أثار قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الإطاحة بصهره الفريق محمود حجازي، من رئاسة أركان الجيش، وتعيين اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي الذي كان يشغل منصب أمين عام وزارة الدفاع، بدلاً منه بعد ترقيته لرتبة فريق، العديد من التساؤلات.
تزامن هذا القرار المفاجئ للأوساط داخل صفوف الجيش وخارجه كافة، مع حركة التنقلات التي تمت في صفوف قيادات وزارة الداخلية والتي شملت 11 لواء شرطة على رأسهم رئيس قطاع الأمن الوطني ومساعد الوزير لقطاع أمن الجيزة ومدير إدارة الأمن الوطني بالجيزة ومدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي، لتصعد من بورصة التكهنات عن دوافع القرارين في نفس التوقيت.
البعض ذهب إلى أن الإطاحة بقيادات الأمن الوطني والعمليات الخاصة في الداخلية يتصل بحادث الواحات الذي وقع الجمعة 20 من أكتوبر الحاليّ، وهو ما قد يكون متوقعًا ومقبولاً على أقل تقدير، خاصة بعدما كشفته كواليس الحادث من تفاصيل تدين عملية التخطيط والإعداد المعلوماتي الجيد من الشرطة، لكن التساؤل الأكثر حضورًا الآن: هل هناك صلة بين إزاحة حجازي عن رئاسة الأركان وحادث الواحات؟ وإن لم يكن كذلك فما الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار مجهول الهوية بحسب المحللين؟
من رئيس الأركان الجديد؟
الفريق محمد فريد حجازي، حاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية، وماجستير العلوم العسكرية، تقلد العديد من المناصب القيادية داخل القوات المسلحة، حيث عين قائد للجيش الثاني الميداني في يوليو 2010، كما شغل منصب أمين عام وزارة الدفاع وأمين سر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يوليو 2012.
تربطه علاقة وطيدة بالسيسي كما أنه يعد من المحسوبين على المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، وكان له دور بارز في معاونة الرئيس على تعيين صهره اللواء محمود حجازي رئيسًا لأركان الجيش المصري في مارس 2014، في الوقت الذي كانت الأنظار تتجه فيه للواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني حينها، والذي أطاح به السيسي أيضًا في نفس الحركة.
ويعد رئيس الأركان الجديد القائد الوحيد المتبقي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة من رفقاء السيسي في تشكيل المجلس الأعلى الذي تولى إدارة شؤون مصر بعد خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ إن العناصر الأخرى تم الإطاحة بها بعد دخول السيسي قصر الاتحادية.
كان أحد المعارضين لتولي الرئيس محمد مرسي منصبه منذ اليوم الأول، وهو ما دفع الرئيس حينها إلى الإطاحة به من منصبه كقائد للجيش الثاني الميداني بعد أقل من عامين فقط على توليه المنصب، وتعيينه في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
علاوة على ذلك فهو أحد الشهود الذين أدانوا مرسي خلال القضيتين المعروفتين إعلاميًا بـ”هروب المساجين من سجن وادي النطرون” و”التخابر مع قطر”، وفق المعلومات التي تناولتها بعض المصادر عن فحوى شهادته في هاتين القضيتين والتي حوت على إدانات واتهامات للرئيس السابق ونظامه.
علاقة السيسي القوية برئيس الأركان الجديد، فضلاً عن موقفه الواضح حيال النظام السابق، كلها اعتبارات قد ينظر إليها كونها مبررات مقبولة ومنطقية لترقيته إلى هذا المنصب وهو ما لم يثر حفيظة أحد، لكن ما أثار الجدل هو إطاحته بصهره حتى وإن تم ترقيته – شرفيًا – إلى منصب مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات.
لماذا أطاح السيسي بصهره؟
منذ إعلان المتحدث العسكري للقوات المسلحة قرار الإطاحة بمحمود حجازي من رئاسة الأركان دون تفاصيل تذكر، بعد عودته بيومين فقط من واشنطن لحضور اجتماع نظمته وزارة الدفاع الأمريكية لرؤساء أركان حرب الجيوش المشاركة في الحرب على الإرهاب، صعدت مؤشرات بورصة التكهنات بصورة كبيرة، خاصة أن المناخ العام يساعد بشكل نسبي في تحميل مثل هذا القرار الكثير من الدلالات والرسائل، وإن ظلت جميعها حبيسة التوقعات والقراءات غير الموثقة معلوماتيًا حتى كتابة هذه السطور.
حادثة الواحات
التساؤل الأول الذي فرض نفسه كان عن الصلة بين قرار السيسي وحادثة الواحات الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 50 شرطيًا بحسب بعض الوسائل الإعلامية نقلاً عن مصادرها الأمنية و17 بحسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية والتي تعد واحدة من أقسى العمليات المسلحة التي تمت منذ استهداف الشرطة بعد 2013.
