الخطاب السلفي «المدخلي» في اليمن.. تعارضات سياسية وتوظيفات خارجية (دراسة(

محرر 31 نوفمبر 2017
الخطاب السلفي «المدخلي» في اليمن.. تعارضات سياسية وتوظيفات خارجية (دراسة(

عدن نيوز – متابعات

د. أحمد محمد الدغشي*

مقدمة:

تنتسب السلفية المدخلية (الجامية) في اليمن إلى الشيخ ربيع المدخلي على الرغم من تسويقها أحيانًا تحت عنوان (الجامية) نسبة إلى الشيخ محمد بن أمان الجامي.

وفي اليمن يمثِّل الشيخ الراحل، مقبل الوادعي، ومن بعده يحيى الحجوري، ثم هاني بن بريك وأبو العباس عادل فارع، أهم الشخصيات ذات التأثير والحضور في المشهد السياسي والعسكري الراهن.

ويُلاحَظ أن هناك تحولات طرأت على الخطاب المدخلي فيما يتصل بأهم مرتكز يميِّز هذا الفصيل نسبيًّا عن غيره من الفصائل التقليدية، وذلك فيما يتصل بطاعة ولي الأمر، وتحريم كل مظاهر الاحتجاج السلمية ناهيك عن العنيفة، غير أنه تبيَّن أن ذلك لم يطَّرد في كل حين ومع كل أحد؛ فالشيخ الحجوري -مثلًا- يدعو إلى الثورة على دولة قطر، ولا يخفي ولاءه للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، كما لا يُبدي من الولاء للرئيس الشرعي الجديد عبد ربه منصور هادي ما ينسجم مع تلك المسلَّمات.

وقل مثل ذلك عن تلميذيه: ابن بريك وأبي العباس، اللذين اشتُهر ارتباطهما بمشروع دولة الإمارات العربية المتحدة وأجندتها، في إطار خصومتها مع ثورات الربيع العربي

فما سياقات نشأة هذا التيار في اليمن ومميزاته؟ وكيف تفاعل مع التحولات السياسية التي شهدتها البلاد؟ وما مواقعه وأدواره في الحرب اليمنية؟

النشأة والتفرعات:

يتسم التيار السلفي في اليمن وخارجها بفسيفسائيات معقَّدة قَلَّ أن يوجد لها نظير بين الجماعات الإسلامية المعاصرة الأخرى.

ومنذ عام 1990-1991، برز ما غدا يُعرف لاحقًا في المملكة العربية السعودية وخارجها بالفصيل المدخلي، أو الذي يُسوَّق غالبًا باسم (الجامي) نسبة إلى الشيخ محمد بن أمان بن علي الجامي (1930-1995) ذي الأصل الإثيوبي.

وَفَد الجامي إلى السعودية عبر الصومال واليمن للحج سنة 1949 واستقر فيها، ثم عمل مدرسًا بالمعهد العلمي في صامطة بمنطقة جازان، قبل أن ينتقل للتدريس في الجامعة الإسلامية والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.

ومن أبرز تلامذته على مستوى الداخل السعودي الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي أثنى عليه ومدح عقيدته وفقهه، أما على مستوى الخارج فالشيخ مقبل بن هادي الوادعي (اليماني).

ورغم أن للشيخ الجامي مؤلفات تقليدية محدودة منشورة لا تزيد عن تسعة كتب، كلها ذات طبيعة مألوفة في مثل بيئته العلمية والدعوية تلك، أيًّا ما كانت حدتها، لكن ما يلفت نظر الزائر لموقعه (الإلكتروني) بعد وفاته بنحو 23 سنة تصدُّر صفحته الرئيسة مثل هذه العناوين: (رحلة الإخوان المسلمين فاشلة- هل دعوة حسن البنا أخرجت الشباب من دور الملاهي والسينما؟).

