بقلم - نظام الهداوي
حين ثار المصريون للإطاحة بالرئيس مبارك، كانت الطائرة الوحيدة التي تحوم بالسماء هي طائرة إماراتية تقل وزير الخارجية عبدالله بن زايد (العيل كما وصفه عبدالله النفيسي) ساعياً للقائه. ولم يتوقف الكثيرون وقتذاك عند هذه الزيارة الغريبة لرئيس انتفض ملايين المصريين للإطاحة به وكانوا لا يزالون يفترشون الشوارع.
قد تكون تلك شرارة الثورة المضادة التي اشعلها أبناء زايد ضد تطلعات الشعوب للتحرر من الطغيان سعيا وراء العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد ونشر الحريات.
لكن ما الذي أوجع الإمارات؟
كان البعض يتندر بان الدولة الأخيرة التي قد تلحق بها الثورات هي الإمارات. فما حاجة شعبها المرفه للثورة!
وتلك حقيقة اعتقد بها الكثيرون، إلى ان بدأت حملة اعتقالات طالت عشرات الإماراتيين وهم بالمناسبة من نخبة رجال الإمارات منهم المحامي البارز عالميا والمدافع عن حقوق الإنسان ومنهم خبير اقتصادي عالمي ومنهم أيضا شيخ من العائلة الحاكمة “القاسمي”. وكان هؤلاء جميعا محل فخر وتكريم دولتهم وربما هذا ما شجعهم على توجيه رسالة إلى رئيس البلاد المغيب أو الذي أطيح فيه خليفة بن زايد تطالبه بالإصلاح.
وكادت “وطن” أن تكون الصحيفة الوحيدة التي أفردت تغطية واسعة لحملة الإعتقالات لتحاكم بعدها بتهمة مساعدة ودعم الإماراتيين المعتقلين بمحاولة الإنقلاب على الحكم!
وكانت “وطن” وقتذاك تتلقى الهجوم من السلطات الإماراتية من جهة وانتقادات الكثيرين بأننا نستهدف الإمارات لأسباب خاصة “لم يكن وقتها قد أطيح بالإخوان” ولم يكن سهلاً في البداية أن نقنع البعض بان الإمارات هي رأس حربة الثورات المضادة واننا انتبهنا قبل غيرنا انها دخلت في الفلك الصهيوني واصبحت عاصمة المؤامرات وملتقى الأمنيين والجواسيس ورموز الأنظمة الساقطة أو الدولة العميقة وأسر الطغاة والمجرمين. من محمد دحلان وأحمد شفيق وأحمد علي عبدالله صالح مرورا بأقرباء بشار الأسد ووصولا لضباط كبار في استخبارات الأنظمة السابقة في ليبيا وتونس.
واتضحت بعد ذلك الأدوار!
وكان اول ظهور علني حين نشر (العيل) عبدالله بن زايد صورته يتوسط منظمي حركة “تمرد” التي ساهمت في صنع مسرحية الخروج للإطاحة بأول رئيس منتخب ولم تكن هنا المصيبة بل كانت حين طلب الجيش من الشعب أن يخرج يناشده العودة إلى الحكم تحت زعم محاربة الإرهاب!
كانت كل هذه المخططات تجرى في أبوظبي بما فيها تحريض ودعم ومساندة مجزرة فض متظاهري رابعة والنهضة.
لكن ما الذي أوجع الإمارات؟
فان ثار الإماراتيون ضاعوا بين جيوش الوافدين وهم أقلية لا تكاد ترى قبل أن تلهب جلودهم سياط المرتزقة النيباليين الذي يسومون معتقلي الإمارات سوء العذاب حسب منظمات حقوقية.
