بقلم - فتحي بن لزرق
لايحتاج المرء في عدن ان يدرك ان ثمة مشروع ضل طريقه وان ثمة أحلام كبيرة ذوت وتحولت إلى كوابيس والآم تنتشر على طول الطرقات وتتشبع بها الأزقة ..
في طريقي إلى منزلي هذا المساء حاولت جاهدا تجاوز عشرات الشوارع المغلقة والتي تتصاعد منها أدخنة الإطارات التالفة ..
تذكرت ثمة مشهد مماثل حينما خرج الناس ذات يوم رفضا لواقع ظلم مماثل..
يهتف المحتجون غضبا وحنقا ورفضا لهذا الواقع الأليم الذي عاشوه منذ 3 سنوات من اليوم ..
في عدن وحدها استبدل الناس غاصبون بأعتى وظالمون بأظلم وألم بأشد وتحولت الأحلام إلى كوابيس وسالت الدماء على الطرقات بلا حسيب ولا رقيب .
في زمن “ميليشيات عدن” وجنونها يكفي ان تقضي من حياتك عام خلف القضبان لان قياديا في الامن لم يعجبه اسمك أو اصلك أو ان عاهرة ما تشاجرت معك على ركن سيارتك امام منزلك.
ارتدت الميليشيات رداء الدولة ولم تكن كذلك.
وصبغت الغربان باللون الأبيض لكنها قط ولن تكون حمامات سلام ..
مات الناس على طول خطوط كثيرة وكثيرة جدا ، ازدحمت الأحياء بالسجون ، فتحوا واحد وأخر وثالث ورابع واخذوا هذا وذاك وعذبوا هذا وسجنوا هذا وانتهكوا حق هذا وذاك..
صرخ الناس فيهم :” ليس لأجل هذا خرجنا وليس لأجل هذا قاتلنا وليس لأجل هذا رفضنا ..!
وكنا في كل مرة وفي كل لحظة نصرخ :” تسيرون في الطريق الخطأ ياسادة .. لكن لامجيب
يشعل احدهم سيجار ويلتفت إلى من حوله ويقول :” والله إني سحبت أمه كأنه نعجة!!
هل جربت ان تعايش واقعا يعتقل فيه شخص ما لا لشيء بلا تهمة بلا قضية بلا دعوى وبلا ذنب!!.
هل عشت في مدينة تتم فيها مداهمة منزل ويتم إطلاق النار على المنزل ويقتل من يقتل ومن ثم يقال بعد يوم :” أخطأنا في الاسم!!؟
هل جربت ان تقضي عاما كاملا في السجن ثم يرمى بك في قارعة الطريق دون ان يخبرك سجانوك لما اعتقلت ؟
هل جربت ان تفقد عزيزا ضاع في غياهب السجون وانقطعت أخباره وتفقد الامل بعودته الى الابد؟
هل جربت ان تعيش في غابة ، يداهمك مقنعون ليلا ويأخذونك إلى جهة غير معلومة ولا تعود أبدا..
هل جربت ان تعيش في مدينة لايعمل فيها قسم شرطة واحد..؟
هل جربت ان تعيش في مدينة تتحول فيها منطقة كجزيرة العمال إلى سجن كبير وكبير يبتلع العشرات من الناس كل شهر..؟
كل هذه الأشياء حدثت في عدن منذ 3 سنوات مضت حتى فقد الناس الأمل بالأمن أو من يدعون به وصلا ..
ولم تكن حادثة اغتيال “رأفت دمبع” إلا مسمار أخير يدق في نعش أجهزة متهالكة لم تكن ولن تكن على أي صلة بأي شكل من أشكال الدولة ..
كانت أحلام الناس في عدن اكبر ، ذات يوم جلس جنوبيو اليمن في الساحات ورسموا خطوطا عريضة لدولة مأمولة..
جميلة ، بهية مدوا أياديهم ورسموا الخطوط وتوردت فهذه عدالة وهذه مساواة وهذا قانون وهذه حقوق إنسان ..
ولكنهم أفاقوا على واقع هو المرارة في افضع مذاقها..
لم يكن الإنسان ليحتاج شيء من الوعي لكي يفهم المشهد ، ذات يوم حينما جابوا شوارع الناس وفتشوا في الهويات وانتزعوا
مخرجات الكلمات من السن الناس أدركنا ان لادولة في الأرجاء وان ثمة ضوضاء كبيرة وألم لايٌحتمل سيحدث ..
اكتب أحرفي هذه والصرخات تملاء الأماكن في عدن ، لقد خرج الناس وحينما يخرج الناس لن تردهم أي قوة ..
والناس في عدن تحملت مالايتحمله احد وطالبت بدولة ولا شيء غير الدولة وبقانون ولا شيء غير القانون ..
قضية “دمبع” قضية كل المظلومين والمقهورين في مدينة ألف سجن وسجن هذه ..
وإصلاح هذه المنظومة بات مطلب الجميع ..
ومطلب الجميع فلترحل الميليشيات وليتوقف قهر الناس وظلمها ..
وليتوقف هذا الواقع الأسود ..
نريدها دولة وقانون ومحاسبة وانصافا لكل مظلوم ولنبدأ ..
فتحي بن لزرق
4 مارس 2019