من هنا، وبالنظر إلى ملابسات استعمال الدعوات وتوظيف سمعة أصحابها في الصراعات السياسية، فإن من المرجح أن عنوان (الجامية) ليس إلا تسويقًا إعلاميًّا، اتخذ من الشيخ الجامي واجهة عامة مزدوجة، أو أداة في الجدل الراهن، تساعد الطرفين المتناقضين على تسويق فكرتيهما أو (مع وضد) في آن، حيث تسهم بالنسبة للموافقين على بعض أفكاره أو الموظِّفين لها، مثل انتقاده للإخوان المسلمين، في التخفيف من تحمل عبء التبعات المترتبة على مثل تلك الأفكار التي ينظر إليها كثيرون بوصفها ناشزة مستفزة للسائد في الإطار الدعوي العام، بما في ذلك الإطار السلفي بشقيه التجديدي والتقليدي غير المسيس، كما تسهم كذلك من وجهة نظر المختلفين معها في إمكانية توجيه النقد الحاد لها؛ لأن الجامي ليس سعوديًّا بالأصل، بعيدًا عن التبعات التي تلحقهم فيما لو كان ذلك النقد موجهًا -ولا سيما من جنسيات غير سعودية في الداخل السعودي الجغرافي- نحو شخصية (سعودية) تحمل سمات المواطنة الأصلية مثل المدخلي، وربما الوجاهة الاجتماعية و(التقديس) لدى الأتباع.

ولهذا، فإن الأرجح أن الشيخ ربيع بن هادي المدخلي هو الشخصية الأولى الأساس المسؤولة عن مجمل الأفكار المنسوبة إلى الجامي، وذلك في ضوء الواقع القائم وتتبع مسار الشخصيتين كلتيهما.

وعلى ذلك فسيتبنى صاحب هذا التقرير مصطلح المدخلية بوصفه الأساس.

أما في اليمن، فقد تبنَّى جملة تلك الأفكار الشيخ الراحل، مقبل بن هادي الوادعي (ت: 2001)، الذي تمت الإشارة إلى أنه أحد أبرز تلامذة الشيخ الجامي، كما أنه أحد أبرز أقران المدخلي وخلانه.

وفي هذا، تحكي زوج الشيخ الوادعي، أم سلمة السلفية -التي كانت مرافقة للشيخ في رحلته العلاجية إلى السعودية- لحظة لقاء الشيخ الوادعي بالشيخ المدخلي أثناء قدوم الأول للعلاج في المملكة، عام 2000، بقولها: “ثم توافد إليه الزوار، وخرج إليهم في العصر، وكان على رأسهم الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، التقى بالشيخ -حفظهما الله- وجلس معه، وعزمه عنده على الغداء، وقد بقيا في لقاء متواصل بينهما طيلة بقائنا في جدة ومكة، يأتي إلى الشيخ -حفظه الله- ويذهب إليه الشيخ -حفظه الله- إلى مكتبته، جلس معه جلسات علمية ممتعة، كان يرتاح الشيخ جدًّا بلقائه ومجالسته، ومما أنشداه في أول لقاء لهما:

وقد يجمع الله بين الشتيتين بعد ما**يظنان كل الظن أن لا تلاقيا“.

الفصيل المدخلي: الموقع والدور السياسي والعسكري:

بعد رحيل الشيخ الوادعي، مؤسس السلفية العامة في اليمن وفصيلها المدخلي بوجه أخص، فقد حملها من بعده تلامذته الذين انقسموا إلى ثلاثة فصائل رئيسة: الأول، ويمثِّله الشيخ يحيي الحجوري ومعه بعض المراكز في العاصمة صنعاء بوجه أخص.

وقد ظل ممسكًا بالمركز الرئيس في دماج كخليفة موصى به من قبل الشيخ الوادعي إلى حين تم تهجيره مع طلبته قسرًا من قبل الحوثيين أواخر 2013 ومطلع 2014.

