مليشيات الحوثي من الجبهات إلى المقابر.. كيف تعوّض الجماعة خسائرها البشرية؟

محرر 216 ديسمبر 2021
مليشيات الحوثي من الجبهات إلى المقابر.. كيف تعوّض الجماعة خسائرها البشرية؟

قبل أيام، اعترفت مليشيا الحوثي بمقتل ما يقارب 15 ألفا من مسلحيها في أسوار محافظة مأرب خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من المعارك هناك، في حين ذكر التحالف بقيادة السعودية أن عدد قتلى مليشيا الحوثي بلغ 29 ألف قتيل منذ فبراير الماضي، عندما بدأت المليشيا بشن هجوم واسع في محاولة منها للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط والغاز، والتي تعد من أهم معاقل الحكومة الشرعية في شمالي البلاد.

وخلال الأيام الأخيرة، أفادت تقارير إعلامية بتشييع مليشيا الحوثي للعشرات من قتلاها في معارك مأرب بشكل شبه يومي، ورغم كل تلك الخسائر البشرية المهولة، وأضعافها من الجرحى، واستسلام البعض كأسرى حرب، ما زالت المليشيا الحوثية تواصل حشودها من المقاتلين إلى مأرب في أبشع عملية انتحار عسكري في مناطق مكشوفة وعدم مبالاة بالأعداد الكبيرة من القتلى في صفوفها، فكيف تتمكن المليشيا من تعويض خسائرها البشرية بسرعة، في دورة مفزعة تبدأ بحشد المقاتلين إلى الجبهات وتنتهي بحشد جثثهم من الجبهات إلى المقابر؟ وإلى متى ستظل القبائل اليمنية التي تقطن مناطق سيطرة الحوثيين تنزف دما بسبب مليشيا سلالية عنصرية قادمة من خارج البلاد؟

هناك العديد من الأسباب التي تمكّن مليشيا الحوثيين من الحفاظ على استمرار بقائها وتعويض خسائرها البشرية بسرعة، فيما يلي أهمها:

– الكثرة العددية في الحاضنة الشعبية: تستند مليشيا الحوثيين في استمرار بقائها وتعويض خسائرها البشرية بسرعة إلى حاضنة شعبية ضيقة جغرافيا لكنها تتميز بكثرة عدد السكان، مما يوفر لها مساحة كبيرة للتحرك وحشد المقاتلين. ورغم حساسية استدعاء الذاكرة التاريخية باعتبار المليشيا الحوثية قدمت من رحم الحكم الإمامي البائد الذي ثار عليه اليمنيون في 26 سبتمبر 1962، لكن هناك عوامل آخر مكّنت المليشيا من تجاوز الذاكرة التاريخية وحساسيتها، ساعدها على ذلك أن الغالبية العظمى من مقاتليها هم من جيل العهد الجمهوري الذين ينقصهم الوعي بخطورة عودة الحكم الإمامي، ويقعون تحت ضغط تأثير الخطاب الطائفي والمناطقي للمليشيا الحوثية، وكونهم يرزحون تحت تخدير الأدلجة الطائفية والمناطقية، فإنهم يرون مليشيا الحوثيين التعبير السياسي الجديد لنظام حكم علي صالح الذي كان يعتمد على العصبيات المناطقية والجهوية لتحصين وجوده وضمان استمرار بقائه وشكل شبكات مصالح لهذا الغرض، خصوصا أن مليشيا الحوثيين ورثت العلاقات الزبائنية وشبكات المصالح التي كان يستند عليها نظام علي صالح.

– ملشنة الجيش المناطقي: عندما تحالف الرئيس السابق علي صالح مع مليشيا الحوثي في بداية الانقلاب، سلمها الجيش الذي كان مواليا له مع مخازن أسلحته، وبما أن معظم ذلك الجيش، الذي كان معروفا بـ”الحرس الجمهوري”، ينتمي معظم منتسبيه إلى مناطق مؤدلجة بالعصبيات المذهبية والمناطقية والعائلية ومعروفة بالتجانس الاجتماعي والطائفي بين أتباع علي صالح وأتباع الحوثيين، فإن ذلك جعل الجيش الموالي لعلي صالح يغير ولاءه للحوثيين بسلاسة، والذين بدورهم عملوا على هدم بنيته التنظيمية وفصلوه عن قياداته وحولوه إلى مليشيا، ومنذ سنوات فإنهم يستدعون من حين لآخر من بقي من أفراد ذلك الجيش للقتال في صفوفهم، ملوحين بمختلف وسائل الترغيب والترهيب.

– استدعاء وإحياء العصبيات المختلفة: تتغذى مليشيا الحوثيين من خلال إثارة العصبيات واستدعائها وإحيائها، باعتبار ذلك أبرز أسلوب فعال لاستمرار حشد المقاتلين إلى الجبهات، وتتنوع أساليب إثارة العصبيات بتنوع البيئة الجغرافية والاجتماعية القابلة لتلك العصبيات، فمناطق تثار فيها العصبية الطائفية أو المذهبية (الزيدية)، والمناطق التي ليست زيدية المذهب تثار فيها العصبية المناطقية، وأخرى تثار فيها عصبيات جاهلية عدة، والتخويف من بعض الأحزاب والتيارات وشيطنتها واتهامها بالارتزاق والعمالة، وتلميع عائلة آل الحوثي وإضفاء نوع من القداسة عليها في أوساط الجهلة والبسطاء للتغرير عليهم وحشدهم إلى الجبهات.