مرد هذا التساؤل كان التزامن بين الإطاحة بحجازي من رئاسة الأركان وحركة التغييرات التي شهدتها الداخلية والتي أطيح فيها برئيس جهاز الأمن الوطني والعمليات الخاصة ومدير أمن الجيزة، فضلاً عن عدد من اللواءات داخل الوزارة، إلا أنه لم يتضح – حتى الآن – أي علاقة بين القرارين.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن كواليس حادثة الواحات وتأخر وصول إمدادات الجيش للقوات الشرطية المشاركة في العملية ساهم في تعميق الشرخ في العلاقات بين الجيش والشرطة، وهو ما دفع – كما يتناول البعض – مدير المخابرات العامة للتوسط من أجل رأب الصدع بين الطرفين، ومن ثم قد يكون هذا القرار بإيعاز من المخابرات لتخفيف حدة التوتر بينهما من جانب، وتصدير رسالة تشير إلى محاسبة المقصرين أيًا كانت مناصبهم من جانب آخر.
الوضع في سيناء
التساؤل الثاني تعلق بالوضع في سيناء، خاصة بعدما أثير بشأن الخلاف بين بعض الجهات السيادية على رأسها المخابرات العامة والحربية عن إدارة المواجهة مع الجماعات المسلحة بعد تصاعد عملياتها بصورة كبيرة بعد مرور ما يقرب من 3 سنوات وأكثر على إعلان الحرب عليها، إذ تجاوز المعدل 1.04 عملية يوميًا بحسب دراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
أنصار هذا الرأي يذهبون إلى أن ملف الحرب ضد الجماعات المسلحة في سيناء يشهد حالة من النزاع والصراع بين بعض القوى والأطراف داخل الأجهزة المخابراتية والأمنية والعسكرية في نفس الوقت، وهو ما انعكس على ضعف الأداء والسيطرة على المشهد السيناوي بصورة كبيرة، وربما كان هذا سبب في زيادة الفجوة بين الشرطة والجيش هناك، لذا كان قرار الإطاحة بالرجل الثاني في القوات المسلحة نظرًا لصعوبة الاقتراب من وزير الدفاع المحصن دستوريًا، وهو ما يمكن ربطه أيضًا بالتساؤل الأول.
وكانت مصادر أشارت إلى أن الأسبوعين الأخيرين شهدا بعض التحركات “الغريبة” داخل الجيش المصري، حيث تم إعلان حالة الاستنفار العام وإلغاء الإجازات للضباط والمجندين أكثر من مرة استعدادًا لبعض المشروعات التدريبية القتالية، ثم تم إلغاء تلك المشروعات على نحو مفاجئ.
الإعداد لمنصب مدني ما
التساؤل الثالث تطرق إلى أن قرار السيسي لم يكن إطاحة بصهره قدر ما هو ترقية له وإعداده لمنصب مدني آخر، خاصة أنه من الصعب أن يتخلى الرئيس عن أقرب مساعديه فضلاً عن العلاقة الأسرية التي تجمعه به.
أنصار هذا الرأي يذهبون إلى أن السيسي أراد لحجازي أن يخلع بدلته العسكرية مرتديًا الزي المدني، من أجل التمهيد لتعيينه في مكان ما، تشير الترشيحات إلى منصب “رئيس الحكومة”، والذي قد يصبح شاغرًا خلال الأيام القادمة في أعقاب الوضع الصحي المتدهور لرئيس مجلس الوزراء الحالي شريف إسماعيل، والذي قيل إنه تقدم باستقالته أكثر من مرة لكنها رفضت لحين الاستقرار على مرشح آخر، قد يكون محمود حجازي.
ومما يعزز هذا الرأي أن قرار كهذا لا يمكن أن يتم دون موافقة رئيس الأركان الجديد وحجازي ووزير الدفاع فضلاً عن مدير جهاز المخابرات، خاصة بعد المعلومات التي كشفها “العربي الجديد” نقلاً عن مصادره الخاصة بشأن إصدار السيسي تعليماته باستمرار صهره في “مباشرة الملفات ذاتها التي كان يعمل عليها، وأبرزها التواصل مع الفرقاء الليبيين، وإدارة ملف تسليح الجيش وتنويع مصادر الاستيراد بالتنسيق مع رئيس الأركان الجديد واللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربي”.
وبصرف النظر عن التأويلات المتباينة لمثل هذا القرار إلا أنه يشير إلى شيء ما يحدث داخل المؤسسة العسكرية، خاصة أنه – ووفق البعض – لن يكون القرار الأخير، إذ تشير التوقعات إلى حزمة من الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال الفترة المقبلة وقبيل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة لإعادة ترتيب البيت العسكري من الداخل بصورة تزيل الستار قليلاً عن ملامح المرحلة القادمة، وحتى حدوث ذلك تظل السيناريوهات كافة حبيسة أدراج التخمينات والتوقعات حتى يحدث ما يخرجها إلى طاولة النقاش والبحث.
*نون بوست