والثاني: ويمثله أبو الحسن السليماني المأربي (ذو الأصل المصري)، وقد انفصل عن الفصيل المدخلي -على نحو شبه رسمي- منذ ثورة فبراير/شباط 2011؛ حيث أعلن مناصرته العامة لها.

أما الثالث فيشمل عددًا من الرموز المدخلية أبرزهم محمد الإمام الريمي ومحمد عبد الوهاب الوصابي (ت: 2015)، وعبد الرحمن العدني (ت: 2016)، وعبد العزيز البرعي، الذين شكَّلوا أشبه بالجبهة المتحدة في وجه الحجوري لعوامل شخصية ومكاسب غير ذات صلة بتبني جملة الأفكار (المدخلية)، وإن زعمت أحيانًا مثل ذلك.

وفيما رضخ بعضهم لسلطة الأمر الواقع الحوثية، فقد هاجر بعضهم إلى العربية السعودية وقضى هناك، مثل الشيخ الوصابي، فيما اغتيل بعضهم من جماعات مسلحة في بلده، اليمن، مثل الشيخ العدني.

وتجدر الإشارة إلى أن الحجوري يقيم في أراضي المملكة منذ تهجيره من دماج، مع أنه غدا فاقدًا للمشروعية (المدخلية) على خلفية ذلك الخلاف بينه وبين أقرانه الذين حظوا بمباركة المدخلي وإقناعه بانحراف خط الحجوري عن منهج أهل السنة، وهذا ما تجده ظاهرًا في الصفحة الرئيسة على الموقع الإلكتروني للشيخ المدخلي، مع أن الحجوري لايزال في الخط الفكري المدخلي يسير نظريًّا وعمليًّا.

وبسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول2014، وزحفهم منها نحو المحافظات الأخرى في الجزء الجنوبي الغربي لليمن (تعز) وجنوبه (عدن والمحافظات الجنوبية)، برزت في سياق تحولات المشروع المدخلي، شخصيتان سلفيتان مدخليتان مركزيتان سيطرتا على المشهد الراهن؛ إحداهما في عدن، وهو هاني بن بريك، والأخرى في تعز، وهو أبو العباس، وسيرد تفصيل مناسب عنهما لاحقًا، ولكن بعد الإشارة إلى دور شيخهم الحجوري في المشهد الراهن أولًا.

من طاعة ولي الأمر إلى التمرد العلني عليه ومن السلم إلى العنف:

بالنظر في أبرز الأسس الفكرية والمسلَّمات الفقهية التي قامت عليها الدعوة السلفية المدخلية (الجامية) فيما يتصل بالمجال السياسي تحديدًا، نلحظ أن طاعة ولي الأمر، تحتل قمة الهرم فيها.

ومن أبرز مظاهر ذلك: تقديم فتاوى تحريم المعارضة السياسية السلمية وآلياتها في صورة تشكيل أحزاب، أو مشاركة في انتخابات نيابية، أو غير نيابية، أو تنظيم مسيرات وتظاهرات، أو إنشاء جمعيات مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، أو التعبير عن الرأي السياسي، بوصف ذلك كله يمثل خروجًا عن الحاكم الشرعي، ومشايعة للاضطرابات، أو تمهيدًا للانقلابات، وبتعبير موجز فإنه يُعَد منازعة ولي الأمر حقه في الحكم والسلطة.

كما أن حب الوطن والدفاع عنه يندرج في ذلك الإطار؛ حيث ينبغي الوقوف مع النظام السياسي أمنيًّا برفض كل فكرة تنال منه، أو تقلِّل من شأنه، وعسكريًّا بالانخراط في سلك قواته المسلحة للوقوف في وجه كل من يفكر بتهديده أو احتلاله أو بث الاضطراب فيه (المواجهة مع الحوثيين وقوات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على الحدود الجنوبية للمملكة نموذجًا).

ولكن هل كان ذلك منهجًا مطَّردًا وثابتًا داخل المملكة وخارجها لدى أتباع الفصيل المدخلي أم طرأت تحولات خرجت عن ذلك التنظير؟

لنأخذ الحالة اليمنية، بوصفها محل البحث في هذا التحليل. ولعل أبرز وأشهر وأكثر ما يمثِّل جوهر هذه الدعوة ولحمتها وسداها ما يُعرف بطاعة ولي الأمر، ووصف كل ناقد سلمي أو معارض مدني بالخروج عليه.

الحجوري: ولاء للرئيس السابق ودعوة للخروج على من سواه

من المعلوم ابتداء أنه كان للشيخ الحجوري ارتباط وثيق وولاء فريد تجاه الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وفي هذا يقول: “أقول: هذه حقيقة؛ لا يتمنى زوال الرئيس، علي عبد الله صالح، عن منصبه في هذه الفتنة إلا أحد ثلاثة: عميل على البلاد مدفوع، أو صاحب فكر منحرف، أو صاحب مطمع دنيوي“.

ثم يسوق مناقب علي عبد الله صالح 12 منقبة، يخال المرء للوهلة الأولى أن حديثه منصرف إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.

ولعل تلك الخلفية تفسِّر لنا سِرَّ ذلك الفتور إن لم يكن الجفاء شبه التام في الولاء للرئيس الشرعي الجديد المنتخب، عبد ربه منصور هادي، وحكومة الوفاق الوطني، وهذا أول موقف متعارض مع مُسلَّمة طاعة ولي الأمر والولاء له وحكومته في المنشط والمكره.

وكان غاية الموقف (الإيجابي) للحجوري من الرئيس هادي وحكومة الوفاق -آنذاك- حديثًا عامًّا يدعو فيه للحكومة الجديدة بالتوفيق، ولكنه يصرِّح فيه علنًا أن المطلوب منها أن تكون حازمة وضابطة، دون أن يغفل التذكير بأن تلك كانت مزية إيجابية للنظام الرئيس صالح، وأن يندد في الوقت ذاته بالثورة السلمية التي شيبت ببعض الشباب، على حدِّ وصفه.

وهي التي لطالما حذر منها في سياق تحذيره من التظاهرات والمسيرات التي وصف من يشارك فيها بالوقوع في التشبه بالكافرين، وأن ليس لها أصل في الإسلام البتة، وشبَّه من يخرج فيها بالأغنام، وأنها تحمل أذية للمسلمين في أسواقهم وبيوتهم ومستشفياتهم، كما أن رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، لم يكن صخَّابًا بالأسواق.

لا يميز الشيخ الحجوري بين ذلك الخروج السلمي الذي تم في ثورة الربيع اليمني والخروج المسلح الذي ينصرف إلى ذهن من يقرأه أو يستمع إليه، وهو المشهور في الأدبيات الفقهية، ويعدهما جميعًا خروجًا عن الحاكم الشرعي.

لكن هل ظل ذلك الموقف المتصل بطاعة ولي الأمر والموقف السلبي من أسلوب المسيرات والتظاهرات عند الحجوري دائمًا في كل الظروف، ومع كل حاكم أم أنه مسلك انتقائي لا ينضبط، وربما سرعان ما يختلف لأي متغير (سياسي)؟

تبنَّى الحجوري دعوة تحريضية سافرة في أحد دروسه (العلمية) المسجلة تجاه دولة قطر وقادتها ووصفها بـ”دولة النفاق” بعد إيران وأنها “دولة فاجرة، تخدم الكافرين، وتخدم المنافقين بأموالها وجهودها ونفسها…وهي تنخر في الإسلام وتفت في عضده”، وذكر أن الرئيس الأميركي يُثني عليها، ثم دعا عليها.

وفي معرض التحذير من خطورة قطر وأتباعها من الإخوان المسلمين -كما يُفهم من السياق- نقل عن مقالات -على حدِّ وصفه- أن قطر “تمد من كان من أعضاء هذه الأحزاب بمليون دولار. الفرد الواحد العضو الواحد بمليون دولار…سنين وهي على هذه الحال” ثم عاد للدعاء عليها بطمس الأموال والتشريد في الأرض.

