نواصل في “عدن نيوز” سلسلتنا الاستقصائية حول شخصية رئيس الوزراء نائب رئيس الجمهورية الأسبق خالد بحاح.
في هذه الحلقة سنتناول الفترة الأكثر تقلباً ودراماتيكية في حياة بحاح، بعد أن انطلقت عاصفة الحزم العسكرية بقيادة المملكة العربية السعودية ضد جماعات الحوثي في صنعاء، حيث وصل فيها الرجل الى ذروة صعوده السياسي في فترة من الفترات، قبل أن تحمل الفترة اللاحقة معالم السقوط المدوي لرجل اعتاد الجميع وصفه بأنه الرجل الثاني في اليمن.
بعد أن رفعت جماعة الحوثيين في صنعاء الإقامة الجبرية عن بحاح كما أسلفنا في الحلقة الثانية من هذه السلسلة – يمكنكم الاطلاع عليها مجدداً من (هنا) – توجه الرجل الى الولايات المتحدة الأمريكية في 24 مارس 2015م. في ذلك الوقت كان العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يستقبلان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قادماً من سلطنة عمان بعد وصول الحوثيين الى مشارف عدن وتمكنهم من إسقاط قاعدة العند العسكرية.
في الأيام الأولى لعاصفة الحزم غادر الرئيس هادي رفقة العاهل السعودي الى مصر للمشاركة في قمة شرم الشيخ. كان قد تواصل الرئيس حينها ببحاح، وكان لا يزال رئيساً للحكومة، وطلب منه التحرك على عجل الى المملكة العربية السعودية لاستكمال مهامه الدستورية كرئيس للحكومة في هذا الظرف الحساس.
وفي نهار الرابع من أبريل، أي بعد أسبوع من بدء عاصفة الحزم عاد الرجل الى الرياض، ثم التقى بالرئيس هادي العائد من القمة العربية. في تلك الفترة كان الرئيس يولي بحاح ثقته المطلقة، لذلك أصدر قراراً جمهورياً في 12 ابريل 2015م عين من خلاله بحاح نائباً لرئيس الجمهورية مع احتفاظه بمنصب رئيس الوزراء. وفي اليوم التالي أدى بحاح القسم الجمهوري أمام الرئيس هادي بالرياض.
شكل ذلك الإعلان ذرة الصعود السياسي للرجل الطموح، وبات يدرك أنه صار أهم شخصية سياسية في اليمن بعد الرئيس هادي.
ومن الرياض شرع بحاح في ممارسة مهامه، في وقت كانت ضراوة المعارك تشتعل بشكل كبير على خاصرة اليمن الجنوبية، وتحديداً مدينة عدن. وبعد قتال مرير قادته المقاومة الجنوبية في عدن وبإسناد واسع من مقاتلات التحالف العربي، تحررت المدينة بشكل نهائي من مليشيات الحوثي التي تم طردها الى خارج حدود المدينة في منتصف شهر يوليو من ذات العام.
كان ذلك أول نصر عسكري هام للسلطة الشرعية ضد جماعة الحوثي، وشكل انعطافة تاريخية في سير الاحداث ومجريات القتال في اليمن، بل وربما بداية الخريف في العلاقة بين السلطة الشرعية وعلى رأسها الرئيس هادي وقيادة دولة الإمارات.
وبعد تحرير المدينة بأيام زار بحاح مدينة عدن، كأول زيارة رسمية لرئيس الحكومة اليمنية الى عدن منذ انقلاب الحوثيين. لم تدم الزيارة أكثر من أسبوعين حتى حمل الرجل حقائبه الى العاصمة الإماراتية أبوظبي، وتحديداً في 1 أغسطس 2015م.
في الواقع، لقد أثار الرحيل المفاجئ لبحاح من عدن في تلك الآونة علامات استفهام كبرى، لكن تقارير صحفية أكدت أنه يجري محادثات سياسية “حساسة” مع القيادة الإماراتية، قد تقلب موازين المعركة رأساً على عقب.
وبحسب تلك التقارير فقد اعتقدت القيادة الإماراتية أن الفرصة قد حانت لإعادة إحياء الحلف القديم الجديد بينها وبين صالح عبر سمسار العلاقات “بحاح”، ودفعه لإعلان فض تحالفه مع الحوثيين، ثم تفعيل المسار السياسي في البلاد وإيقاف المسار العسكري وعقد مفاوضات سياسية بين التحالف والشرعية من جهة وصالح من جهة أخرى، تفضي في نهاية المطاف الى إعادة بعث صالح من جديد كسيّد أوحد على المشهد اليمني.
وبالنظر الى جملة من التغريدات التي أطلقها المسئولون الإمارتيون في تلك الفترة يمكن القول أن أبوظبي كانت تدفع باتجاه وأد المسار العسكري، حيث كتب وزير الدولة لشئون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش مغرداً: “الحل السياسي يجب أن يأخذ مساره بعد معركة “تحرير عدن” من الحوثيين والقوات المتحالفة معهم”.
كما شدد قرقاش على ضرورة أن يتم البناء على انتصار عدن، بتسوية سياسية على أساس القرار الأممي 2216/ موضحا أن “عبد الله بن زايد، يدعم جهود المبعوث الدولي آنذاك اسماعيل ولد الشيخ، للتوصل لحل سياسي في البلاد”.
في حين كان يصر الرئيس هادي على أن المعركة العسكرية لابد أن تستمر جذوتها مشتعلة، وأنه من غير المقبول بأي شكل من الأشكال تكرار خطأ “الوثوق” بصالح والذي نتج عنه سقوط الدولة والجمهورية معاً في براثن الحوثيين.
لذا كان من الطبيعي أن تشعر المقاومة الشعبية في عدن، ومن ورائها القيادة السياسية في الرياض بأن الإمارات تمارس “انتهازاً رخيصاً لتحقيق مكاسب سياسية على حساب دماء اليمنيين وعلى حساب مستقبل الدولة”، وبدأ فصل الصدام والحرب الباردة بين الرئيس هادي والسلطة الشرعية من جهة، والإمارات من جهة أخرى.