مع بزوغ فجر الجمعة الموافق 12 فبراير 2021م، دخلت المعارك الضارية في محافظة مارب النفطية (شرقي اليمن) يومها السادس، فيما لا تلوح في الأفق أية إشارات على اقتراب الجولة الجديدة من الصراع من نهايتها.
وتطورت الأحداث بسرعة خلال الأيام الماضية وسط استنفار غير مسبوق من الجيش الوطني الموالي للحكومة اليمنية الشرعية لكسب معركة يُنظر إليها بأنها فاصلة وتحدد المسار التفاوضي في أي خريطة سلام مرتقبة يضعها المجتمع الدولي لوقف الحرب المتصاعدة منذ 6 سنوات.
يأتي ذلك في وقت حذرت فيه الحكومة المعترف بها دولياً من الهزيمة في مأرب، ودعت إلى حشد كل الطاقات البشرية والمادية والمعنوية من أجل الانتصار في المعركة، فيما شرعت جماعة الحوثي في حملة تبرعات إجبارية بمناطق نفوذها من أجل تمويل معركتها الفاصلة في مأرب.
ويقول خبراء عسكريون لعدن نيوز إن الهجوم الحوثي الجديد على مارب هو أكبر وأوسع هجوم عسكري شنته الجماعة على المدينة التي تحمل ذات الاسم، ويمتد من جهة الشمال والشمال الغربي لمارب إلى جهة الجنوب الغربي لها، مستفيدة من انتصارات سابقة في الأشهر الماضية أفضت إلى بسط سيطرتها على عدد من المديريات التي مكنتها من الاقتراب أكثر فأكثر من عاصمة المحافظة (المجمع).
في ذات الوقت يتهم مراقبون الإمارات بأنها ضالعة ومتورطة في العمليات الهجومية للحوثيين في مارب، خاصة وأنها ترى في سقوط مارب إسقاطاً كلياً للحكومة الشرعية والجيش الوطني وإعلاناً رسمياً بانتصار مشروعها الإنفصالي الرامي لتشطير البلاد وتقسيمها بين فصيلين مسلحين تتمتع بعلاقات جيدة معهما: الإنتقالي في جنوب اليمن والحوثيون في شماله.
وقال رئيس مجلس الشورى اليمني أحمد عبيد بن دغر، في بيان صحافي، إن “الهزيمة في مأرب ستقود إلى هزائم أخرى للحكومة الشرعية، لكن النصر سيكون له ما بعده، ولذا يجب تحريك كافة القدرات ووضعها في خدمة المعركة”.
6-أقولها بصدق وصراحة إن هزمنا في مأرب -لا سمح الله- فقد هزمنا فيما بعدها، والنصر في مأرب واستعادة الجوف، نصر لما بعده، مأرب اليوم هي بعض اليمن وهي اليمن كله، لدينا اليقين بالنصر، لأن لدينا اليقين بصمود الأبطال في مإرب، والثقة في قياداتها المحلية والمركزية.
— د. أحمد عبيد بن دغر (@ahmedbindaghar) February 9, 2021
تمهيد لتسوية قادمة مع الحوثي
ويؤكد سياسيون يمنيون أن هناك مخطط إماراتي خبيث لتركيع الحكومة الشرعية وخدمة مطامعها التوسعية في اليمن، بما في ذلك تسليم مدينة مأرب للحوثيين الذي فيما يبدو أن الإمارات قد منحت الضوء الأخضر فيه من قبل بريطانيا التي تتولى ضمنياً مسئولية الملف اليمني في مجلس الأمن.
وتعتقد الإمارات أن تسليم مأرب للحوثيين أو على الأقل منحهم فرصة التقدم وخنق القوات الحكومية فيها، قد يسهم في تسوية الملعب السياسي لأية إتفاقات قادمة، وبما يكفل إضعاف الشرعية أو حتى خروجها من اللعبة والمشهد السياسي مستقبلاً.
وأكد محللون عسكريون أن جماعة الحوثي تلقت دعماً لوجستياً عبر معلومات استخباراتية مصدرها أبوظبي بخصوص مناطق تمركز قوات الجيش الوطني في مارب ومواقع مخازن السلاح، كما تلقت كذلك دعماً مالياً لتمويل هجوم عسكري متواصل حتى إنجاز الهدف المشترك للطرفين: سقوط مارب والشرعية.
وفي هذا الصدد حذر سياسيون السعودية من خطورة تمرير مثل هذا المخطط الذي سيمثل ضربة موجعة لها قبل أن تكون للشرعية اليمنية.
أكد صالح الجبواني وزير النقل المستقيل من الحكومة الشرعية اليمنية، أن هزيمة الشرعية في مأرب تعني في الأول والأخير خسارة للملكة العربية السعودية.
وألمح الجبواني في تغريدة له على حسابه الشخصي في “تويتر” إلى تواطؤ الإمارات الخبيث التي تسعى من خلاله لتسليم مأرب للحوثيين على” طبق من ذهب”.
وأوضح، “ليس من الغريب أن يهجم الحوثي على مأرب على إمتداد سبع جبهات بالتزامن مع وصول مئات المدرعات الحديثة لألوية الانتقالي في أبين التي لم تتوقف المعارك فيها حتى اللحظة”.
مؤكداً أن هناك تحالف غير معلن بين الحوثي والانتقالي المدعوم إماراتياً .. هذا التحالف” يهدد المملكة في الصميم”.
وقبل أشهر اتهم وزير الدولة )أمين العاصمة) في الحكومة اليمنية عبدالغني جميل، دولة الامارات بتمويل مؤامرة لإسقاط محافظة مأرب وتسليمها للحوثيين، على غرار ماحدث في انقلاب 2014م.
الوضع العسكري في مارب
توسعت رقعة المعارك في مأرب على امتداد الجبهات الجنوبية في جبل مراد، وصولا إلى جبهات صرواح غربا، ومدغل ورغون ومجزر في الشمال الغربي، وبعد ذلك شُنت هجمات حوثية هدفت إلى إرباك القوات الحكومية.
وتركز جماعة الحوثيين هجومها الجديد بدرجة رئيسية على الجبهة الممتدة بين صحراء الجوف ومأرب والواصلة إلى منابع النفط والغاز في صافر وريدان، ويبدو أن إشعال باقي الجبهات في جبل مراد وصرواح كان الهدف الرئيسي منه تشتيت انتباه القوات الحكومية على أكثر من جبهة.
وسيطرت المجاميع الحوثية، فجر الأربعاء، على أجزاء من معسكر كوفل، بحسب مصادر متطابقة، فيما تحدث المركز الإعلامي للقوات المسلحة عن غارات جديدة استهدفت الحوثيين في صرواح، غربي مأرب.
وقال مصدر عسكري بالقوات الحكومية، إن جماعة الحوثيين كانت قد استطاعت بالفعل تحقيق اختراقات خطيرة في جبهات دحيضة والمشجع وصرواح، غرب وشمالي غرب مدينة مأرب، لكن الجيش الوطني مسنودا برجال القبائل تمكن من استعادة زمام المبادرة، الثلاثاء، واستعادة عدد من المواقع.
وأشار المصدر إلى أن الساعات القادمة ستكون مصيرية بالنسبة لمعركة الدفاع عن مأرب، وخصوصا في ظل الانهيارات الواسعة في صفوف الحوثيين وسقوط أكثر من 200 عنصر حوثي بين قتيل وأسير خلال الأيام الخمسة الماضية.