ابن بريك والانقلاب على ولي الأمر وخطاب السلم:

أما تلميذ الحجوري، هاني بن بريك، فسلك ذلك المسلك عينه؛ إذ سجَّل على صفحته بتويتر استنكاره وإدانته بشدة لما وصفه بتصرفات “قطر وتدخلاتها في شأن الجنوب العربي الضارة بشعبنا، والتي وصلت حدَّ الكذب الصريح والعون للمخربين في حين لم تقدم شيئًا للجنوب”، وفق تعبيره.

ويُنظَر إلى ابن بريك بوصفه رجل الإمارات الأول في عدن والجنوب عامة.

وبنظر مراقبين فإنه قد فُرض وزيرًا للدولة في التشكيلة الأولى للحكومة بضغط من دولة الإمارات، وكلفته بالإشراف على تشكيل قوات الحزام الأمني التابع لها إشرافًا وإدارة وتمويلًا، كما أن رفيقه، أبو العباس، ألمح إلى ذلك الموقع وتلك العلاقة بالنسبة للإمارات؛ حين قال:

 “وبالنسبة للأخ هاني بن بريك، فبيننا ارتباط من قبل أن يصبح وزيرًا، وهو يتواصل مع بعض الإماراتيين لجمع معونات للجبهة“.

أما فيما يتصل بطاعة ولي الأمر والامتثال لتوجيهاته في المنشط والمكره، فقد قابل ابن بريك إن إقالة الرئيس هادي له من موقعه وزيرًا للدولة وإحالته للمساءلة القانونية، في 27 أبريل/نيسان 2017، تمرد علني قولي وعملي، ردَّ عليه بالانضمام إلى ما يسمى بالمجلس الجنوبي الانتقالي في عدن، الذي يهدد بين الحين والآخر بإعلان (مجلس عسكري جنوبي)، وصار نائبًا لرئيسه، عيدروس الزبيدي، المحافظ المقال كذلك في القرار ذاته والمصنف بحسب مراقبين- رجلًا مزدوج الولاء لطهران وأبو ظبي.

وعلى حين لا تغيب عن البال التحذيرات السلفية من أساليب الاحتجاجات والتظاهرات، كما ذكرنا سابقًا تحذير الشيخ الحجوري منها، فقد قاد ابن بريك إلى جانب الزبيدي في عدن، يوم 4 مايو/أيار 2017، تظاهرة احتجاجية كبرى، وصدر عنها ما سُمِّي بـ”إعلان عدن التاريخي”، الذي يعني في مجمله التلويح بتشكيل سلطة خاصة بالجنوبيين، تمهيدًا لانفصالها عن الوحدة مع الشمال، وذلك عقب صدور القرار بالإقالة.

وكان من أهم ما لفت النظر في الإعلان أن الشراكة السياسية لما وُصف بـ”شعب الجنوب” “مهدَّدة من قِبل جماعة الإخوان المسلمين”، وذلك ما استنتج منه بعض المراقبين الترديد لأجندة الإمارات الداعمة لمثل تلك الفعاليات، وهي ترديد لنفس الخصومة الشهيرة مع جماعة (الإخوان المسلمين).

ونظرًا لما يصفه مراقبون بـ”التمرد العسكري الفعلي” للزبيدي وابن بريك الذي غدا يستند بالدرجة الأساس إلى ما صار يُعرف بقوات الحزام الأمني، فقد تعذَّر على المحافظ الجديد لعدن، عبد العزيز المفلحي، تسلُّم مبنى المحافظة من سلفه الزبيدي، كما تعذَّر على الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ذاته العودة إلى عدن، بسبب تنامي حالة الخلاف التي طبعت العلاقة بينه وبين قادة دولة الإمارات.

