نشرت وكالة أسوشيتد برس تحقيقًا حول مجموعة من السجون السرية التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة داخل اليمن، وقد تحدث مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية عن هذا الموضوع للوكالة بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، وأخبروا أسوشيتد برس بأن القوات الأمريكية تشارك في عمليات استجواب المعتقلين في بعض هذه السجون السرية في اليمن، كما أنها تزود محققين آخرين بالأسئلة التي يجب طرحها، وتتلقى أيضا محاضر لجلسات الاستجواب من حلفائها الإماراتيين.
وقد استطاعت أسوشيتد برس أن توثق ما لا يقل عن 18 معتقلًا سريًا في أنحاء جنوب اليمن، تديرها الإمارات العربية المتحدة أو قوات يمنية أسستها ودربتها الدولة الخليجية، وذلك بناء على روايات معتقلين سابقين في هذه السجون، وعائلات المعتقلين، ومحامين مدافعين عن حقوق الإنسان، ومسؤولين عسكريين يمنيين.
حيث يتم إخفاء كل هذه السجون أو إنشاؤها في خارج مناطق نفوذ الحكومة اليمنية، التي تحصل على دعم الإمارات في الحرب الدائرة ضد الحوثيين منذ سنتين.
وبحسب الشهادات المروية في التحقيق فإن القوات الأمريكية تقوم بإرسال أسئلة إلى القوات الإماراتية التي تقوم باحتجاز المعتقلين، ثم تقوم الأخيرة بإرسال ملفات وتسجيلات فيديو تتضمن الأجوبة للجانب الأمريكي، بحسب تأكيدات العميد في الجيش اليمني فرج سالم البهساني، قائد المنطقة العسكرية الثامنة والمتواجد في المكلا، وهي نفس المعلومات التي أكدها أيضا مسؤولون أمريكيون لأسوشيتد برس. كما أكد هذا العميد أن الولايات المتحدة سلمت السلطات اليمنية قائمة بالرجال المطلوبين، وكثيرون من بينهم تم اعتقالهم لاحقًا.
تاريخ مشروع التعذيب بالوكالة
هذه القضية الأخيرة تفتح ملف التعذيب بالوكالة الذي يتم على الأراضي العربية تحت سمع وبصر الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للحكومات العربية منذ زمن طويل.
كشف تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي، العام الماضي، أن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، لم يعلم بأمر تقنيات التعذيب التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي ايه”، في استجواب موقوفين في قضايا إرهابية إلا في أبريل 2006، أي بعد 4 سنوات من بدئها.
وبحسب الوثائق، فإن وكالة الاستخبارات المركزية لم تبلغ الرئيس جورج بوش إلا في 8 أبريل 2006، بأمر هذا البرنامج السري الذي طبقته الوكالة على 119 متهمًا بالإرهاب اعتقلتهم في “مواقع سوداء”، وهي سجون سرية أقيمت في دول أخرى لم يتم تحديدها، ولكنها تشمل على ما يبدو تايلاند وأفغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا.
ولكن الأبرز هنا أن التقرير كشف عدة دول عربية تورطت في القيام بعمليات تعذيب بالوكالة من بينها مصر ووسط 525 صفحة، أفرجت عنها اللجنة، من التقرير الذي يحتوي على نحو 6 آلاف صفحة، أثبتت اللجنة تورط مصادر خارجية في “تعذيب بالوكالة” عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مراكز احتجاز سرية.
وذكر التقرير أسماء دول عربية عديدة، بعضها كان حليفا لأمريكا في ذلك الوقت، وبعضها كان يجاهره العداء، حيث وجدت أسماء كل من “سوريا”، و”مصر”، و”الأردن”، و”المغرب“، و”ليبيا”
وأدرج التقرير تلك الدول تحت ما أسماه دول تلقت ما يطلق عليه “التسليم الاستثنائي” للسجناء من قبل الولايات المتحدة، ضمن برنامج الاحتجاز والاستجواب، ليتم انتزاع اعترافات منهم في أماكن احتجاز سرية تابعة لتلك الدول، التي تشرف على عملية انتزاع المعلومات القسرية منهم.
يثير التساؤل أمر اختيار الولايات المتحدة لدول عربية بعينها لتنفيذ مهمة التعذيب والاستجواب، إذ تعمدت “سي آي أيه” إرسال السجناء إلى الدول المذكورة، بسبب قواعدها الصارمة في معاملة السجناء، ومعرفة بأساليب التعذيب الأكثر إيلاما للسجناء، الذي قد ينتمي بعض منهم لتلك الدول، وهو ما أسماه التقرير “الاستعانة بمصادر خارجية من الأساس للتعذيب”.
استشهد التقرير بعدة أمثلة، على رأسها “ماهر عرار”، وهو مواطن كندي من أصل سوري، واعتقلته السلطات الأمريكية في نيويورك عام 2002، وأرسلته إلى سوريا، بسبب الاشتباه في صلاته بتنظيم القاعدة، وتعرض هناك لنحو 10 أشهر للضرب والجلد والصعق بالأسلاك الكهربائية بصورة منتظمة.
وقال عرار إن الأسئلة التي طرحت عليه في دمشق، هي ذاتها التي كانت تطرح عليه في نيويورك، وهو ما يعني أن هناك اتفاقا بين وكالة الاستخبارات والسلطات في دمشق، والتي كانت السياسة في العلن تفرقهما، ولكن التعذيب على ما يبدو والحسابات الخاصة والسرية جمعتهما.
يذكر أنه تعرض كتاب ومحللون أمريكيون كثر إلى مبدأ “الاستعانة بمصادر خارجية للتعذيب”، حيث سبق ونشر “جين ماير” تقريرا في 2005 بمجلة “نيويوركر” الأمريكية تطرّق فيه لعمليات الترحيل السري القسري للسجناء، وأكد أنها تتم دوما إلى مصر والمغرب والأردن وسوريا.
وبالعودة إلى التقرير، فتطرق أيضا إلى مثال آخر على “التعذيب بالوكالة”، وكان في تلك المرة بمصر، في الوقت الذي كان يحكم فيه البلاد حسني مبارك، وكان على علاقة قوية بأمريكا.
ويشار إلى أن أحد أبرز الذين تم ترحيلهم إلى مصر للتعذيب، هو من يطلق عليه “ابن الشيخ الليبي” أو “علي محمد عبد العزيز الفاخري”، الذي ألقي القبض عليه في أفغانستان عام 2001، وتم ترحيل الليبي من قِبل وكالة الاستخبارات المركزية إلى مصر، حيث عكف المحققون على تعذيبه، بعمليات “الدفن الوهمي” وغيرها من تقنيات وأساليب التعذيب المبتكرة، حتى قدم لهم اعترافا زائفا بأن العراق والرئيس صدام حسين منح تنظيم القاعدة تدريبا على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
وقد استخدم وزير الخارجية الأمريكي كولن باول هذا الادعاء الزائف في خطابه أمام الأمم المتحدة فبراير عام 2003، لتبرير غزو الولايات المتحدة للعراق، وفي النهاية توفي الرجل في سجن ليبي عام 2009، بعدما تم نقله إلى هناك، وبعد وقت قصير من مقابلة أجراها معه فريق من منظمة هيومن رايتس ووتش هناك.
وتكشف التقارير ما هو أبعد من ذلك، أيضا، حيث تؤكد أن الولايات المتحدة بدأت في إرسال المشتبه بهم في ضلوعهم بالإرهاب إلى مصر منذ عام 1995 في عهد الرئيس بيل كلينتون، ومصر قبلت ذلك، لأنه بالنسبة لها جزء لا يتجزأ من برنامجها للوصول إلى المشتبه في ارتباطهم بتنظيم القاعدة خوفا من استهداف القاهرة بأي عمليات إرهابية جديدة.
توسع التعذيب بالوكالة بعد أحداث 11 سبتمبر
تم توسيع نطاق تلك العمليات في أعقاب استهداف برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، واعترف رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف في عام 2005 أن هناك ما بين 60 إلى 70 شخصا تم إرسالهم إلى مصر، من أصل ما يقدر بـ100 أو 150 معتقلا، بعثت بهم وكالة الاستخبارات المركزية إلى ليبيا، حيث العقيد معمر القذافي، وسوريا والأردن والمغرب
وقالت مجلة “التايم” الأمريكية، إن تقرير الكونجرس يسير على نفس درب تقرير سابق أصدرته مؤسسة “المجتمع المفتوح the Open Society Foundations” عام 2013، والذي رصد حالات مشابهة للتي ذكرت في التقرير.
ومن ضمن تلك الحالات، كانت لمواطن أسترالي يدعى “ممدوح حبيب” تم إلقاء القبض عليه في باكستان، وأرسل إلى مصر ليتم استجوابه وتعذيبه وانتزاع الاعترافات منه.
أما حبيب فقال لصحيفة “سيدني مورنينج هيرال” الأسترالية، إن “هذا التقرير يكشف أني شخص صادق وما أقوله هو الحق وتعرضت للظلم الكبير عند القبض علي وتعذيبي
وأكد حبيب أنه يجاهد من أجل مقاضاة الحكومتين المصرية والأمريكية والباكستانية أيضا؛ لأنها وافقته على ترحيله والقبض عليه، قبل أن يتم ترحيله إلى مصر، حيث تم تعذيبه، ومن ثم رحل إلى معتقل جوانتانامو قبل أن يفرج عنه عام 2005
عدة دول عربية تورطت في القيام بعمليات تعذيب بالوكالة من بينها مصر ووسط 525 صفحة، أفرجت عنها اللجنة، من التقرير الذي يحتوي على نحو 6 آلاف صفحة، أثبتت اللجنة تورط مصادر خارجية في “تعذيب بالوكالة” عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مراكز احتجاز سرية.
لكن حبيب قال إنه بعد التقرير الجديد الصادر، فإن لديه فرصة بأن يرفع قضية ضد حكومة الولايات المتحدة، ويتمنى أن تقف حكومة أستراليا إلى جانبه في هذا الأمر.
وقد ذكر التقرير مشاركة 13 حكومة عربية في عمليات الاعتقال السرية والتسليم الاستثنائي لحساب “سي آي أيه”، والتي لم يذكر التقرير الصادر التفاصيل الكاملة لتلك المشاركات العربية والعالمية –البالغ عددها 54 حكومة- في عمليات التسليم والاعتقال لحساب الوكالة، نظرًا لأن معظم التفاصيل ظلت في منطقة سرية جدًّا.