عمدت دولة الإمارات منذ تحرير عدن من قبضة الانقلابيين في منتصف العام 2015 إلى إخراج قادة المقاومة الشعبية إلى خارج البلاد ومنعهم من العودة وفي المقدمة نايف البكري أبرز قيادات التحرير في عدن والشيخ حمود المخلافي أبرز قيادات المقاومة في تعز.
أمّا القياديون على غرار الشيخ الحسن أبكر قائد المقاومة وتحرير الجوف فقد تم إدراجهم ضمن قائمة وزارة الخزانة الأمريكية المشتبه بهم بالإرهاب في حين يتهم مراقبون الإمارات بالوقوف وراء هذا الملف لتكبيل قيادات المقاومة الفاعلة.
ورغم أن الدوافع بدت واضحة منذ البداية نحو تحجيم الدور البارز للإسلام السياسي وقياداته وأنصاره الذين يشكلون العمود الفقري للمقاومة الشعبية المناهضة للانقلاب والداعمة لاستعادة الدولة ومؤسساتها فإنها تأكدت أكثر بعد مقتل الرئيس المخلوع علي صالح على يد الحوثيين حلفائه في الانقلاب ونجاح نجل شقيقه طارق بالفرار من قبضتهم.
الدفع بعائلة صالح:
ومؤخراً دفعت الإمارات بطارق صالح إلى الواجهة مجدداً مدعوماً بمختلف الآليات لقيادة معركة الساحل الغربي في تعز والحديدة وإعادة صناعته وتقديمه بمظهر البطل المحرر بعدما كان إلى ما قبل ديسمبر يقاتل الشرعية والتحالف ويشرف على مليشيات الانقلاب وقناصيها الذين ارتكبوا جرائم بحق المدنيين في تعز وعموم المحافظات.
اللعبة والأجندة الإماراتيتان لم تمرا يمنياً بهدوء فرغم أن الحكومة الشرعية مكبلة ومقيدة بالتحالف فإن الشارع اليمني خرج للعلن وعبر عن رفضه لهذا المخطط الرامي لوأد ثورة فبراير وإعادة العائلة التي ثار عليها اليمنيون في العام 2011.
فتعز نبض الثورة اليمنية كما توصف خرج فيها الآلاف معظمهم من أسر الشهداء والجرحى في تظاهرات السبت (14 أبريل 2018) في المدينة وعدد من المديريات ترفض إخضاع تعز لسيطرة القوات العسكرية التي يقودها “طارق صالح” بدعم إماراتي كبير.
رسالة واضحة من تعز:
يقول المحلل السياسي اليمني مصعب أحمد إن التظاهرات التي شهدتها تعز تعد رسالة واضحة للتحالف العربي والسعودية تحديداً لكونها المعني الأول بإيقاف سياسات الإمارات وهي أن تعز ليست كأي محافظة جنوبية ففيها قوة سياسية وعسكرية من أبنائها ومجتمع واع وناضج.
كما أن للمدينة خصومة تاريخية مع نظام صالح وقواته التي نكلت بالمدينة وسكانها إبان الثورة الشعبية 2011 وأثناء انقلاب جماعة الحوثي ويصعب على أبناء تعز تقبل مشروع سياسي وعسكري يعيد خصمهم اللدود.
وفي حديث لـ”الخليج أونلاين” أوضح أنه يجب على التحالف عدم الضغط باتجاه فرض قوة عسكرية معينة من خارج تعز لأنها ستفتح مرحلة من الصراع العسكري داخل المحافظة قد تحرج التحالف والحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي.
وأضاف المحلل السياسي اليمني: “إذا أراد التحالف تحرير تعز حقاً فعليه دعم الألوية العسكرية الكبيرة التابعة للجيش الوطني دون التفكير بخصومات الإمارات مع حزب الإصلاح فحزب الإصلاح كل قيادته في السعودية كما أن تركيبة الحزب وأيدولوجيته لا تشكل خطراً على السعودية خصوصاً والخليج بشكل عام ومن هنا لا خشية من توسع نفوذه”.
إجهاض ثورة فبراير:
وتابع: “إن كان التحالف أو الإمارات مصممين على استخدام قوات طارق ضمن العمليات العسكرية فعليهم الدفع به نحو إب وذمار نحو صنعاء المعقل الرئيس والحاضنة الكبرى عبر مديرية الجراحي من الطريق الذي يربط محافظة الحديدة الساحلية بمحافظة إب وصعوداً نحو ذمار وصنعاء”.
أما مدير مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد فاعتبر أن المعسكر الذي يُعد لطارق صالح في تعز هدفه إسقاط تعز والمعسكر الذي يعد له في شبوة هدفه إسقاط مأرب وأن طارق يُعد لاستكمال سيناريو إجهاض الثورة لا لمحاربة الحوثيين.
وفي منشور له على فيسبوك أكد أنه “يمكن القبول بطارق صالح في حال اعترف بالشرعية أولاً ثم دفع بقواته إلى المناطق غير المحررة بعيداً عن تعز تجنباً لأي احتكاك خاصة أن هناك اتهامات له ولقواته بالإشراف على عمليات عسكرية سابقة أثناء تحالفهم مع الحوثي أدت إلى مقتل الكثير من أبناء تعز”.
سقطرى في طريق الخلاص:
بالتزامن مع أزمة الإمارات في تعز حيث الرفض الشعبي الكبير لخطواتها المتمثلة بقوات طارق أو تشكيل حزام أمني على غرار المحافظات الجنوبية تواجه أبوظبي مأزقاً في سقطرى حيث عين الرئيس هادي محافظاً جديداً ومسؤولين بدلاً عن آخرين كانوا يوالون الإمارات ومكنوها من السيطرة على الجزيرة.
ولاقت قرارات الرئيس هادي ترحيباً في الشارع السقطري لكونها جاءت بعد أيام من تجمعات احتجاجية لأبناء الجزيرة ترفض ممارسات أبوظبي في الأرخبيل.
واستغلت الإمارات مشاركتها في التحالف لتسيطر من خلال قوات أمنية وعسكرية دربتها (لا تمتثل للحكومة اليمنية الشرعية) على جزيرة سقطرى وتصرفت عبر موالين لها بأراض في الجزيرة لمصلحة رجال أعمال إماراتيين.
رفض يمني موازٍ:
الرفض اليمني لممارسات الإمارات التي لم تلتزم بأهداف التحالف المعلنة أصبح يسير في اتجاهين متوازيين فالحراك الشعبي المتزايد تصاحبه مواقف رسمية متصاعدة وصلت إلى مستوى وزير الخارجية عبد الملك المخلافي الذي اعترف بوجود إشكاليات وتباينات مع الإمارات والتحالف العربي (بقيادة السعودية) وأن الحكومة ستدخل في حوار واسع مع التحالف لتصحيح الاختلالات والتباينات من أجل الوصول لصيغة تتناسب مع دوره في دعم الشرعية.
موقف المخلافي سبقه مواقف لوزراء الخدمة المدنية والداخلية والدولة جميعها انتقدت دور الإمارات والتحالف في تأخير تحرير تعز ومنع الرئيس من العودة إلى عدن ودعم المليشيات الانفصالية والتعامل بعلاقة تبعية لا بعلاقة شراكة.
ويخوض التحالف الذي تقوده السعودية حرباً في اليمن بأهداف معلنة هي دعم السلطة الشرعية في استعادة الدولة من مليشيا الحوثي التي نفذت انقلاباً مسلحاً على السلطة في أواخر العام 2014 بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي صالح والحفاظ على وحدة اليمن واستئناف العملية السياسية وفقاً لمرجعيات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية والقرار الأممي 2216.