التدخلات البريطانية في السودان.. هل لحلحلة الأزمة أم للحفاظ على نفوذها القديم؟

محرر 229 أكتوبر 2021
التدخلات البريطانية في السودان.. هل لحلحلة الأزمة أم للحفاظ على نفوذها القديم؟

عندما أعلن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، حل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لم تغب بريطانيا والقوى الغربية عن المشهد الذي كان متوقعا، بسبب تفاقم الأحداث والأزمات خلال الفترة الأخيرة بين المكون المدني والعسكري في مجلس السيادة.

وسرعان ما أصدرت الحكومة البريطانية بيانا اعتبرت من خلاله أن “الانقلاب العسكري خيانة غير مقبولة للشعب السوداني”، ثم دعت إلى الإفراج عن رئيس الوزراء المحتجز، عبد الله حمدوك (أعيد إلى منزله في 26 أكتوبر).

التدخلات البريطانية الأخيرة في الشأن السوداني، استدعت معها دورها كـ”مستعمر قديم” له مصالح إستراتيجية واقتصادية في الخرطوم، لم ينفك أن يحافظ عليها تحت أي ذريعة وفي كل الظروف.

دور متقدم

قبل الوصول إلى نقطة “الصفر” بوقوع الانقلاب العسكري، دخلت الحكومة البريطانية على خط المواجهة في محاولة لاحتواء الأزمة المتصاعدة في السودان.

وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، التقى عضو مجلس السيادة السوداني، محمد حسن التعايشي، ممثل المكون المدني، بالمبعوث البريطاني الخاص، روبرت فيرويذر، في العاصمة الخرطوم.

وبحسب بيان للمجلس السيادي، فإن التعايشي أطلع فيرويذر على “التحديات التي تواجه عملية الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد، وكيفية مواجهتها لإكمال مهام الانتقال وصولا إلى الانتخابات”.

المبعوث البريطاني أعلن حينها “الاستمرار في دعم وإنجاح عملية التحول الديمقراطي”، وكانت “الأجواء ملبدة” عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة الأولى في 21 سبتمبر/أيلول 2021، وكانت حكومة “قوى الحرية والتغيير” تخشى من تكرارها، فلجأت إلى التواصل مع حلفائها الغربيين، لا سيما أن لندن أعلنت عن استعدادها للمساعدة في حل الأزمة السياسية.

الوقائع الأخيرة أعادت للمشهد المظاهرات الكبيرة التي خرجت بالخرطوم في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أمام مقر السفارة البريطانية، مطالبين بطرد السفير (آنذاك)، عرفان صديق.

ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “لا للتدخل في السيادة السودانية”، “لن تحكمنا السفارات”، “لا للتطاول على الشعوب الحرة”، “مبادرون من أجل السيادة الوطنية”، “نطالب برحيل السفير أو الاعتذار”.

أما سبب غضب الشعب السوداني، هو “التدخل الفج” للسفير صديق في شأن البلاد، ووصوله إلى درجة إملاء الشروط، حيث غرد حينها عبر “تويتر” مطالبا بـ”استعجال تشكيل المجلس التشريعي، وعدم إشراك (الإسلاميين) في السلطة خلال الفترة الانتقالية الحالية”.

تطور الوضع عندما اجتمعت مجموعة من الأحزاب السودانية، على رأسها “بناة المستقبل” وأصدروا بيانا قالوا فيه: “تنادينا نحن عددا من أبناء هذا الوطن الحر السودان، ضد التدخلات السافرة في الشأن السياسي السوداني من قبل السفير البريطاني”.

وشددت على أن “صديق تمادى كثيرا في التصريح في كل قضية سياسية سودانية، ووصل به الأمر حد التقريع والتهديد”.

إرث استعماري 

وتعتبر بريطانيا السودان منطقة نفوذ قديم لها في القرن الإفريقي، بدأت عندما اجتاحت جحافل الجيش البريطاني السودان عام 1898 لاستعماره وفرض قبضة عسكرية عليه.

وتعددت أهداف الغزو البريطاني آنذاك، ما بين حماية منابع النيل خشية التوغل الفرنسي، والاستفادة من موانئ السودان على البحر الأحمر، والأبرز استثمار ثروته الزراعية والحيوانية الضخمة.

فيما تبعات هذا الغزو لم تكن على المنحى السياسي والاقتصادي فقط، بل أحدثت فجوة في هوية السودان، وهو ما ذكره الكاتب الإسكتلندي رسل مكدوغال، في كتابه “معايشات الحرية” الذي رصد السياسات الاستعمارية البريطانية في السودان.

وقال مكدوغال إن “رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، في فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عبر صراحة عن رغبته في صرف السودان عن بيئتها الإسلامية، وصرف الشمال السوداني بشكل خاص عن أن يؤثر في بقية إفريقيا على المستوى الثقافي الديني سواء بنشر اللغة العربية أو الإسلام”.

وأضاف “فـ(المحمدية)، حسب تعبير تشرشل المستمد من تاريخ مسيحي طويل في الإشارة إلى الإسلام، لا تخلف سوى العادات السيئة في العمل والتعامل”.

وأوضح مكدوغال أن “انتشار الإسلام في إفريقيا وراءه السودان، وهو على النحو الذي قد يؤدي إلى انتزاع القيم المسيحية التي رسخها المستعمر الأوروبي في بلاد القارة، فذلك قد يؤدي إلى (سقوط حضارة أوروبا الحديثة)، بتعبيرات تشرشل”.

وفي 7 مارس/آذار 2021، نشر مركز “السياسة الأوروبية” للدراسات (EPC)، ورقة بحثية بعنوان “الحضور البريطاني في القرن الإفريقي: المصالح والتوجهات والآفاق”، للباحث أحمد عسكر.

وقال عسكر: “تسعى بريطانيا إلى تعزيز نفوذها السياسي والدبلوماسي في منطقة القرن الإفريقي، وخلق منطقة نفوذ جديدة تعوض بها خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي لا يمثل انسحابا من العالم، بقدر ما يعني زيادة الانفتاح على مناطق جديدة، لا سيما في إفريقيا، مما يعزز مكانتها الدولية”.

وأكد أن “بريطانيا تتطلع للاحتفاظ بقوتها على خارطة الاقتصاد العالمي من خلال نسج شبكة تحالفات اقتصادية، وبناء شراكات تجارية قوية مع إفريقيا في مجالات مختلفة، وفتح أسواق جديدة في دول القرن الإفريقي بديلة عن أسواق الاتحاد الأوروبي، والاستفادة من الكثافة السكانية والثروات والموارد الطبيعية التي تتمتع بها دولها، لا سيما السودان”.

وفي إطار استعراضه للدور البريطاني المتقدم في الخرطوم، أرجع عسكر ذلك إلى محاولتها “خلق شرعية لها ونفوذ بين دول المنطقة، من خلال السعي لمنع نشوب الصراعات وحل الخلافات بينها وحفظ الأمن الإقليمي، ولعب دور مهم في الحرب على الإرهاب وتقديم نفسها شريكا دوليا، خاصة في ضوء التراجع النسبي للحضور العسكري الأميركي”.

أمر واقع

وقال عضو حزب “الأمة”، إبراهيم نذير: “خاطئ من يظن أن التدخل البريطاني في السودان نابع من الخوف على مصالح شعبه وتمكين إرادته الشعبية، فبريطانيا هي المستعمر القديم الذي نهب خيراتنا، وقتل الآلاف من شعبنا خلال الثورة المهدية وما بعدها، وللإنجليز مصالح متعددة في عموم السودان وتحديدا منطقة الشرق حيث الموانئ”.

وأضاف في حديث مع “الاستقلال” أن “هناك اعتقادا أن التدخل والضغط الغربي مثل البريطاني والفرنسي والأميركي سيقوم بحلحلة الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها، وهذا خطأ جسيم”.

وتابع نذير: “لكم في مصر العبرة، ففي البداية كل الدول الغربية والإفريقية رفضت الانقلاب على الشرعية، وطالبوا بالإفراج عن الرئيس محمد مرسي، وإعادة الحكومة المنتخبة، ولكن هذا لم يحدث وازدادت الأمور سوءا”.

وفي النهاية “احتكموا إلى الأمر الواقع والطرف الأقوى، وقبلت دولة مثل بريطانيا بزعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي واستقبلته وعقدت معه صفقات السلاح، وتم تجاوز الأمر برمته”، يوضح عضو حزب “الأمة”.

واستطرد: “إستراتيجية بريطانيا وتلك الدول تحقيق المكاسب من خلال توجيه أقصى ضغط ممكن على مراكز الحكم والجيش، فحتى لو انتهت العملية الانقلابية بتمكين العسكر بشكل كامل، سيضطرون إلى تقديم تنازلات كبرى للقوى الغربية، حتى يقبلوا بوجودهم، وبقائهم كحكام للبلاد، وسيدخل السودان في طور أشد من الديون والفقر والاضطرابات”.

وشدد نذير على أن “الشعب السوداني نظرته الثابتة لبريطانيا أنها مستعمر قديم نكل به، وسلب ثرواته، وما زال يفعل”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept