يصعد النظام الإماراتي مؤامراته في الصومال عبر نشر الفوضى والإرهاب والدفع بتقسيم البلاد خدمة لأطماعه في النفوذ ونهب ثروات ومقدرات الدول.
ودعمت أبو ظبي سلطة إقليم صوماليلاند، الذي أعلن انفصاله عن الصومال ويعتبر نفسه دولة مستقلة، لكنه حتى الآن لم يحظ بأي اعتراف دولي أو إقليمي، إلا أن استقبال الإمارات لرئيسه ودعم الإقليم عسكريا واقتصاديا يعني أنَّ أبوظبي تعترف به كدولة مستقلة.
مؤخرا صرح رئيس ما يسمى بجمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد موسى بيحي عبدي أن الإمارات ستدرب قوات الجيش والشرطة في المنطقة التي يتولى إدارتها وتتمتع بحكم شبه ذاتي وتسعى للانفصال عن دولة الصومال الاتحادية.
وذكر أن التدريب يأتي في إطار اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في أرض الصومال، مضيفاً أن شركة موانئ دبي العالمية قامت بتطوير قاعدة عسكرية وميناء مدينة بربرة الواقع بأرض الصومال.
ويأتي هذا الدور الإماراتي ضمن مخطط إماراتي لإسقاط وتقويض الحكومة الصومالية الاتحادية، كما يرى علي جبريل الكتي الباحث الصومالي المتخصص في شؤون افريقيا الشرقية والبحيرات العظمى.
ويؤكد الكتى أن طبيعة الدور الإماراتي تتجلى في محاولة تقسيم الصومال عبر الولايات الفيدرالية، حيث خططت الامارات في خضم سياستها التخريبية في المنطقة لمشروع تقسيم الصومال بدعم الولايات الفيدرالية واضعاف الدولة الاتحادية، بل إنها لم تتورع في انشاء كيان موازٍ للدولة الصومالية مستفيدة من علاقتها ببعض الأشخاص المتنفذين في المجتمع الصومالي، فقامت المخابرات الإماراتية بتسليح بعض القبائل وأمدتهم بالمال السياسي لادارة الفيدرالية، واتجهت نحو دعم الانفصاليين في أرض الصومال.
وأشار إلى أن الإمارات في إطار اختراق الأجهزة الأمنية الصومالية، سعت من خلال تغلغلها في البلاد، على مدار سنوات مضت، وتدريبها للجيش، إلى استنساخ تجربة قوات الحزام الأمني في جنوب اليمن، وهذا ما ظهر جلياً في الاتفاقية التي وقّعتها أبوظبي مع اقليم “صوماليلاند”، التي أعلنت انفصالها عن البلاد عام 1991.
وينبه إلى أن أبوظبي تعتبر وجودها في الصومال كردّة فعل على الوجود القطري والتركي في القرن الأفريقي، ولاستهداف مصالح الدولتين، وبعض الدول الأخرى التي تربطها بالصومال اتفاقيات رسمية.
وكشف الكتي عن تشكيل ابوظبي قوة من المرتزقة، منوهاً إلى أن تقارير إعلامية غربية تحدثت عن انخراط شركة “بلاك ووتر” سيئة السمعة التي يملكها “إرك برينس” في أعمال ومشاريع أمنية في الصومال منذ عام 2010م، دون أن تشير تلك التقارير إلى الدور الإماراتي، وحماية عناصر بلاك ووتر للمشاريع العسكرية الإماراتية في الصومال.
وأكد الباحث الصومالي أن الامارات أرادت نقل تجربتها الوحشية والبشعة من ليبيا وسوريا وجنوب اليمن إلى الصومال باعتباره الحل الامثل لفرض سيطرتها عليه، مستخدمة أساليب الترويع والترهيب، وذلك من خلال تشكيل قوة جديدة من المرتزقة تابعة لشركات يملكها مؤسس شركة بلاك ووتر، إلى جانب شركة “ساراسن إنترناشونال” وهي شركة غامضة من جنوب افريقيا كانت تقتل المعارضين لحكومة الأقلية البيضاء في عهد الفصل العنصري، وتدفع الإمارات تكاليف هذه القوة.
وأشار إلى أن وتيرة الخلاف الصومالي- الإماراتي تزايدت في الآونة الاخيرة، على نحو وضع الأحاديث عن مساع إماراتية لزعزعة استقرار الصومال وتقويض نظامها السياسي موضع الجد، لاسيما أن سلطات الصومال الذي طالما عانى من التدخلات الدولية والاقليمية، كشَّرت عن أنيابها واتّخذت خطوات تصعيدية متلاحقة وصارمة ضد أبوظبي، حيث انتقلت العلاقات بين البلدين بشكل مفاجئ من الدفء والتعاون إلى الشقاق وتبادل الاتهامات.
وذكر أن الإمارات لعبت -وما زالت- أدوارا أقل ما توصف به أنها تدميرية لتقويض الحكومة الصومالية منذ انتخاب الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو.
مؤخرا أدان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، ما قال إنها تدخلات خارجية في شؤون الصومال من شأنها تقويض جهود السلام والإنجازات التي تحققت.
كما أدان البيان من سماهم الممولين والداعمين لأنشطة حركة الشباب الصومالية، مجددا تضامنه مع الحكومة الفدرالية والشعب الصومالي.
وصدر هذا البيان، إثر زيارات قام بها مسؤولون من الإمارات إلى إقليم “أرض الصومال”، في مسعى للتعامل مع هذا الإقليم، بعيدا عن الحكومة الصومالية الفدرالية.
وأشارت مقديشو إلى أن أي اتفاقيات مع الأقاليم ملغاة، ما لم توقع مع الحكومة الفدرالية الصومالية، وقد انتقدت مقديشو الاتفاق المبرم بين إقليم أرض الصومال والإمارات بشأن استخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر.
وسبق أن أعربت مفوضية الاتحاد الأفريقي عن قلقها إزاء تزايد التدخل الخارجي من قبل “أطراف غير أفريقية” في الشؤون الداخلية للصومال.
كما طالب البرلمان الأوروبي صراحة الإمارات بالتوقف عن كل عمل من شأنه أن يهدد الاستقرار في الصومال، وباحترام سيادته ووحدة ترابه.
وتصاعدت التوترات بين الصومال والإمارات في مارس/آذار 2018، عندما اعترضت الصومال على اتفاقية ميناء بين الإمارات وجمهورية أرض الصومال الانفصالية. وقال الصومال إن الإمارات قوضت سيادته عبر تخطي المفاوضات المباشرة مع الحكومة المركزية.
وبعد شهر، تصاعدت الاحتكاكات مرة أخرى عندما احتجزت الصومال طائرة إماراتية في مطار مقديشو، وصادرت 9.6 مليون دولار نقدا.
وزعمت الإمارات أن الأموال كانت تهدف إلى دفع رواتب الجنود الصوماليين الذين دربتهم الإمارات منذ عام 2014 كجزء من بعثة عسكرية للاتحاد الأفريقي لكبح التمرد الإرهابي، لكن الحكومة الصومالية رفضت هذه المزاعم وقالت إنها كانت موجهة لدعم الانفصاليين.
وردا على ذلك انتقمت الإمارات، وأغلقت المستشفى الذي يقدم رعاية طبية مجانية في الصومال. ثم استثمرت بكثافة في أرض الصومال، وبدأت في تدريب قوات أرض الصومال وبناء قاعدة عسكرية هناك عام 2018، تضمنت نظام مراقبة ساحلي تدعم منه الإمارات الآن التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وتبذل الصومال جهدها لمواجهة التحدي الإماراتي المستمر بسبب ما يقول مسؤولون صوماليون إنه “استخدام أبوظبي السماسرة السياسيين والضغط المالي الذي كان أساس سياسات الإمارات في الصومال في محاولة لممارسة نفوذها السياسي في كل الأراضي الصومالية.
وتحاول الإمارات عبثاً إنعاش نفوذها في القرن الأفريقي، الذي أخذ يحتضر وينتكس في السنوات الأخيرة، إذ تمثلت جولاته الأخيرة في استعادة سيطرة الحكومة الصومالية على الموانئ الرئيسة ومراكز التدريب الأمني والمستشفيات وعدد من المؤسسات التي اتخذت حكومة أبوظبي موطئ قدم لبسط نفوذها، بحجة تقديم الدعم الإنساني والإغاثي والأمني للبلد الفقير.
سيطرة أبوظبي على مفاصل مهمة في الصومال، خلال العقد الماضي، لم تكن خافية على المتابع لتطورات الأحداث في القرن الأفريقي، وكانت حكومة مقديشو تعرف بذلك، لكنها كانت كثيراً ما تعتبر أنها تندرج تحت مظلة الدعم الإماراتي المقدم للبلد الذي تنهشه الصراعات الداخلية والإقليمية، إلى أن جاءت الأزمة الخليجية وحصار قطر في يونيو عام 2017 ليضعا حداً للنفوذ الإماراتي.
موقف الصومال المحايد من الأزمة الخليجية وحصار قطر رغم الضغوط التي تعرض لها من قِبل دول الحصار، الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، جعله يدفع الثمن، إذ دعمت أبوظبي وحلفاؤها الدولة العميقة في البلاد وقادة عسكريين وغذت الصراعات المحلية والاضطرابات بهدف الإطاحة بالحكومة الصومالية خلال العامين الماضيين.
*الامارات ليكس