كشف سياسيون وأمنيون فرنسيون مسؤولية الإمارات عن تزايد الأحداث الإرهابية وأعمال العنف التي وقعت فيالصومال مؤخرا في أعقاب الأزمة التي اندلعت بين الحكومة الصومالية ونظيرتها الإماراتية على خلفية طرد شركة “موانئ أبوظبي” من ميناء “بربرة”.
وقال المسؤولون الفرنسيون إن هذه الأعمال التخريبية تعني أن الإمارات تخطط لإعادة الفوضى في الصومال كما كان الوضع قبل عام 2011، لفرض وجودها في البلاد كما فعلت من قبل عام 2014، موضحين أن حكومة الصومال الفدرالية قدمت للأمم المتحدة أدلة وبراهين دامغة على سعي أبوظبي لإحداث فوضى في الصومال انتقاما من طرد شركة “موانئ أبوظبي” وإنهاء الوجود الإماراتي في البلاد.
واعتبروا أن الهدف من هذه الأعمال أيضا هو إيصال رسالة لدول الجوار “أرتريا وجيبوتي” تعني أن المساس بمصالح الإمارات فيها يعني نهاية الأمن والاستقرار في البلاد، وهو أمر خطير للغاية ويستوجب تدخل دولي فوري.
وقال لويس ترينيتينيان، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الفرنسي ومدير مركز “موندي ليبير” للدراسات السياسية والاستراتيجية بباريس في تصريحات لصحيفة “الشرق” القطرية، إن الحادث الإرهابي “الانتحاري” الذي استهدف قادة عسكريين في بلدة “جالكعيبو” الصومالية يوم السبت الماضي، وقبلها حادث تبادل إطلاق النار بين جنود من الجيش الصومالي، يوم الإثنين قبل الماضي، في العاصمة مقديشو، بعد محاولة مجموعة منهم اقتحام مركز تدريب كانت تستخدمه الإمارات قبل أن تنهي برنامجا تدريبيا هناك بأيام، كل هذا يشير نحو “عبث” إماراتي مؤكد في أمن واستقرار البلد ومحاولة مستميتة لإعادة الفوضى لهذا البلد الذي تفكك بسبب النزاعات المسلحة والصراعات القبلية قبل عام 2011، وذلك انتقاما من الحكومة الفيدرالية الصومالية على رفضها الانسحاب من البلاد بعد طرد شركة موانئ أبوظبي من “بربرة” في خطوة لإنهاء النفوذ الإماراتي في البلاد الذي تغلغل منذ العام 2014.
وأوضح أن الأمر بلغ مبلغا أقلق الحكومة الصومالية، حيث كشفت السلطات الأمنية الصومالية أن أبوظبي التي تدرب قوات تابعة للجيش على مكافحة القرصنة والجماعات الإرهابية، يقوم في الوقت نفسه بتدريب مرتزقة في مناطق متفرقة في الصومال لاستخدامهم كلما استدعت الحاجة في إخضاع الحكومة لسلطة سفارة الإمارات في مقديشو، كما توصلت الاستخبارات الصومالية بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية إلى أن السلاح الذي أدخل إلى البلاد خلال العام 2017/2018 وتم بيعه لعناصر مسلحة تابعة لجماعات إرهابية تنتشر في الولايات الجنوبية والشمالية تم تهريبة بمعرفة صوماليين تابعين لأبوظبي وينفذون أجندات سياسية إماراتية في البلاد، وهو ما دفع الحكومة الفدرالية الصومالية لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد التواجد الإماراتي في البلاد.
من جانبه، وأكد انريكو سارود، الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية الفرنسية وعضو الهيئة العليا لحزب “الجمهورية إلى الأمام”، أن الامارات تسعى منذ عام 2014 للتوسع في دول القرن الافريقي الشرقية، لا سيما المطلة على الساحل، لإحكام السيطرة على مضيق باب المندب من جهة الغرب، بعد أن سيطرت عليه من الشرق “اليمن”، كونه شريانا حيويا لنقل البضائع من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، والسيطرة على المضيق يعطي قوة سياسية واقتصادية لأبوظبي، لذلك نرى أن أبوظبي اتجهت بثقلها المالي للاستثمار في أريتريا عام 2015، ثم جيبوتي وبعدها الصومال، وخاصة “ميناء بربرة”، لكنها لم تحسن التصرف مع حكومة محمد فرماجو، ومنذ فوزه برئاسة الصومال في فبراير 2017 تعمدت التعامل معه كأنه موظف لدى أبوظبي، وتدخلت بشكل سافر دون الرجوع إليه في الكثير من الأزمات الصومالية، وكأنها الحاكم الفعلي للبلاد.
