عشية انقضاء ست سنوات من الحرب في اليمن فاجأت المملكة العربية الجميع بإعلان تقديمها مبادرة حل سياسي شامل لإنهاء الحرب المدمرة في اليمن، بعد سنوات عجاف، عانى خلالها اليمنيون الأمرّين، وذلك جراء تضاعف المعاناة الإنسانية التي خلقتها الحرب، بالإضافة إلى استمرار الحوثيين في نهج التدمير الشامل لكل المدن والمحافظات اليمنية.
“المبادرة تمنح الحوثيين الفرصة لتحكيم العقل ووقف نزيف الدم اليمني..” هكذا علق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والذي كشف عن مضامين المبادرة خلال مؤتمر صحفي. وتتكون المبادرة بحسب الإعلان السعودي من 4 نقاط رئيسية هي: وقف إطلاق نار شامل في اليمن تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناءً على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
وبعد فترة وجيزة من إعلانها أعلنت جماعة الحوثيين عبر الناطق الرسمي لها، محمد عبدالسلام، رفض ما ورد فيها، حيث هاجم السعودية وقلل من شأن المبادرة قائلاً: لم تأت بجديد.
وبين النقاشات الدائرة حول رفض وقبول المبادرة ومدى واقعيتها ومدى مصلحة الشعب اليمني المرتجاة من هذه المبادرة أثار ناشطون يمنيون أسئلة حول جدوى تقديم المملكة مبادرات إلى جماعة انقلابية اتخذت منهج القوة سبيلاً لاغتصاب السلطة الشرعية في العاصمة صنعاء.
هل الحوثيون جماعة سياسية؟
يقول الصحفي والباحث نبيل البكيري أن الإصرار على معاملة الحوثيين وكأنهم طرف سياسي خطيئة شجعت المليشيات على التمادي في غيها والإسراف في الدم اليمني لسنوات.
وأضاف في تغريدات رصدها “عدن نيوز”: كل مبادرة سياسية تعطي الحوثيين نصراً معنوياً وتمنحهم اعترافاً إضافياً بأنهم أصبحوا طرفاً سياسياً، في نفس الوقت الذي تسحب فيه البساط عن مظلومية الشرعية وأحقيتها في كونها الطرف السياسي الوحيد الذي له الحق السيطرة على كل شبر في اليمن.
ويؤكد الناشط الصحفي عماد الجلال على هذا الطرح بقوله أن الحوثيون كانوا ولا يزالون جماعة انقلابية ومليشيا دموية أخذت العاصمة بالقوة، وأن المهادنة معها وتقديم المبادرات لها يبعث دلالات للمجتمع الخارجي وللداخل أيضاً بأن الحوثي هو الطرف الأقوى على الأرض.
ويبدو أن هذا الشعور بهيمنة الحوثيين قد طغى على تغطيات عدد من كبريات المؤسسات الصحفية العالمية، حيث نشرت صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية العريقة تقريراً قالت فيه إن تقديم السعودية مبادرة لوقف الحرب في اليمن دلالة دامغة على خسارتها الحرب وانتصار الحوثيين.
وأضافت في إحدى فقرات التقرير الذي رصده عدن نيوز: ما تعكسه المبادرة اليوم بوضوح هو أن الحوثيين كانوا متقدمين منذ بداية الحرب في الـ26مارس/ آذار عام 2015، في حين لم تعد السعودية قادرة على كسب هذه الحرب.
وزادت من حدة انتقادها للملكة بالقول إن المبادرة تمثل هروباً سعودياً من المعركة التي خسرتها في اليمن.
المدفعية كانت الحل فأين توارت؟
يقول الخبير العسكري الأردني فايز الدويري إن الحرب اليمنية انقسمت إلى قسمين بارزين (3 أعوام من انتهاج سياسة السلاح والقوة مع الحوثيين تبعتها 3 أعوام عجاف توالت فيها المبادرات السياسية كما توالت معها الانتصارات العسكرية والسياسية للحوثيين).
ويضيف في تصريحات لعدن نيوز: من خلال متابعتي للحرب عن كثب، تميزت الثلاثة الأعوام الأولى من الحرب وهي 2015 و 16 و 17 بانتهاج التحالف العربي والحكومة الشرعية خيار الحسم العسكري مع الحوثيين، وهو بنظري الخيار الأمثل في التعامل مع أي كيانات مليشياوية.
وتابع: لذا نلاحظ أن المعركة التي انطلقت في مارس 2015م وكان الحوثي حينها مسيطراً على معظم مدن اليمن (شمالاً وجنوبا كما تمكن من دخول عدن) انتهت في 2017 بدحر الحوثيين من جميع مدن جنوب اليمن ومن معظم المديريات في مارب والجوف ووسط وجنوب تعز، كما نجحت سياسة القوة في تحرير الساحل الغربي لليمن والوصول إلى جولة يمن موبايل في الحديدة، ووصول طلائع الجيش الوطني إلى مشارف نقيل بن غيلان المطل على مطار صنعاء الدولي.
ويضيف لعدن نيوز: لكن الأعوام الثلاثة الأخيرة التي سمح فيها التحالف للمبادرات بالدخول لساحة الصراع بداية من اتفاق ستوكهولم المشئوم شكلت انتكاسة كبرى للشرعية، فقد خسرت فيها الحديدة وعدن ولحج والضالع والجوف ومساحات شاسعة من مارب وأبين.
وتابع: على السعودية أن تعي أنها كمن يطلق النار على قدميه لو استمرت في التعامل مع الحوثيين كطرف سياسي، خاصة وأن الأخير يثبت كل مرة أنه متعطش لزعزعة استقرار المملكة ولا يترك فرصة لضرب مواقعها الحيوية بالصواريخ والطيران المسير وليس آخرها التصعيد العسكري الكبير الذي استهدف السعودية بعد إعلان المبادرة.