بعد عودته من دولة الإمارات العربية المتحدة، كان أول إجراء لافت لمحافظ العاصمة المؤقتة عدن المقال عيدروس الزبيدي، عقد مؤتمر صحفي بدا فيه متشنجا، وحمّل فيه الحكومة الشرعية، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، مسؤولية فشل ملف الخدمات، وفي مقدمتها ملف الكهرباء الذي مثل تحديا حقيقيا بما يمثله من ضغط شعبي متزايد، تطور لاحقا إلى احتجاجات متفرقة للأهالي للمطالبة بتوفير الكهرباء.
بعد ذاك المؤتمر، طفت الأزمة التي كانت تحت الرماد إلى السطح، وتطورت تداعياتها بشكل متسارع.
فقد أثار المؤتمر الصحفي للمحافظ المقال تساؤلات عن جدواه، وتوقيته، لكن لم يطرأ جديد في الموضوع، واعتبر مقربون من المحافظ أن المؤتمر الصحفي -حينها- ناجم عن سوء إدارة لمعاونيه، وجاء نتيجة ضغطهم عليه بضرورة التوضيح للمواطنين، وبدا أن وراء الأكمة ما وراءها، بحسب مراقبين.
ولأن الاتهامات كانت صريحة، فقد دفع ذلك الحكومة للرد عبر السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء، وهو الرد الذي أورد ما قدمته الحكومة من دعم كبير لإصلاح وضع الكهرباء، وتوفير الخدمات الأساسية في عدن.
وبدا الأمر وكأن حربا مشتعلة ظهرت إلى العلن بين الجانبين، في تصعيد كان الأول من نوعه بين موظف ومسؤول في الدولة.
صراع سيطرة
وبالتوازي مع ذلك، طفى صراع السيطرة على أهم مفاصل الدولة في العاصمة المؤقتة عدن، وكان ميناء عدن ومطارها محورها، بين الرئاسة الشرعية، ومحافظ عدن السابق الزبيدي، والذي يقود عددا من الكتائب التي تتبعه، إضافة لقوات الحزام الأمني التابعة لوزير الدولة المقال هاني بن بريك والمدعوم إماراتيا.
وبحسب مراقبين، فقد كان ثمة تمرد على الرئيس هادي، وبدا أن محافظ عدن وقوات الحزام الأمني، المدعومة من أبو ظبي، تسعى لفرض كامل السيطرة على المدينة.
كان رفض السماح لطائرة الرئيس هادي بالهبوط في مطار عدن تحدٍّ صارخ، ولاحقا ظهرت إلى السطح ألوية الحماية الرئاسية وبعض كتائب المقاومة الداعمة للرئيس هادي ودخلت على خط الأزمة، وكانت حادثة مطار عدن أبرز تجليات المشهد، إذ كاد الوضع أن ينفجر على إثر مواجهات بين الجانبين، وسقط على إثرها قتلى وجرحى، وجرى احتواؤها بتعقل الرئاسة لاحقا.
كان تدخل طيران الإمارات أبرز تطورات المشهد، والذي بدوره كان داعما لقوات الحزام الأمني، الأمر الذي عده مراقبون آنذاك تشجيعا للانقلاب والتمرد على الرئيس هادي.
القرار القشة
كان إصدار الرئيس هادي لقرار إقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة هاني بن بريك وإحالته إلى التحقيق، القشة التي قصمت ظهر البعير، وبدا أن أطرافا كانت تنتظر قرار الإقالة بفارغ الصبر، لتنفذ أجندتها الخاصة.
قرار الإقالة أشعل احتجاجات غاضبة لأنصار الحراك، توجت بما سمي مليونية إعلان عدن، التي تمخض عنها “إعلان عدن التاريخي” والذي منح اللواء عيدروس الزبيدي تفويضا بتشكيل كيان سياسي حامل للقضية الجنوبية، وهو التفويض الذي تطور لاحقا إلى إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، مما اعتبر تمردا وانقلابا صريحا على الشرعية، وفقا لمسودة الإعلان، التي فرضت المجلس كبديل عن السلطة الشرعية، التي يمثلها الرئيس هادي.
وما إن أصدر الرئيس هادي قراره بإقالة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، إلا وعاد الزبيدي لإشهار سيفه الماضي، القضية الجنوبية، ومضى الزبيدي، في صمته من القرار فلم يبدِ رفضه أو استجابته، غير أن التحركات كانت تبدو أكثر اتضاحا يوما بعد آخر.
مقربون من المحافظ وعدد من قيادات الحراك، اعتبروا القرار استهداف للحراك وإقصاء للمقاومة الجنوبية، بينما مضى الزبيدي في عقد لقاءاته بقيادات جنوبية كانت تتوافد إلى منزله بشكل يومي.
إعلان عدن التاريخي عبر عن رفضه لقرارات الرئيس هادي بشكل صريح، وترك الأمر مفتوحا بالنسبة للموقف من الشرعية، ولم تمضِ إلا أيام قليلة حتى اتضح الموقف من الشرعية، بالإعلان عما سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو المجلس الذي أوضح أن مهمته إدارة وتمثيل الجنوب داخليا وخارجيا.
بدا واضحا أن الأمر لم يعد يتعلق بكيان سياسي، بل تعدى ذلك إلى انقلاب صريح على الشرعية، بحسب معظم المراقبين.
رفض رسمي وعربي
وبرغم تأكيدات رئيس المجلس السابقة بالاستمرار بالعمل تحت شرعية الرئيس هادي، وتأكيدات بعض أعضاء المجلس أن المجلس لا يعد إعلانا للانفصال، أو خروجا على الشرعية، إلا أن مسودة الإعلان كانت أكثر وضوحًا، وهو الأمر الذي استدعى اجتماعا عاجلا للرئيس هادي وهيئة مستشاريه، وخرج اللقاء ببيان عبروا فيه عن رفضهم لإنشاء ما سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ودعوا من وردت أسماؤهم إلى توضيح مواقفهم منه بشكل واضح.
الأمر ذاته استدعى رئيس الوزراء أحمد بن دغر إلى توجيه نداء عنونه بـ”قبل فوات الأوان” أعرب فيه عن خشيته من تكرار انقلاب الحوثي والمخلوع في صنعاء سابقا، محذرا من حدوث ذلك في عدن بوعي من القوى الفاعلة في الجنوب أو بدون وعي.
وعلى ذات الصعيد، جدد مجلس التعاون الخليجي تأكيده على وحدة اليمن، داعيا كل فئات الشعب لنبذ دعوات الانفصال، ومؤكدا أن حل القضية الجنوبية لن يكون إلا عبر مخرجات الحوار الوطني، وتحت سقف الشرعية اليمنية.
الموقف ذاته صدر عن الجامعة العربية التي أكدت في بيان لها على دعم وحدة اليمن، وهو الموقف الذي أعلنته لاحقا منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي.
تصدعات الداخل
على المستوى الداخلي، توالت الأصوات المؤيدة والرافضة للمجلس، وبرغم غياب اثنين من محافظي المحافظات الجنوبية، (عدن، أبين) إلا أن الانسحابات توالت تباعا ممن وردت أسماؤهم ضمن تشكيلة المجلس.
كان محافظ سقطرى اللواء سالم عبدالله السقطري أول من أعلن رفضه للمجلس وبقائه تحت سلطة الرئيس هادي الشرعية.
وزيرا الاتصالات والنقل أعلنا أيضا رفضهما للمجلس الانتقالي، والتمسك بشرعية الرئيس هادي، بينما أكد محافظو حضرموت ولحج وشبوة وقوفهما مع المجلس ومع شرعية الرئيس هادي في نفس الوقت، معتبرين أن إعلان المجلس لا يمثل خروجا على الشرعية.
وعلى ذات السياق، أعلن السلطان بن عفرار سلطان المهرة في بيان أمهره بختمه -تلقى “الموقع بوست” نسخة منه ـ رفضه للمجلس وتمسكه بشرعية الرئيس هادي. أما ائتلاف المقاومة الجنوبية والذي يضم عددا كبيرا من قيادات الحراك والمقاومة بمدينة عدن، فقد رفض المجلس، وأعلن تأييده لشرعية الرئيس هادي.
السلطة المحلية بمحافظة عدن هي الأخرى أعلنت رفضها للمجلس وأبدت تأييدها لشرعية الرئيس هادي، والموقف ذاته صدر عن عدد من الشخصيات الجنوبية كان من أبرزهم الوزير أحمد الميسري، والقيادي في المقاومة والسلطة المحلية بعدن هاني اليزيدي.
دعوة للانقسام
وأورد القيادي في المقاومة الجنوبية ومدير عام مديرية المنصورة هاني اليزيدي أسباب اعتراضه على الإعلان الثوري والمجلس الانتقالي، مؤكدا بأنه جاء بعد زوال مناصب، وهو ما يجعل المرء ذات طبيعة انتقامية، ومحاولات بشرية لمن فقد منصبه ينتج عنها حالة غير طبيعية، وتصرفات غير مسؤولة ومدروسة، حسب توصيفه.
واعتبر اليزيدي أن “تشكيل المجلس دعوة للانقسام والتشظي واللا مبالاة بعواقب وخيمة ستعود بالجنوب إلى الخلف، بل قد يدخل البلد في حالة فوضى نندم عليها جميعا ويدل عليه تبييت النية للإعلان عن مجلس عسكري”.
وأضاف اليزيدي قائلا بأن التجربة التي خاضتها السلطة المحلية ووزير الدولة المقالين خلال عامين تجربة فاشلة، ارتكب فيها أخطاء فادحة، مشيرا إلى أنه ليس ناقلا، بل مطلع عليها شخصيا ويعرفها مباشرة.
وخلافا للسابق، أبدت عدد من المكونات في الحراك الجنوبي والقيادات تأييدها للمجلس، معتبرة أنه يمثل خطوة في طريق تحقيق الانفصال عن شمال اليمن، في حين التزمت السلطات العسكرية الصمت، ولم تعلن موقفها من المجلس، بخلاف إعلانها تأييد إعلان عدن التاريخي الذي توالت ردود الفعل المؤيدة له من قبل القيادات العسكرية في المحافظات الجنوبية.
بين الإيجاب والسلب
المحلل السياسي ياسر حسن يرى أن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة إيجابية، ويستدرك بالقول “لكن كان ينبغي التحضير والتوقيت الجيدين لها، حتى تحقق أهدافها المرجوة عند الشعب في الجنوب”.
ويضيف ياسر حسن -في حديثه لـ”الموقع بوست”- أن أي خطوة سياسية سوف تقابل بالقبول من بعض الأطراف والرفض من أطراف أخرى.
ويتابع “كان ينبغي على قادة المجلس التنسيق المسبق مع السلطة الشرعية والتحالف العربي، خاصة كونهم يقولون إنهم ليسوا خارجين على السلطة، ولا على التحالف العربي”.
ويرى حسن أن المجلس سيحقق أهدافه وسيصمد في حال تمكن قادته من التنسيق مع السلطة الشرعية والتحالف العربي والمجتمع الدولي.
الكاتب والمحلل السياسي أسعد محمد عمر قال إن إعلان المجلس مثّل حدثا غير عادي، وجاء في ظرف حرج، وسيحدث الأثر الكبير في تصدع جبهة الشرعية ولو مؤقتا، وبالمقابل يرى أن الخطوة أيضا تفتح الباب لفرص إيجابية.
ويرى أسعد عمر أن الخطوة إذا ما توافرت الإرادة والنية تجاهها فإنها كفيلة بإحداث تحول حقيقي باتجاه الوصول لخيارات تلبي حاجة الناس.
ويضيف أسعد -في حديثه لـ”الموقع بوست”- “كما هو معروف فلم تعد هناك إمكانية لبقاء الوحدة بشكلها القديم، ولن يكون في المقدور أيضا تحقيق الانفصال، والعودة للحال الذي كان قبل عام 1990 بشكل خاص”.
ولذا فإنه يرى أن “يتم التعامل واقعيا مع ما يعتمل في الأرض، وأن نعي مستوى التوازنات والتشكلات الجديدة الحاصلة في الجنوب والشمال، فلم يعد الشمال كما كان ولن يعود، وكذلك الحال بالجنوب”.
ويشير أسعد عمر إلى أن المجلس كمكون سياسي -وينبغي أن يظل كذلك- يمثل خطوة هامة على طريق توحيد تيارات وتكوينات الحراك الجنوبي، دون تجاوز هذا الدور حاليا، وتفادي الدخول في تصادم مع الشرعية، ومنازعتها السلطة.
وعن ردود الأفعال الداخلية والخارجية، قال أسعد إنها غير عادية، ولا يمكن استنباطها (مع وضد) وكلها تضع المجلس بمن فيه في وضع لا يحسدون عليه، وعكست مدى التموجات الحاصلة، والتوجهات على المستوى الداخلي، خاصة في الجنوب، وهو ما يفرض على المجلس وبقوة التفكير بمستقبل وحدة الجنوب، وتماسكه، واستدراك تبعات التسرع في هذه الخطوة، وعدم التشاور داخليا وخارجيا.
ويبدي أسعد خشيته من أن حضرموت كما يبدو تذهب منفردة، وبعيدة حتى عن المهرة وسقطرى وشبوة، وقد يذهب المجلس بعدن والضالع وجزء من لحج.
ويرى أن هذا إضافة للموقف الإقليمي والدولي المتمسك بوحدة اليمن، سيجعل مستقبل المجلس صعبا، ونتيجة له تبقى احتمالية التراجع عنه أو إفشاله واردة، خصوصا -كما يقول أسعد- إن مساحة التأثير الدولي والإقليمي منها بالذات باتت قوية، وقادرة على فرض الكثير، ولن يكون الفاعلون في المجلس بعيدون عنه، ولن يكون بإمكانهم تجاوزه.
إنهم يحتظرون
من جانبه، يرى المحلل السياسي والقيادي في الحراك الجنوبي صالح الجبواني أن المجلس الانتقالي في ساعات احتضاره الأخيرة.
ويصف الجبواني -في حديثه لـ”الموقع بوست”- أن من أعلنوا المجلس الانتقالي بـ”الشرذمة”، ويقول بأنهم يحتضرون بعد أن فقدوا وظائفهم الحيوية كل لحظة، ويبدي استغرابه من الجمهور الذي جاء من مناطق مختلفة من الجنوب لمساندة المجلس، والتصفيق للقائمين عليه.
وتساءل بالقول “رجل لم يستطع تنظيف شارع، ولم ينر مصباح كهربائي، ولم يفتح حنفية ماء، ولم يسد رمق جائع، وهو كسيح من أي قدرات سوى حشد الغوّل لقتال الآخر الجنوبي، لإعادة الدولة المسلوبة لن يستطيع فعل شيء”.