– تكثيف خطاب الحرب: تحرص مليشيا الحوثيين على صبغ مختلف جوانب الحياة في مناطق سيطرتها بصبغة الحرب، وتصوير الوضع وكأنها في حالة حرب واستنفار دائم، فجميع وسائل الإعلام الخاصة بها وتلك التي سيطرت عليها أو سخرتها لصالحها تبث تعبئة حربية على مدار الساعة، كما أن خطب الجمعة في كل المساجد هي خطب حربية وتحريض على القتال، وتقام مهرجانات للتعبئة القتالية بشكل شبه يومي في مختلف المدن والقرى التي تسيطر عليها، وتنتج “زوامل حرب” باستمرار وتكثف من نشرها، وتطبع عبارات التحريض والكراهية على الجدران في مختلف الشوارع، كما ترفع اللافتات التي تلمع زعيم المليشيا وتحث على القتال، وتجري دورات تعبئة طائفية إجبارية تطلق عليها “دورات ثقافية”، وهكذا يستغرب المرء من امتلاك المليشيا تلك الطاقة والاجتهاد في نشر الطائفية وثقافة القتل والكراهية والتعبئة وحشد المقاتلين باستمرار رغم الصعوبات التي باتت تواجهها في السنوات الأخيرة، نتيجة رفض كثير من القبائل والأسر الاستمرار في الدفع بأبنائها للقتال في صفوف المليشيا.

– القبضة الحديدية: تحكم مليشيا الحوثيين مناطق سيطرتها بقبضة من حديد، وتمارس القمع والتنكيل بكل أنواعه، وتستخدم العصا الغليظة في كثير من الأحيان لإجبار عدد من القبائل والمواطنين على الزج بأبنائهم في حروبها العبثية، وعادة ما تكون الأسر البسيطة والفقيرة هي أبرز ضحايا التجنيد الإجباري للقتال في صفوف المليشيا، وتلجأ المليشيا إلى فرض مطالب تعجيزية بدفع مبالغ مالية كبيرة أو تجنيد فرد من كل أسرة لينضم إلى صفوفها، كما تساوم بعض الأسر الجائعة بالمساعدات الغذائية، حيث تشترط لحصولها على مساعدات غذائية أن يذهب أحد أفرادها للقتال في صفوف المليشيا، رغم أن تلك المساعدات كانت مخصصة للنازحين والمتضررين من الحرب ومقدمة من جهات أجنبية.

– خطف الأطفال والمراهقين: تعد ظاهرة خطف الأطفال والمراهقين والزج بهم في جبهات القتال من الظواهر المقلقة في المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية، وتتحدث تقارير حقوقية عن أرقام كبيرة لأعداد الأطفال الذين تجندهم المليشيا، من بينهم مختطفون من أمام منازلهم أو من المدارس والطرقات والأسواق، وبعض الأطفال تغرر عليهم وتقنعهم بالذهاب للقتال في الجبهات بدون معرفة أسرهم.

– استثمار الجهل: تتسم مناطق الحاضنة الاجتماعية للحوثيين بانتشار الجهل على نطاق واسع، وهذا ساعدها كثيرا على التغرير بالجهلة وإقناعهم بأنهم سيذهبون إلى الجبهات لقتال أميركا وإسرائيل، وهو ما يتضح وفق شهادات كثير من أسرى المليشيا لدى الجيش الوطني الذين يقولون إن الحوثيين أقنعوهم بأنهم سيذهبون للقتال ضد أميركا وإسرائيل في تعز ومأرب والجوف والبيضاء وغيرها من جبهات الحرب.

في الحصيلة، نشأت مليشيا الحوثي على القتال، وانتعشت من خلال الاستمرار في القتال والدعوة إليه، وتوسعت نتيجة لمشروعها القتالي، وتفننت كثيرا في وسائل الحشد والتعبئة للقتال في صفوفها، ويمثل القتال والحروب بالنسبة لها مشروع دائم تتغذى منه وتتنفس بفضله، ولا يمكنها أن تترك القتال مهما كان، لأنه بدون القتال ستتلاشى وتموت، لذلك ستبقى تحشد المقاتلين بمختلف الوسائل، وستستمر في إشعال الحروب هنا وهناك، ولن تتوقف مهما كانت الظروف، فمبررات القتال كثيرة، وستتوقف عن القتال في حالة واحدة فقط، وهي في حال القضاء عليها ومصادرة أسلحتها وإقامة دولة قوية تبسط سيطرتها على كل الأراضي اليمنية، وتمنع ظهور أي مليشيا طائفية أو مناطقية وغيرها.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق