخل، قائلا بكل ثقة: “سأحاول إيقاف عقارب الساعة”. وحيال هذا الشأن، أكد المسؤول أن وينيسلاند يعتبر الممثل غير الرسمي للأمريكيين. ففي حال أرادت الإدارة الأمريكية توجيه رسالة دون أن تظهر في الصورة، عادة ما تقوم بذلك من خلال السفير النرويجي. وأفاد المسؤول أن مرسي ومستشاريه فهموا من خلال تصريحات السفير النرويجي أنه سيطلب من الأمريكيين بعث رسالة إلى الجيش المصري مفادها تأخير الانقلاب قليلا، حتى يكون هناك فرصة لعقد اتفاقية بين الأطراف المتنازعة. في هذا الصدد، أورد المسؤول قائلا: “لقد باتوا يرون الصورة الكاملة الآن”.  

طلب الأمريكيون من مرسي أن يقبل باختيار حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد، بدلا من الحكومة الحالية، بالإضافة إلى التخلي عن سلطاته التشريعية، واستبدال المحافظين، الذين قام بتعيينهم

وأردف المسؤول، أنه “كان من المفترض أن ينفذ الجيش انقلابه في صبيحة يوم الأربعاء، وعندما لم يتحرك الجيش ذلك الصباح، أدركنا أن السفير النرويجي استطاع بالفعل إيقاف عقارب الساعة، وشعرنا باطمئنان أكثر عندما تلقى الحداد اتصالا هاتفيا من وزير خارجية قطر يؤكد فيه أنه يحمل رسالة من الأمريكيين”.

في الرسالة، طلب الأمريكيون من مرسي أن يقبل باختيار حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد، بدلا من الحكومة الحالية، بالإضافة إلى التخلي عن سلطاته التشريعية، واستبدال المحافظين، الذين قام بتعيينهم. لقد كان مرسي على استعداد للتفاوض حول ذلك المقترح. والجدير بالذكر أنه قبل ذلك بأيام قليلة، أخبر مرسي فريقه الرئاسي أنه “لن يقبل مطلقا بأن يدير الجيش شؤون البلاد مرة أخرى، ليبقى مجرد واجهة”، مؤكدا أنه يفضل الموت على الاستسلام لهذا الأمر. دعا الحداد السفير الأمريكي لمناقشة هذا المقترح، في حين أفادت باترسون أن الوقت كان قد فات بالفعل، وأن الجيش كان قد قرر التصرف حيال هذا الأمر.

وفقا لتصريحات المسؤول، لم تكن إدارة مرسي تملك أي علاقة مع الإماراتيين. وفي السابق، كان أحد عملاء المخابرات البريطانية قد التقى مع الحداد وأخبره أنه يمكن الضغط على السعوديين لتغيير موقفهم من مرسي والإخوان المسلمين، إلا أن الإماراتيين لم يتمكنوا من ذلك. وحيال هذا الشأن، صرح المسؤول البريطاني الذي عمل لصالح وكالة الاستخبارات البريطانية، إم آي 6، في إشارة إلى ولي عهد أبو ظبي صاحب النفوذ، قائلا: “لا يمكن الاستغناء عن الشيخ محمد بن زايد نفسه”. عندما اتصل موقع ميدل إيست آي بوزارة الخارجية البريطانية للحصول على تعليق على هذه المسألة، أفادت الوزارة المعنية أنه يتوجب على إدارة الموقع التقدم بطلب حرية المعلومات نظرا لكون المسألة قيد النظر “تاريخية”.

ساهمت جميع هذه التحركات، لاسيما التجمعات الضخمة للمتظاهرين في ميدان رابعة والنهضة، في دفع المسؤولين الموالين لمرسي للتفكير بأن فرصة الانقلاب لا تزال قائمة. وهو ما دفع أحد كبار المسؤولين للقول: “لم نتوقع أبداً استعداد الجيش للتحرك ضد الشعب، خاصة مع ازدياد أعداد المتظاهرين في رابعة والنهضة، أو دعم القوى الغربية العلني لنظام كان مستعداً لاستخدام الجيش للوصول إلى السلطة”.

أوضح المسؤول أن هذا التقييم يستند إلى افتراضين خاطئين. ويفيد الافتراض الأول بأن الجيش سيدرك بأنه عاجز عن القيام بانقلاب غير دموي سريع وأنه لن يلجأ إلى العنف لأن ذلك لن يكون في مصلحته الشخصية. وفي هذا الشأن، أورد المسؤول: “تبين أنهم كانوا أغبياء للغاية، ما حال دون توصلهم لمثل هذا التخمين”. ويحيل الافتراض الثاني إلى أن المجتمع الدولي سيدرك أن الانقلاب في مصر سيصبح دمويًا للغاية وسيؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد لسنوات قادمة.  وتابع المسؤول قائلا: “اتضح أن الجهات التي كان بحوزتها المعلومات الاستخبارية الكفيلة بأن تجعلها تدرك هذا الأمر لم يكونوا ممانعين للأحداث الدامية التي تشهدها البلاد، في حين اعتقد الأشخاص الذين يمارسون هذا العنف أن الجيش قادر على السيطرة على البلاد بسرعة”.

عقب خروج الأمور عن السيطرة، طلب مرسي من مستشاريه العودة إلى منازلهم، نظرا لعلمه بأنه سيتم اعتقالهم في حال بقائهم معه. وعلى الرغم من هذه التنبيهات، قرر أغلب هؤلاء المستشارين أنهم لن يتخلوا عنه وفضلوا التعرض للاعتقال. وخلال حديثه مع مراسلي موقع ميدل إيست آي، صرح المسؤول السابق أن مؤيدي مرسي ارتأوا البقاء بجانبه مكافأة له على نشاطه النضالي ومثابرته ومقاومته للدولة العسكرية.

في الوقت الذي كان فيه السيسي بصدد التحدث على التلفاز للإعلان عن إحكام الجيش قبضته على زمام السلطة، عمد قائد قوات الحرس الجمهوري المصري، محمد زكي، إلى اعتقال الرئيس مرسي وكبار مستشاريه. وفي وقت سابق من الشهر الفارط، تمت ترقية زكي إلى منصب وزير الدفاع من قبل السيسي، فيما يعتبره البعض مكافأة على دوره المحوري في إنجاح الانقلاب.

في الوقت الحالي، يقبع مرسي بين جدران سجن طرة، حيث يقضي أحكاما متعددة بالسجن، إلى جانب العديد من الأشخاص المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وحيال هذا الشأن، يرى مؤيدو مرسي أن المحاكمات مدفوعة سياسيا وتستند إلى آراء وشهادات أشخاص غير موثوقين وأدلة قليلة. ومن جهتهم، رفض مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية الإدلاء بتعليق حيال مراسلات باترسون مع المسؤولين المصريين، قائلين إنهم “لا يناقشون تفاصيل المحادثات الدبلوماسية الخاصة”.

خلال احتجاجات 30 حزيران/ يونيو، أعربت واشنطن عن دعمها لمصر وشعبها في سعيهم لوضع أسس دولة مستقرة وديمقراطية ومزدهرة وضامنة لحقوق وحريات مواطنيها، وذلك وفقا لما ورد في رسالة إلكترونية أرسلها مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إلى موقع ميدل إيست آي. ومن جهته، صرح مسؤول في وزارة الخارجية النرويجية في رده على طلب موقع ميدل إيست آي للإدلاء بتعليقات حول الأحداث المصرية، قائلا: “ليس لدينا تعليق على هذه المزاعم”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق