بقلم - وفيق صالح
خلال الآونة الأخيرة كثُر الحديث عن مساعٍ إماراتية لتشكيل قوات حزام أمني في محافظة تعز اليمنية، على غرار تلك التشكيلات الموجودة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية التي ترتبط بالقيادة الإماراتية مباشرة، على مستوى القرار والتمويل.
تبرر الإمارات قرارها بإنشاء تلك التشكيلات في المحافظات الجنوبية في حاجة تلك المحافظات لقوى أمنية تساهم في ترسيخ الأمن وتحمى المواطنين من أي اختلالات أمنية -إلى هنا الكلام لا غبار عليه – لكن ما لذي حصل بعد ذلك؟ هل فعلا ظلت قوات الحزام الأمني حارسا للمواطن وحاميا له من الاعتداءات والانتهاكات، كما بررت الجهات التي سعت إلى تشكيلها.
لاستعراض ذلك بشيء من التفصيل للقارئ، لا بد أن نعود إلى بداية تشكيلها وتأسيسها في عدن والمحافظات المجاورة، وما الذي حققه الحزام الأمني.
في مارس/آذار 2016 أعلن عن تشكيل الحزام الأمني في عدن بعد تحريرها بشهور قليلة من قبضة مليشيا الحوثي والمخلوع.
يقول حلفاء الإمارات المحليين إن تحرير مدينة عدن من قبضة الحوثيين وحلفائهم أواخر عام 2015 أدى إلى حالة فراغ أمني في المدينة ومحيطها بعد انهيار التشكيلات العسكرية والأمنية التي تتولى حمايتها.
وفي خضم ذلك الفراغ والتدافع الأمني وتشتت المقاومة الشعبية الجنوبية، تأسس الحزام الأمني في عدن ومحيطها جنوبا متألفا في البداية من لواءين عسكريين، تم تجهيز بعض أفرادهما في دولة الإمارات التي حرصت منذ البداية على اعتماد أسس خاصة في تشكيل هذه القوة، وجعلتها ترتبط بها أكثر مما ترتبط بمؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية.
ووصل عدد أفراد قوات الحزام الأمني بعيد انطلاقها إلى أكثر من عشرة آلاف جندي، قبل أن تتوسع لاحقا وتضم قيادات وعناصر عسكرية بعضها من النشطاء الجنوبيين وبعضها من عناصر الأمن السابقة.
منذ لك الحين مضى قرابة عامين على تشكيل قوات الحزام الأمني في عدن، فهل أنجزت فعلاً ما وعدت به، أم كعادة كل القوى الاستعمارية تحولت إلى سيف مسلط على رقاب كل من يختلف مع الإمارات ولا يجاريها في مطامعها التوسعية خارج إطار الشرعية.
في البدء سعت إلى تدجين معظم المشائخ والدعاة وأئمة المساجد الذين لا ينساقون في ركب الموالاة للإمارات، محاولة إيقاف بعض نشاطاتهم الذين ينخرطون في جمعيات خيرية في أوساط المجتمع. يحظى بعض أولئك الدعاة في قبول شعبي لما لهم من نشاطات خيرية وتفقد أحوال المواطنين، هذه الجزئية تحديداً أزعجت الإمارات.
فبدأت حوادث الاعتقالات بالجملة لمواطنين وممارسة صنوف الانتهاكات بحق المعتقلين، بالإضافة إلى جرائم الاغتيالات التي طالت عددا من دعاة وأئمة المساجد في عدن.
وهذه الانتهاكات بشهادات منظمات دولية، حيث وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش في يونيو/ حزيران الماضي انتهاكات ارتكبتها هذه القوات في عدن ولحج وأبين ومحافظات جنوبية أخرى، إضافة إلى “قوات النخبة الحضرمية” في حضرموت.
ونقل تقرير هيومن رايتس ووتش عن محتجزين سابقين على يد الحزام الأمني في عشرات المقابلات أن عناصر القوة أخبروهم بأنهم يتبعون أوامر الإمارات باعتقال مشتبه فيهم بالإرهاب، وأنهم لا يملكون صلاحية الإفراج عنهم دون إذن خاص من الإمارات.
وتتهم هذه القوات بالضلوع في عمليات قتل واحتجاز وتعديات خارج القانون، واستهداف ممنهج ومتواصل للخصوم السياسيين، وإدارة سجون سرية تابعة للإمارات،كما تقوم بعملية تصفيات بحق الخصوم السياسيين والعسكريين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ومحاولات فرض الأمن والاستقرار في البلاد.
هذه التصفيات لم تنحصر على طرف معين مثل المشائخ والدعاة بل طالت ناشطين من التيار اليساري مثل الناشط أمجد عبدالرحمن الذي قتل في مايو / أيار الماضي.
ومع ما ذكرنا أعلاه من بعض الدلائل التي تشير إلى تحول قوات الحزام الأمني إلى مليشيات تتحرك دون قانون ولا أخلاق، إلا أن البعض مازال يطمع في نقل تلك التجربة سيئة الصيت إلى تعز، دون اكتراث للأصوات الرافضة لتشكيل حزام أمني في تعز سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي.
نائب رئيس الوزراء، عبد العزيز جباري، قال في مقابلة مع قناة اليمن الفضائية، إن محافظة تعز ليست بحاجة إلى حزام أمني خارج إطار السلطة المحلية والعسكرية، بل تحتاج إلى دعم أجهزتها الأمنية والعسكرية الموجودة على الأرض.
وسبق ذلك بيان لتحالف الأحزاب السياسية في تعز، طالب الرئيس هادي بدعم الجيش الوطني بالمحافظة الدعم اللازم لاستكمال عملية التحرير، وتعزيز قوات الشرطة العسكرية والأمن العام واستكمال دمج بقية أفراد المقاومة من فصائل وكتائب أو أي مسميات أخرى في الجيش الوطني، بحيث لا تكون هناك أي مسميات أو تشكيلات أمنية أو عسكرية خارج إطار الأجهزة الأمنية والعسكرية والسلطة المحلية، في إشارة للحزام الأمني الذي تسعى الإمارات لتشكيله عبر بعض القيادات العسكرية الموالية لها.
تعز تتواجد فيها أربعة ألوية عسكرية من الجيش الوطني، وقوات أمن خاصة وشرطة عسكرية، فلما الحاجة لتشكيل حزام أمني في ظل وجود هذا العدد الضخم من الجيش الوطني والأمن، وهذا يثبت أن المعطيات التي أدت إلى تشكيل حزام أمني في عدن والجنوب، غير متوفرة في تعز.
وفي ظل هذا الرفض المتنامي لتشكيل حزام أمني في تعز، يستغرب البعض من إصرار الإمارات على المضي قدما في نقل تجربتها إلى تعز، دون اكتراث لجميع تلك الأصوات الرافضة، الأمر الذي يعزز قناعة الكثيرين من أن الإمارات لم تتدخل في اليمن سوى لمصالحها الخاصة ومطامع النفوذ والتوسع والقضاء على خصومها السياسيين من أحزاب وحركات إسلامية.
*نقلا عن صفحة الكاتب