“18 مارس” حدثان مهمان يحملهما هذا التاريخ، علقا في اذهان اليمنيين، رغم تباينهما، الاول مأساوي مثله جمعة الكرامة والاخر اراد اليمنيون ان يغطون به بشاعة الحدث الاول فاعلنوه يوما وطنياً للحوار والتوافق والجلوس الى مائدة المفاوضات لجميع الاطراف بلا استثناء.
الحدث الأول.. بركة الدماء
لا تزال صورة بركة الدماء التي تكونت في أحد شوارع صنعاء في 18 مارس/آذار2011، المشهد الأكثر تأثيراً في ذاكرة الثورة اليمنية، حين سقط قرابة 43 شهيداً من المتظاهرين السلميين، في مجزرة “جمعة الكرامة”، ليفتتحوا بدمائهم مرحلة جديدة في الثورة الشعبية. وهو ما جعل من هذا التاريخ الأشهر في أحداث الثورة.
يومها حاول الثوار بعد صلاة تلك الجمعة، اجتياز حاجز إسمنتي وضعته السلطات للحد من تقدمهم خارج ساحة التغيير، فإذا بعاصفة من الرصاص الحي تتجه نحو رؤوسهم ونحورهم وصدورهم من قناصين على أسطح منازل مشرفة على الساحة، أحدها يتبع قيادياً في حزب صالح.
المذهل في مجزرة جمعة الكرامة أن الثوار لم يفروا من الرصاص، بل اتجهوا صوب مطلقيه للقبض عليهم، في شجاعة نادرة، سقط بسببها العديد من الشهداء، قبل أن يتمكن المحتجون من القبض على عدد من مطلقي النيران. وقام شباب الثورة بتسليم المقبوض عليهم إلى قيادة الفرقة أولى مدرع، التي كانت موجودة في المنطقة. وقامت الأخيرة بتسليمهم إلى النائب العام السابق، ثم أطلق سراحهم، ولا يزالون دون أي عقاب إلى اليوم.
أما الرئيس، في ذلك الحين، علي عبد الله صالح، فخرج بعد المجزرة بساعات، ليقول للرأي العام إن أهالي منطقة ساحة التغيير هم من ارتكب المجزرة، لأنهم تضايقوا من خيام الثوار. كان تبرير صالح عذراً أقبح من ذنب. وبعد هذه المجزرة انهالت الاستقالات من صفوف حزب صالح وقيادات في الحكومة والجيش. وبات الناس بعدها يحصون الأيام المتبقية لنظام صالح. لكن رحيل صالح بعد المجزرة بقرابة ثمانية أشهر لم يؤد إلى القصاص من مرتكبيها.
عقب “المجزرة” بأيام، أعلن العشرات من قيادات الدولة العسكرية والمدنية الانشقاق عن النظام وتأييد الثورة، وكان من ضمنهم قائد الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية (حينها)، اللواء علي محسن الأحمر، والذي بانشقاقه وعشرات المسؤولين والقيادات إلى جانبه دخلت الثورة مرحلة جديدة.
الحدث الثاني.. حوار الفرقاء
بعد ثمان سنوات من “مجزرة الكرامة”، وخمس على انطلاق مؤتمر الحوار، يعيش اليمنيون أسوأ أوضاعهم على الإطلاق منذ عقود، فالحرب التي تصاعدت باجتياح “الحوثيين” صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، ثم ببدء العمليات العسكرية لـ”التحالف العربي” المساند للشرعية في مارس/آذار 2015، لا تزال مشتعلة في العديد من المحافظات، ويذهب ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح بوتيرة متفاوتة، وكان أحدثها مجازر مليشيا الحوثي في منطقة حجور بمحافظة حجة التي راح ضحيتها عشرات بينهم نساء واطفال.
بالتعاون مع المخلوع الراحل علي عبد الله صالح، انقلب الحوثيون على مخرجات الحوار الوطني واجتاحوا العاصمة صنعاء وسيطروا على مؤسسات الدولة في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014 وظهر لاحقاً ما عُرف بتحالف الحوثي-صالح.
واعتبر مراقبون هذا التحالف الجديد بداية لتحولات سوداوية في البلاد تجسد أبرزها من خلال الحرب الأوسع المستمرة منذ اربع سنوات دفع صالح رأسه ثمناً لها بع أن تقاطعت المصالح بين المتحالفين واعلن كلا منهما الحرب على الاخر إلا أن مليشيا الحوث كانت قد احكمت سيطرتها حتى على انصار صالح الذي بات في مسرح العمليات معزولاً حتى عن أقرب المقربين له.
ازدادت حدة المواجهات بعد انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ودعمها لقوات الجيش الوطني من اجل تحرير اليمن من واستعادة الدولة من ايادي مليشيا الحوثي المدعومة من ايران التي تسببت بكارثة انسانية لم يشهدها العالم على مر العصور، فعلاوة على اعلانها الحرب على ابناء الشعب اليمني جعلت من المدنيون وقودا لهذه وفرضت التجنيد الاجباري وزجت بالأطفال في اتون حربها العبثية، الحرب بشكل يومي بعدما باتوا الضحايا الأبرز لها على امتداد المحافظات التي لا تزال ساحة للحرب. ومن لم يقتل في معركة الحوثي، يخوض معركة يومية لتأمين قوت يومه بعدما تدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد إلى مستوى غير مسبوق.
إلا أن تداعيات انقلاب الحوثيين لم تتوقف عند هذا الحد. فقد ترافق هذا التدهور في معيشة اليمنيين مع تآكل مؤسسات الدولة اليمنية الموحدة من جهة وتنامي صيرورة التقسيم وتصاعد نفوذ التيار المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله من جهة ثانية، وباتت المناطق التي حررتها قوات الشرعية والتحالف العربي في الجنوب خارجة عن سلطة الدولة وتتحكم بها مليشيات محلية مدعومة من قبل الامارات العربية المتحدة التي تسيطر عبر قواتها الموجودة تحت غطاء التحالف العربي على الموانئ والمطارات والجزر اليمنية وتمنع في الوقت ذاته قيادات الشرعية من العودة الى العاصمة المؤقتة عدن.