هل يلغي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي الإيراني، مفجِّراً أزمةً جديدةً في وجه إدارته، أم أن الرجل الذي ألف كتاب فن الصفقات يناور لتعديل الاتفاق والحصول على مزيد من المكاسب؟
يتعرض ترامب حالياً لضغوط متزايدة من قِبل حلفائه الأوروبيين وأعضاء حزبه الجمهوري للإبقاء على سريان الاتفاق النووي مع إيران، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ورغم توقعات بقيام ترامب بالتنصل من الاتفاق عند وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية بلاده تجاه إيران الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن المدافعين عن الاتفاقية؛ بل والمعارضين السابقين لها أيضاً، يطالبونه بعدم الإعلان عن ذلك في الوقت الحالي.
هكذا سيدمر الاتفاق رغم أنفه
ويُجمع كبار مستشاري ترامب لشؤون الأمن القومي على خطة سحب الثقة من الاتفاق وتركه قائماً، بهدف مراجعة شروطه وتنقيحها. ولكن ومن أجل خوض هذا المسار، سوف يُشرع الرئيس الأميركي في اتخاذ سلسلة من الإجراءات، التي يحذر البعض من إمكانية أن تقضي على الاتفاق النووي تماماً.
وكان ترامب قد وصف الصفقة النووية مع إيران بأنها واحدة من أسوأ الاتفاقيات التي رآها، لجهة أن بنودها كانت “غير مكتملة” على حد تعبيره، وذلك في حوار مع Fox News الأربعاء.
ونقلت شبكة “سي إن إن” عن ترامب: “أظن أنها من بين الاتفاقيات الأقل اكتمالاً التي رأيتها في حياتي، لقد قدمنا 150 مليار دولار ولم نحصل على شيء في المقابل، بينما حصلوا هم على مسار يسمح لهم بالوصول إلى الأسلحة النووية بشكل سريع”.
وأضاف: “سلمناهم 1.7 مليار دولار نقداً (في خطوة أقدمت عليها إدارة سلفه باراك أوباما نهاية العام الماضي كجزء من تسوية قانونية قديمة)، هذه النقود أُخذت من جيوب الأميركيين”.
فقدان التمييز
وحسب “نيويورك تايمز”، فإنه يتعين على صانعي القانون اتخاذ القرار بشأن إعادة فرض العقوبات على طهران، وهي الخطوة التي من المؤكد أن تطيح باتفاق 2015 المبرم بين إيران والقوى العظمى في العالم.
وفي العواصم الأوروبية، يمارس الحلفاء بعض الضغوط للانضمام إلى الولايات المتحدة في سعيها لإعادة التفاوض على شروط الاتفاق.
وقال السيناتور الديمقراطي بلجنة العلاقات الخارجية كريس كونز: “رغم أن إدارة ترامب تميز تمييزاً دقيقاً بين سحب الثقة من خلال تقديم تقرير إلى الكونغرس والانسحاب من الاتفاق، إلا أن ما يقلقني هو فقدان ذلك التمييز من قِبل حلفائنا وخصومنا”.
وأجرت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، اتصالاً هاتفياً بالرئيس ترامب يوم الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017؛ لتشجيعه على دعم الاتفاق، مضيفة أنه ينبغي “أن تتم متابعته بعناية وتطبيقه بالطريقة السليمة”، بحسب ما أورده المتحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية.
وأكد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، تلك الرسالة خلال مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون.
وتستند سياسة البيت الأبيض الشاملة تجاه إيران إلى التقليل من شأن الاتفاق النووي؛ من أجل مواجهة إيران فيما يتعلق بقضايا أخرى، ومن بينها برنامجها الصاروخي ودعمها الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط.
الكونغرس يجهل ما سيفعله ترامب
وظل صانعو القانون في مجلس النواب ومجلس الشيوخ يجهلون خطط ترامب حتى يوم الأربعاء، بينما كان زعماء الكونغرس يستعدون لاحتمالية أن ينتهي مصير الاتفاق بين أيديهم بنهاية الأسبوع.
وطالب صانعو القانون الآخرون، ومن بينهم بعض الجمهوريين الذين كانوا ينتقدون الاتفاق، ترامب بالإبقاء عليه سارياً.
وكان الجميع يفترضون أن ترامب يستعد لسحب الثقة من الاتفاق. وبذلك، سوف يُيَسِّر على الكونغرس إعادة فرض العقوبات على برنامج إيران النووي ووقف سريان الاتفاق من خلال أغلبية بسيطة بكلا المجلسين.
ومع ذلك، ذكر كبار الأعضاء الجمهوريين بالكونغرس أن إلغاء الاتفاق نتيجة غير محتملة، حتى لو ظل الكثير من أعضاء حزبهم -وبعض الديمقراطيين- يعارضون الاتفاق وينتقدونه.
إذ إنه من دون أي أدلة واضحة على خرق الاتفاق من قِبل السلطات الإيرانية، وبحكم الدعم الذي تقدمه أوروبا للاتفاق، يبدو أن زعماء الحزب الجمهوري غير مستعدين لتأييد وجهة نظر ترامب.
وحثَّ إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (من الحزب الجمهوري)، يوم الأربعاء: “أعتقد أن على ترامب تقديم رؤية واضحة إلى الكونغرس بشأن ما يحاول القيام به”.
وطالب رويس وآخرون بالمجلس بتعزيز التنفيذ وتطبيق عقوبات إضافية مستهدفة ضد برنامج إيران الصاروخي وضد حزب الله.
وكان صانعو القانون يستعدون أيضاً لإمكانية أن يطلب ترامب منهم ببساطة، تعديل القانون الذي يُجبره على إعادة منح الثقة للاتفاق كل 90 يوماً.
ومن الأرجح أن تتوقف أية نتيجة تشريعية على مجلس الشيوخ، حيث يثق الديمقراطيون بإمكانية حشد معظم أعضائهم من أجل الحفاظ على الاتفاق والإبقاء عليه. ومن بين الأعضاء الديمقراطيين الأربعة الذين صوتوا ضد الاتفاق، أشار اثنان -هما: تشاك شومر زعيم الأقلية (من نيويورك)، وبن كاردن كبير الأعضاء الديمقراطيين بلجنة العلاقات الخارجية (من مريلاند)- إلى عدم رغبتهم في التخلي عن الاتفاق.
ويبقى اثنان من الديمقراطيين السابقين من دون أصوات، وهما روبرت منينديز (من نيوجيرسي) وجو مانشن من (ويست فرجينيا)؛ إذ لم يتخذا أي قرار بهذا الشأن.
عدو ترامب قد يحسم الأمر
ويبقى الصوت الأهم هو صوت السيناتور بوب كوركر من تينيسي، وهو الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والذي يناصب ترامب العداء الشديد. ويمكن أن يكون لهيمنة كوركر على اللجنة وعلى التكتل الجمهوري عواقب وخيمة في تفعيل التشريع.
وقد أعرب البعض عن مخاوفهم من عدم إمكانية قيام كوركر بدور الوسيط بين البيت الأبيض والكونغرس، وهو الدور الذي لا يمكن تغييره بسهولة. ويُعتبر توم كوتون، العضو الجمهوري عن ولاية أركنساس وكبير الخبراء بالشؤون الإيرانية في المجلس، متشدداً للغاية ولا يمكن أن يضطلع بدور الوسيط.
ماذا سيفعل مع حزب الله والحرس الثوري؟
وبينما كان البيت الأبيض يستعد لطرح سياسته تجاه إيران، كان الخبراء يركزون على سؤالين لم تتم الإجابة عنهما، وهما: كيف تتم مواجهة تنظيم حزب الله الذي تدعمه إيران؟ وما إذا كان سيتم اعتبار الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابياً؟ ويعد ذلك أمراً هاماً؛ نظراً إلى أن الحرس الثوري هو الجناح العسكري للحكومة الإيرانية.
وحذر جون كيري، وزير الخارجية السابق الذي شارك في مفاوضات الاتفاق النووي، الأعضاء الديمقراطيين بالمجلس من أن مثل هذه الخطوة سوف تُعتبر سابقة خطيرة، وفقاً لما أورده شخص حضر الاجتماع.
وكانت هناك مخاوف أخرى. فقد ذكر الديمقراطيون أنه مهما تكن نية ترامب من المناورات، فإنها ستبقى غامضة بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة في المفاوضات بالخارج.
لعب بالنار
وذكر إليوت إنجل، كبير الأعضاء الديمقراطيين بلجنة العلاقات الخارجية، والذي كان ينتقد الاتفاق في الماضي، أن سحب الثقة من الاتفاق النووي يصل إلى حد “اللعب بالنار”.
وقال جيك سوليفان، الذي ساعد في التفاوض على الاتفاق نيابة عن إدارة أوباما: “هذه المناورات حول سحب الثقة من الاتفاق لن تؤدي إلى تحقيق أهدافنا الأوسع نطاقاً.
وأضاف: “فمن الصعب للغاية أن ندفع شركاءنا في أوروبا للضغط على إيران بشأن البرنامج الصاروخي والإرهاب، بينما يركزون على الخطر الذي تشكله واشنطن بصورة أكبر من التركيز على الخطر الذي تشكله طهران”.
هذا ما سيفعله
ومع ذلك، ذكر منتقدو الاتفاق أن رغبة ترامب في الانسحاب من الاتفاق سوف تمنح الولايات المتحدة القدرة على تحسين شروطه، أولاً مع الأوروبيين، ثم مع إيران، حسب “نيويورك تايمز”.
وكانت مصادر أميركية مسؤولة قد كشفت، الجمعة 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، لـ”سي إن إن”، ما سيفعله ترامب مع الاتفاق النووي الإيراني؛ إذ أوضحت أن القرار الذي سيتخذه ترامب لن يصل إلى حد “هجر الاتفاق بشكل كامل”، ولكنه قد يكون سحب الثقة من الاتفاق، وبذلك سيلقي ترامب بالكرة في ملعب الكونغرس، الذي سيكون أمامه 60 يوماً لتحديد النهج الذي ستتبعه الولايات المتحدة تجاه الاتفاق.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن مارك دوبوويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأحد كبار منتقدي الاتفاق النووي، قوله: “سحب الثقة من الاتفاق يدعم رغبة دونالد ترامب في الانسحاب منه، وهو ما يثير الرعب لدى الزعماء السياسيين الأوروبيين من إمكانية إلغاء ترامب الاتفاق النووي”.
وهذا أدى بالفعل إلى تغيير المواقف الأوروبية؛ إذ بدأت تطالب بالإبقاء على الاتفاق والعمل على تعديله بعد أن كانت تطالب بالإبقاء عليه.