وأوضح أن الإمارات أبرمت اتفاقية إدارة ميناء بربرة لمدة 30 سنة مع حكومة “أرض الصومال” دون الرجوع للحكومة الفدرالية برئاسة محمد فرماجو، وهو ما رفضته القوى السياسية الصومالية وقررت وضع حد للتواجد الإماراتي في الصومال، ثم طالبت الحكومة الصومالية في 27 مارس الماضي من الأمم المتحدة سرعة التدخل وإيقاف “الانتهاكات الإماراتية لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية”.
وكانت حكومة الصومال قد قدمت أدلة دامغة للأمم المتحدة على العبث الإماراتي بأمن وأمان ووحدة الصومال منها مصادرة سلطات مطار مقديشو مبلغ 9.6 مليون دولار محمولة على متن طائرة إماراتية، خاصة في 8 أبريل 2018، وهو ما دفع أبوظبي لإنهاء برنامج تدريب عسكري في الصومال معمول به منذ عام 2014 في إطار البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي، بعد أن انكشفت جميع مخططات أبوظبي في القرن الأفريقي بالأدلة المؤكدة، وهذا الأمر أصبح يقلق الحكومة الفرنسية والدول الأوروبية الكبرى، ويجري الآن دراسة تدخل أممي واسع لإنهاء هذا العبث الذي ترتكبه الإمارات في العديد من الدول الأفريقية.
وأشار جان لوك أوليفي، الخبير العسكري السابق بقوات حفظ السلام الفرنسية في أفريقيا، الى أن طرد الإمارات من الصومال “صفعة” موجعة، خاصة بعد أن كشفت الحكومة الصومالية الفيدرالية للأمم المتحدة بالأدلة القاطعة مؤامرات أبوظبي في الصومال، وتمويلها لمتطرفين ولمليشيات متشددة ولعسكريين أيضا لضمان استمرار التوتر في جميع الولايات المكونة للصومال، من أجل إحكام السيطرة الدائمة على هذا البلد، وهو ما يؤكد أن الامارات وراء الحوادث الإرهابية وأعمال العنف التي وقعت خلال الأسبوعين الماضيين، سواء داخل معسكر الجيش في مقديشو، أو في بلدة “جالكعيبو”.
وتوقع “أوليفي” أن تتزايد هذه العمليات الإرهابية والانشقاقات داخل الجيش الوطني الاتحادي في الصومال، فالعقلية الإماراتية تفكر دائما في الانتقام السريع، وأبوظبي “لن تتأخر في هدم كل ما تم بناؤه في الصومال في أسرع وقت، هذه سياستهم وأسلوبهم المعروف، والدليل على ذلك إغلاق مستشفى خيري في مقديشو فور إنهاء عقد شركة موانئ أبوظبي، كرد فعل انتقامي فوري، وتحريض قادة عسكريين ضد بعضهم في أكبر معسكرات الجيش في العاصمة مقديشو”.
وقال إنه أصبح من المؤكد لدى حكومة الصومال ولدى الأجهزة الأمنية الغربية أن الامارات وراء هذه الأحداث وأنها تخطط للأسوأ خلال الأيام القادمة، ليس لتركيع حكومة الصومال فقط، بل لإرهاب الجيران “أرتريا وجيبوتي” وتوصيل رسالة لحكوماتها بأن المساس بمصالحنا معناه نهاية الاستقرار.
وأكد “أوليفي” أن هذه أساليب استعمارية معروفة، وأبوظبي تمارسها منذ فترة طويلة وبشكل فج، ولو حدث أن تهدد استقرار الصومال سوف تضطر الأمم المتحدة إلى ارسال قوات حفظ سلام وإعادة استقرار إلى الصومال، وهذا يعني أن الدول المجاورة “أرتيريا وجيبوتي” سوف تستغل تواجد هذه القوات في الصومال وسوف تتخلص فورا من عبء التواجد الإماراتي على أرضها، وهو ما يؤكد أن الامارات تلقت ضربة موجعة سوف تفقدها التوازن لفترة طويلة، بل ربما ينهي الخطط الاستعمارية لها “تحت زعم الاستثمار الخارجي” في القرن الأفريقي وخسارة مليارات الدولارات.
*وطن