علمًا بأن مطار عدن الدولي يخضع لسيطرة قوات الحزام الأمني كذلك. وقد شهد المطار عدَّة مواجهات بين تلك القوات وقوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي، كما اندلعت اشتباكات في 30 مايو/أيار2017، بين أفراد يتبعون قائد حماية المطار، صالح العميري (أبو قحطان)، وأفراد تابعين لنائبه، الخضر كرده، الموالي للشرعية.

وتُقدَّر قوات الحزام الأمني الخاضعة لإشراف هاني بن بريك بـ12 ألف جندي، وفقًا لتصريح هدار الشوحطي قائد قوات الحزام الأمني بلحج.

وكل أفرادها من العناصر الجنوبية، وبحسب متابعين، فإن الغالب على تشكيلها الطابع السلفي المدخلي.

وقد أكدت على ذلك بعض المسالك المتشددة لها تجاه ناشطين سياسيين في عدن، منها رفض الصلاة على بعض من قُتل منهم، أو السماح لهم بالدفن في مقابر المسلمين، كما حدث مع جثمان الناشط الشاب، أمجد عبد الرحمن، الذي قُتل داخل أحد مقاهي الإنترنت في عدن.

واستمرت المهرجانات المناصرة للمجلس الانتقالي التي توصف عادة بالمليونية حتى في غياب الزبيدي وابن بريك، كما في المهرجان الذي تم في 21 مايو/أيار 2017، الذي جاء رفضًا صريحًا لقراري إقالة الزبيدي وابن بريك، وتفويضًا للزبيدي بإعلان قيادة سياسية وطنية (برئاسته) لإدارة الجنوب وتمثيله، رغم أنه كان حينها مع ابن بريك يحلان ضيفين على أبو ظبي، على نحو علني، ومنها غادرا إلى القاهرة، ثم عادا إلى أبو ظبي ثانية، وتم التقاء نائب رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، بالزُبيدي وابن بريك في 30 مايو/أيار 2017، على مائدة إفطار رمضانية حضرها بعض أفراد أسرة محمد بن زايد، إلى جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش.

أبو العباس: تباعد مع الإصلاح وتقارب مع الناصري:

هناك شخصية مركزية ثانية بعد ابن بريك طغت على المشهد السياسي والعسكري الراهن في اليمن، لاسيما في محافظة تعز هي شخصية (أبو العباس)، واسمه عادل عبده فارع، قائد الجبهة الشرقية في تعز، وهو أيضًا الشخصية المعتمدة من قبل دولة الإمارات وبالأخص في الجانب المالي وفق تصريحه بذلك.

والرجل من مواليد 1971 في مدينة تعز، وقد ذكر قصته الكاملة في حوار صحفي مطول، يعنينا من ذلك أنه كان أحد مهجَّري بلدة دماج مع الشيخ الحجوري، واشترك في القتال في جبهة حاشد بمحافظة عمران ضد الحوثيين.

وعقب سقوطها بأيديهم مطلع 2014، عاد إلى مدينة تعز.

ومع اجتياح صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 من قبل الحوثيين وتوجههم نحو المحافظات الأخرى ومنها تعز، كان قد تجمع لديه -وفق روايته عن نفسه- 25 مقاتلًا، وكان قد تواصل مع أحد أقرانه، وكنيته (أبو الصدوق)، الذي تواصل بدوره مع آخر في السعودية، ليتم تجهيزهم عسكريًّا، لمواجهة الزحف الحوثي وقطع الطريق أمامهم.

وتمكن الرجل من نيل ثقة بعض الشباب، حتى صار مسؤولًا -حسب قوله- ليغدو بعدها مسؤولًا ماليًّا أمام التحالف العربي.

وفي حديثه عن هذا الجانب يتهم خصومه من حزب الإصلاح بأنهم يبتزون رجال الأعمال، وهدفهم الاستحواذ على الأموال، وذكر بعض الحالات المحددة، ووصفهم بأبعد الناس عن القتال، معلِّلًا ذلك بأنهم “يريدون خط رجعة للصلح السياسي”، في حين أشاد بالناصريين واستبسالهم وأنهم الأقرب إليه وجماعته، ونفى أي صلة له بتنظيم الدولة أو القاعدة.

ووصف علاقته بالإمارات بأنها تأتي في إطار التحالف العربي، وأنها -أي الإمارات- تهدف إلى مساعدة اليمن ولا تحمل عداوة لحزب الإصلاح، ولكنها اكتشفت أنه لا يرغب في التحرير، بعد أن كانت تدعمه في البداية.

أما عن العلاقة بالسعودية، فأشار إلى لقائه بالأمير، فهد بن تركي، الذي وصفه بالمتواضع، والمقدِّر لجهود أبي العباس وجماعته في تعز، وحرص الأمير على تخليص اليمن من الفكر الرافضي -وفق تعبير أبي العباس-.

أما الزعيم الملهِم له، فذكر الملك سلمان بن عبد العزيز على مستوى الخارج، والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على مستوى الداخل، مؤكدًا -في الوقت ذاته- رفضه لثورة 11 فبراير/شباط 2011، بوصفها كانت خروجًا على ولي الأمر -حينذاك- أي صالح، معلنًا رفضه للديمقراطية، مع إعلانه طاعة ولي الأمر، الرئيس هادي، كجزء من المنهج السلفي(20) -وفق تعبيره.

توجد في مدينة تعز فصائل سلفية مقاتلة غير فصيل أبي العباس لكنه الأقوى، ويطلق عليه تيار (حماة العقيدة)، الذي يبسط سيطرته على بعض الأحياء في مدينة تعز، ويقيم عليها الأحكام الشرعية، فيما يشبه نموذج (الإمارة الإسلامية) الذي ظهر في بعض المناطق الأخرى، ودخلت أحيانًا في اشتباكات مع مقاومين، واقتحمت بعض منازل بتهم العلاقة بالحوثيين، أو الوقوع في ما تصفه بـ(المخالفات الشرعية)، خاصة مع سيطرتها على بعض المواقع والمؤسسات الأمنية مثل مقر الأمن السياسي بتعز.

خاتمة:

يبدو من خلال مسار المشهد السلفي المدخلي (الجامي) في اليمن، والحالة السياسية والعسكرية القائمة في ظل المواجهة مع جماعة الحوثي وقوات حليفها صالح، وفي ضوء تدخل بعض القوى الإقليمية وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة في الشأن اليمني إلى حدِّ المنازعة في السيادة، أو ما بات بعض المراقبين يصفه بوضع “الاحتلال”، أنه أتيح لذلك الفصيل التمدد على المدى القريب، خاصة مع استفحال حالة الصراع السياسي بين الأحزاب السلمية (المدنية) بما فيها أكبر تلك الأحزاب وهو حزب الإصلاح، ولجوء بعضها على خلفية الإحساس بالغيرة، وربما شعوره بسلوك إقصائي واستئثار من قبل بعض الأحزاب الكبيرة، إلى إبرام صفقات، أو إقامه تحالفات علنية أو خفية مع جماعات (ترفع راية الدين)، في الوقت الذي لا تُخفي رفضها للمسار السلمي المدني، وتعلن استقواءها بالسلاح، ومفاخرتها بالارتباط بأجندة إقليمية أضحت نتائجها السلبية ماثلة للعيان، ولكن ذلك سيظل رهنًا بمدى قدرة الدولة القادمة -بعد أن تضع الحرب أوزارها عسكريًّا أو سياسيًّا- على بسط نفوذها، وتحررها من الهيمنة الإماراتية، والوصاية -تحت أي ذريعة- من أي أطراف إقليمية أو دولية.

*د. أحمد محمد الدغشي أستاذ الفكر التربوي الإسلامي بجامعة صنعاء في اليمن، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية وإصلاح الخطاب.

*نقلاً عن مركز الجزيرة للدراسات.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق