صالح والحوثي: من يُنِيخ ظهره للآخر..؟(تقرير)

19 مايو 2017
صالح والحوثي: من يُنِيخ ظهره للآخر..؟(تقرير)
بعد موجة الذعر التي أعقبت ثورات الربيع العربي من قبل بعض الأنظمة السلطوية في المنطقة العربية التي رافقها ما اصطلح عليه “الإخوان فوبيا” كان صالح في فسحة للانتقام من خصومه، الذين أبعدوه عن السلطة، وكان الحوثيون الرافعة التي سيتمكن صالح من العودة عليها كـ”زعيم” تصفق له الجماهير المؤمنة بـ”السلام على عفاش”، بعد أن انسلخت عنه ألقاب الفخامة ذات ثورةٍ غاضبة.
 
في ذلك الوقت، كان صالح _بما يملك من قوة عسكرية_ يدرك خطورة أن يقوم بـ(ثورة) مضادة باسمه أو تحت لواء حزبه، يومها كان عليه أن يلبس عباءة الحوثي الذياستخدمها كورقة سياسية تعيد (للمخلوع) بريق السلطة، ذلك أن مليشيا الحوثي المسلحة تُعد في نظر القانون الدولي جسماً هلامياً، ليس له أيةصيغة مدنية أو قانونية أو حزبية، لأجل ذلك استعمل صالح الحوثيين لضرب خصومه، ومكنهم من معسكرات الدولة ومخازن السلاح، ثم قاسمهم إرث الشرعية عقب دخولهم صنعاء في 21سبتمبر 2014. 
 
إلى ذلك التاريخ، كان صالح مايزال يمسك بخيوط الدمية (الحوثي) في مسرح خيال الظل، إلا أن الموازين أخذت تتأرجح بعد أشهر من عاصفة الحزم، التي نفذها التحالف العربي بقيادة السعودية لإعاده الشرعية وردع الانقلابيين وحماية الأمن الاقليمي العربي، الأمر الذي أجبر صالح على التنازل التدريجي عن نفوذه لصالح مليشيا الحوثي ليشدوا أزره، في حربه ضد قوات الشرعية والتحالف العربي، ما أعطى الحوثيين فرصة للتغلغل في نخاع الدولة وسحب البساط من تحت سلطة الزعيم، حيث تطور الشقاق بين الحليفين الانقلابيين، وانتقل من مرحلة تبادل الاتهامات إلى تبادل التهديدات بالتصفية، وانسحبت هذه التوترات المشحونة بالوعيد المتبادل على وسائل الإعلام التابعة لكلا الجانبين.
 
مواقف عدائية وتهديدات بالتصفية
معلوم أن التصادم الحاصل بين صالح ومليشيا الحوثي ليس وليد اللحظة، ذلك أن الاحتكاكات التي ولدت الشرارة لإضرام الشقاق بدأت قبل قرابة 7 أشهر ثم أخذت علاقة الحليفين في التصدع بعيد تشكيل حكومة الانقلاب في صنعاء، وما تبعها من شد وجذب بين أتباع صالح وحلفائه الحوثيين، إلا أن العلاقة بينهما اتجهت نحو منحدر خَطِير منذ بداية مايو من الشهر الجاري، حيث شهدت العاصمة صنعاء تأزماً غير مسبوق بين الانقلابيين، نجم عنه تبني كل طرف مواقف عدائية تجاه الطرف الآخر، وبدأت وسائل الاعلام التابعة لطرفي الانقلاب تهاجم شقها الآخر وتروج لمثالبه، إلى الحد الذي بثت فيه قناة المسيرة الحوثية حديثاً لقيادي حوثي يتوعد فيه ولي نعمتهم صالح بنيل “جزائه العادل” عقاب ما اقترفه بحق زعيمهم الروحي حسين الحوثي، في اشارة إلى تصفيته بالمثل.
 
كما قام مسلحون حوثيون باطلاق الرصاص على سيارة القيادي المؤتمري الشيخ قناف المصري (شقيق وزير الداخلية الأسبق رشاد المصري) في نقطة أمنية للحوثيين جنوب العاصمة صنعاء أدى إلى اصابته، الأمر الذي جعل مسؤولين حكوميين وقيادات في حزب صالح يطالبون بـ”بردع الحوثيين وتعريفهم بحجمهم الحقيقي”. 
 
وفي صنعاء أيضاً، وجهت دائرة التوجيه المعنوي التابعة للجيش الموالي للحوثيين بايقاف طباعة صحيفة الميثاق لسان حال حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام)، بعد النبرة التصعيدية التي اتسمت بها موضوعات الصحيفة تجاه مليشيا الحوثي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. في الوقت نفسه كان قادة الحوثيين يتحدثون عن ضرورة اغلاق قناة “اليمن اليوم” باعتبارها “تدعو إلى الفتنة وتحرض الناس” حسب ما نقل عن محمد علي الحوثي رئيس ما يعرف بـ”اللجنة الثورية العليا” لمليشيا الحوثي. 
 
ترقيع الخرق
مع اتساع فجوة الخلاف بين شريكي الانقلاب (صالح و الحوثي)، يحاول الخصمان المجبران على التمسك ببعضها، لملمة الخرق الذي أخذت رقعته بالاتساع مؤخراً، حيث نشرت قناة “المسيرة” التابعة لمليشيا الحوثي تفاصيل اتفاق بين حزب صالح (المؤتمر) ومليشيا الحوثي، وقّع عليه عارف الزوكا ممثلاً عن المؤتمر وصالح الصماد ممثلاً عن الحوثيين، يقضي بالتوقف عن التراشق الاعلامي بين الجانبين.
 
علامات استفهام
بالتمعن أكثر، ربما نستطيع أن نفترض أنه من غير المستبعد أن يكون صالح نفسه من سعى _بشكل أو بآخر_ لافتعال خلافات مع االحوثيين، تمهيداً منه لايجاد مناخ للتفاوض مع التحالف العربي وتحديداً مع السعودية، وصناعة مبرر أمام الرأي العام لينكث بتحالفه مع الحوثيين في حال وجد فرصة بديلة مع السعودية تضمن له انسحاباً مُرضياً يحفظ له ماء الوجه، علماً أنه لا يمكن انكار وجود شقاق فعلي بين صالح والحوثيين نابع من تباين الخامة السياسية والتنظيمة ومعادلة المصالح بينهما، لكن رغم ذلك، لا يمكن تجاهل وجود أكثر من علامة استفهام حول ما الذي يحمل صالح على تحمل كل تلك اللكمات المتكررة من مليشيا الحوثي، والاكتفاء بترويجها إعلامياً من خلال وسائل الإعلام التابعة له، مع أن المتتبع لسلوك صالح السياسي يعرف أنه ليس من عادته مطلقاً الاعتراف بالأمور التي تمس هيبته وهيبة حزبه، بل على العكس تماماً، يحاول أن يتظاهر بالصلابة والحزم، حيث إنه مايزال إلى اليوم يرفض الاعتراف أنه تنحى مكرها عن السلطة التي من أجلها جاء بالحوثيين وسلمهم مفاتيح البلاد.
 
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا.. ما الذي يجعل صالح _العنيد_ يتحلى بهذا القدر من الحلم إزاء صفعات الحوثيين، بغض النظر عن كونه قوياً أو ضعيفاً، لكن الأهم من ذلك هو ما الذي يدفعه للتباكي إعلامياً والظهور بمظهر اليتيم على مائدة اللئيم، بدلاً من أن يخفي أَمَارَات ضعفه (كما كان يفعل في السابق)، التي من المفترض أنها تثير بواعث التشفي في نفوس خصومه؟ بالتالي يكون التفسير الأقرب لهذه “الولولة الاعلامية” من قبل صالح بشأن اضطهاد الحوثيين لأعضاء حزبه، توحي أن صالح يحاول مغازلة دول التحالف العربي التي يرى صالح أنها لن تلتفت لطلبه التفاوض في ظل التصاقه مع الحوثيين، للظفر بصفقة ما مع التحالف ولو على حساب الحوثيين.
 
إلحاح على التفاوض
ما يجعل هذا الاحتمال وارداً، أن صالح بدا هذه المرة أكثر إلحاحاً في طلب التفاوض مع المملكة العربية السعودية، ويبدو أن صالح يدرك أنه لكي يحدث ذلك التفاوض لابد من تهيئة المناخ الملائم على الأقل، ومن المستحيل أن يكون ذلك المناخ ملائماً في ظل شراكته القوية مع الحوثيين، وهو ما بدا وضحاً في خطابيه الأخيرين، اللذين حمل فيهما على مليشيا الحوثي في المقابل إعلان استعداده للحوار في أي مكان يحدده التحالف، ملمحاً في الوقت نفسه بالتخلي عن الحوثيين وتقديمهم قرباناً للتحالف.
 
فضلاً عن ذلك فهو يُجمِّل صورته المحطمة لدى الرأي العام المحلي، الذي ضاق ذرعاً من الوضع الكارثي الذي تسبب به انقلاب الحوثي_صالح، وخلق حالة من السخط الشعبي ينذر بانفجار ثوري في أي لحظة، بعد أن أصبح على يقين تام أن مليشيا الحوثي هي من جرت البلاد إلى المستنقع الآسن، وأنه يجب أن تجتث من المشهد السياسي اليمني، وبالتالي فصالح عندما يروج تلك الخلافات العارضة إعلامياً، فهو يقول بطريقة غير مباشرة لليمنيين الغاضبين من سياسة الانقلاب: انظروا… الأمر بيدهم، هم السبب بالتأكيد، حتى أنا غاضب عليهم..!.
*مسند للانباء
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق