وقف رئيس السلطة محمود عباس وحيدًا على حلبة المصارعة في مواجهة مصارع البيت الأبيض دونالد ترامب، متجردًا من كل أوراق القوة التي تمكنه من فرض رؤيته أو طرح مطالبه السياسية، وخالعًا عن نفسه رداء الاجماع الوطني الذي أفقده التمثيل السياسي للقضية الفلسطينية.
وقد خلت أرجاء البيت الأبيض من صدى أصوات المعلقين والمحللين وتغطية وسائل الإعلام الأميركية لزيارة عباس لواشنطن، وطغى صدى هتافات الجماهير التي احتشدت في ميادين غزة المطالبة برحيله، وصوت اليميني الأبيض المتشدد وقد ضمن خضوعه مسبقًا قبل قدومه مصطحبًا أوراق الطاعة.
ورغم الجبلة التي أثارتها السلطة حول أهمية الزيارة، إلا أنها عمليًا لم تحظ على أي اهتمام شعبي من الجالية الفلسطينية أو حتى من المتضامنين الأجانب كما لم يعرها المستوى الإعلامي او السياسي ادنى أهمية، مقارنة بما جرى مع زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ورؤساء دول أخرى زاروا واشنطن مؤخرًا.
ويؤكد أيمن نجم المدير التنفيذي لمؤسسة” Common group” بوسطن بالولايات المتحدة، أنّ الزيارة لم تحظ على أدنى اهتمام أو عناية في الشارع الأمريكي أو المؤسسات الإعلامية الامريكية، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي تركيز من طرف المتضامنين أو الجالية هناك.
ويقول نجم لـ”الرسالة” من واشنطن، إن الزيارة لن تأتي بجديد للرئيس الفلسطيني، وافتقرت للتركيز التي حظيت عليه زيارات الرؤساء الآخرين.
الفنان الفلسطيني فضل أيوب يضيف على نجم، أن الرئيس يصفق وحده في زيارته للولايات المتحدة، إلى جوار جوقته المعروفة والمعينة من طرفه في رئاسة الجالية الفلسطينية، ولا يتجاوز عددهم سبعة أشخاص.
وذكر أيوب لـ”الرسالة” أن الإعلام الأمريكي لم يتطرق البتة لهذه الزيارة وكأنها لم تتم، “وبدا وأن الرئيس يرقص وحده في عتمة البيت الأبيض”.
وترافقت زيارة الرئيس عباس التي تجاهلها الإعلام الأمريكي مع نشر شبكة cnn الامريكية مقابلة مع رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، وهي المرة الأولى بعد نشر الحركة وثيقتها السياسية.
الرئيس الفلسطيني اتجه الى البيت الأبيض خاوي اليدين، بانتظار الاستماع لادارة أمريكية اخبرته مسبقًا بأنه لا يوجد لديها أي خطة او رؤية للتعامل مع العملية السلمية، كما قال سفيره في واشنطن حسام زملط.
وقال زملط في تصريح خاص بـ”الرسالة”: “المبعوث الأميركي أكدّ للرئيس عباس ان الإدارة الامريكية في مرحلة استطلاع الموقف والتعرف وتقديم الرؤية حول القضية الفلسطينية، وهي لا تملك خطة أو إطارًا او آلية معينة، كما لا يوجد لديها شروط مسبقة”.
وأكدّ زملط في حوار خاص بـ”العرب بوست” أن الأساس في أي عملية سياسية قادمة هو تبني خيار الدولتين، وأن تكون برعاية أمريكية ودولية مشتركة.
ويؤكد حسام شاكر الباحث والمختص في الشؤون الأوروبية والدولية، أن وسائل الاعلام الامريكية لا تلتفت لهذه الزيارة ولا تضعها في الصدارة، مشيرا الى انه يجري العناية بها حال تضمنت مواقف حادة كما جرى مع عرفات اثناء زيارته لنيويورك مصطحبا مسدسه.
وقال شاكر لـ”الرسالة” إن الزيارة لا تلقى اكتراثًا من المستويات المختلفة في واشنطن، لأن الرئيس لا يملك أوراقًا رسمية من شأنها أن تحرك المياه في المشهد، مشيرًا إلى وجود مفارقة في الاهتمام الكبير الذي حظيت به الزعمات الأخرى التي زارت واشنطن عكس زيارة عباس.
وأوضح أن عباس ذهب متجردًا من أوراق القوة، في ظل تظاهر أبناء شعبه ضده، رغم محاولته استرضاء الجانب الأمريكي في محاولة للحصول على أوراق اعتماد لدى الإدارة الجديدة.
وأضاف: “الكل يرى أن الإدارات الامريكية المتعاقبة لم تلقي أي نظرة اعتبارية لقيادة السلطة، لأنها أفرغت من مضمونها، وأصبحت اليوم في أضعف أحوالها”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد هدد بإجراءات غير مسبوقة ضد قطاع غزة، عقب إعلان حركة “حماس” عن تشكيل لجنة إدارية لإدارة شؤون وزارات غزة.
وبدأت هذه الإجراءات بخصم رواتب موظفي السلطة في غزة بنسب تفاوتت بين 30- 50%، ثم أعقبها سلسلة قرارات من قبيل فرض ضرائب على وقود الطاقة وتوقف توريد المياه للقطاع.