ومن تم اعتقالهم بسبب انتمائهم لجمعية الإصلاح، وهي بالمناسبة مرخصة وكان أحد مناصريها والد حاكم دبي الحالي وقد أهداها مقراً في إمارته افتتحه بنفسه، هؤلاء تجاوز اغلبهم الستين من العمر فهل سمعتم عن انقلابات الشيوخ والعجائز من قبل أو شهدت عاصمة في العالم انقلابات من خارج الجيش أو القصر؟
لم تهدد ثورات العرب أبناء زايد فلماذا أوجعتهم أحلام ناس ينظرون لمستقبل أفضل لأولادهم دون قمع واعتقال وغياب العدالة وسرقة الثروات؟
في ظل توغل أبناء زايد في الثورات المضادة والاف ١٦ التي تضرب في ليبيا واليمن وسوريا والعراق كان هناك تقارب حميم بين أبوظبي وإسرائيل وكان عراب التقارب هو القيادي “الفتحاوي” الفاد والهارب محمد دحلان صاحب صفقة سفينة الأسلحة الإسرائيلية التي كانت متجهة إلى معمر القذافي قبل اغتياله.
كان هناك منذ انطلاق شرارة الثورات العربية من يزرع في رأس محمد بن زايد (الذي لم ينه الإبتدائية) ان ضمان عرشه هو إسرائيل وعدو عرشه هم الإسلاميون بل الإسلام كله وعدو عرشه أيضاً الديمقراطية وهي كمرض السرطان ينخر في عروش السلاطين حتى يسقطهم.
ومنذ اندلاع الثورات العربية وكل النتائج لصالح إسرائيل.
ومنذ اندلاعها أيضا لم تترك أبوظبي مطرحا.
دعمت الجنرال خليفة حفتر وسلحت ميليشيات واشعلت حربا أهلية وقصفت ليبيا بحجة القضاء على الإسلاميين.
دخلت حرب اليمن وهدفها تقسيمه والقضاء على الإسلاميين ومن ثم نسليم العرش للمخلوع علي صالح عبر ابنه أحمد المقيم على مرمى حجر من قصر محمد بن زايد. وتحايلت على السعودية التي ذهبت تحارب الحوثيين بعد ان ضمت محمد بن سلمان إلى صفها.
وفي فلسطين المنسية عند العرب قطعت ما تعهدت به من المخصصات المالية لدعم السلطة الفلسطينية وحولت الملايين إلى دحلان كي يشتري بها الذمم ويعود لتشييع القضية الفلسطينية إلى مثواها الأخير. تاجرت في أراض بالقدس لصالح الصهاينة. بعثت طواقم الإسعاف كي تتجسس على المقاومة في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة وضغطت وتآمرت مع السيسي على عودة دحلان لكنها فشلت.
ومثلما كانت المنفذ المالي الذي انقذ ملالي طهران من السقوط اثناء الحصار الدولي اصبحت كذلك للنظام السوري وكاد بشار الأسد أن ينطق إسم الإمارات حين اشار ان هناك دولة خليجية تدعمنا بالسر وتعادينا بالعلن.
لم يتركوا مطرحاً.
و”العيال كبرت” على رأي النفيسي فلا عجب ولا عجاب. والعيال تربوا بالحضن الصهيوني ضامن العروش أكثر من البيت الأبيض. فان رضيت تل أبيب باركت واشنطن. وليس العكس ضرورياً.
وكيف لا ترضى تل أبيب وشركاتها تحمي آبار نفط الإمارات ومواطنوها يدخلونها آمنين سالمين والتنسيق الأمني والتبادل المعلوماتي والتخطيط للمنطقة تحت ظل قيادة واحدة.. فرعين لصهيونية واحدة.
المثير للبؤس ان الصهاينة يتحدثون عن تطبيع العلاقات وكأنهم لا يصدقون هذه السرعة أو الحميمية أو القرار المفاجيء بخلع اقنعة شعارات حل القضية الفلسطينية التي دامت أكثر من نصف قرن. فيما العرب يصدقون كثيرا بلا دهشة. فما عاد أي شيء يدهشهم وقد أوغل عيال ابناء زايد في دمائهم وأوطانهم وأحلامهم واصبحوا زعماء الأمة المتصهينيين.
اي أمة؟!!