أثارت عودة رئيس الحكومة اليمنية، معين عبدالملك، وعدد من الوزراء، المفاجئة إلى العاصمة المؤقتة عدن، التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من الإمارات، دون أي ضمانات معلنة، أو تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاق الرياض، تساؤلات وانتقادات عدة.
والثلاثاء الماضي، وصل عبدالملك إلى عدن، بعد أشهر من مغادرتها، إثر اقتحام مقر إقامته في قصر معاشيق الرئاسي من محتجين تابعين للمجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي.
ويرى معلقون يمنيون أن عودة رئيس الوزراء اليمني إلى عدن، دون أي تغيير في الواقع المختل، جاء بضغوط من السعودية، لإنقاذ المجلس الانفصالي، بعدما أضحى في صدام مباشر مع غضب شعبي بسبب تدهور الأوضاع المعيشية هناك.
“إنقاذ للانتقالي”
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالرقيب الهدياني، إن عودة رئيس الحكومة إلى العاصمة المؤقتة تقف وراءها السعودية، نتيجة اشتداد الضغوطات الدولية، وحوارها مع إيران.
وأضاف الهدياني لـ”عربي21″ أن الرياض أرادت من إعادة الحكومة إلى عدن، دون أي اشتراطات أو ضمانات، أن تتحاشى أن يبقى هذا الملف مفتوحا، باعتبار أن المدينة خارج السلطة والسيطرة للشرعية وحكومتها المقيمة خارج البلاد.
وتابع بأن “التحركات الأمريكية ضد المملكة دفعت بالأخيرة لإعادة حكومة هادي بتلك الصورة، سدا لهذه الثغرة”.
وأعتبر الكاتب اليمني أن مجيء الحكومة إلى عدن دون أي شروط أو ضمانات معلنة، ليس له من تفسير سوى إنقاذ المجلس الانتقالي من الاحتجاجات التي تشهدها عدن، رفضا لسيطرة المجلس، وتنديدا بانهيار الأوضاع المعيشية وتدهور قيمة العملة المحلية.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن خروج الحكومة من عدن في آذار/ مارس الماضي، وضع الانتقالي في واجهة الأحداث وأمام الشارع العدني والمناطق التي يسيطر عليها، إذ خرج المواطنون للشوارع يهتفون لإنهاء سيطرة المجلس المدعوم إماراتيا على مناطقهم الغارقة في الانهيار على كافة الجوانب.
وذكر السياسي اليمني أن ترحيب المجلس الانتقالي بعودة الحكومة، ودعوته لها بصرف المرتبات، “تأكيد عن أننا أمام عملية إنقاذ لهذا الغريق الذي صار والجماهير وجها لوجه”، وفق تقديره.
واعتبر أن “السعودية في وضع متخبط، ولم تعد تدري كيف تلملم الملف اليمني”، منتقدا مشهد وصول رئيس الحكومة إلى عدن، دون أي ضمانات، وتحت رحمة القوات الانفصالية التي طردته مرارا.
وما يثير الغرابة، وفقا للهدياني، أنه بالتزامن مع عودة الحكومة وترحيب المجلس الانتقالي بذلك، أصدر رئيس المجلس، قرارات بتكوين محور شبوة العسكري، وسمى عددا من المعسكرات المدعومة من الإمارات، في تصعيد علني.
وقال: “المجلس الانتقالي سيستفيد من عودتها في عدن، في مقابل ذهابه في مشروعه باستهداف مناطق الشرعية، وتحديدا شبوة”.
وشدد على أن “العودة المفاجئة للحكومة دون شروط وضمانات أو تغيير في الواقع المختل الذي هربت منه وطردت من خلاله، يكشف أننا أمام شرعية مدجنة تحركها الرياض، بعيدا عن مصالح الشعب اليمني”، وفق تعبيره.
بدوره، رحب المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله، بعودة رئيس حكومة المناصفة إلى العاصمة عدن.
وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس، علي الكثيري، في بيان له، الأربعاء: “نرحب بعودة رئيس الحكومة إلى عدن، ولقد بات لزاماً أن تقوم هذه الحكومة بمهامها، وتتحمل مسؤولياتها التي شُكلت من أجلها، وفي طليعة ذلك معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية ودفع المرتبات بشكل فوري”.
وتابع: “وهي المطالب التي ظلّ المجلس يعبر عنها خلال الأشهر الماضية لغياب الحكومة غير المبرر”، على حد قوله.
“امتصاص غضب الشارع”
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، أن عودة الحكومة لعدن هي استجابة لطلب سعودي إماراتي لإنقاذ الانتقالي وأيضا، لامتصاص الغضب الشعبي ضد التحالف (تقوده السعودية).
وقال لـ”عربي21″: “هي زيارة أكثر منها عودة، فلم يحدث أي تغير في موقف الانتقالي أو حدوث جديد فيما يتعلق بتنفيذ الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض”.
وبحسب الكاتب الزرقة، فإن الانتقالي هو المستفيد الوحيد؛ لأنه سيقفز ويحمل الحكومة مسؤولية فشله في إدارة العاصمة المؤقتة، ويقدم معين عبدالملك كمسؤول عن الإخفاق الحاصل حتى في ظل عدم تمكنه من القيام بمهامه كرئيس للحكومة.
وأكد المحلل السياسي اليمني أن “معين عبدالملك يتعامل بصفته مندوبا أو مبعوثا للسفير السعودي لدى اليمن، وليس كرئيس حكومة، وبالتالي لن يحدث وجوده أي فارق على المستوى الاقتصادي أو السياسي”.
وتصاعدت منذ أيام حدة احتجاجات شعبية في اليمن؛ تنديدا بتردي الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية، جراء انهيار غير مسبوق في سعر صرف الريال اليمني داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
هذه الاحتجاجات، اندلعت بداية في محافظة حضرموت (جنوب شرق) تم توسعت لتشمل عاصمة البلاد المؤقتة عدن، ومدينة تعز جنوب غربي البلاد.
وكان رئيس الوزراء اليمني قد وصل، الثلاثاء، إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد زيارة لمحافظتي شبوة وحضرموت، شرقا، قادما من مقر إقامته في العاصمة السعودية.
ونشر حساب رئاسة الوزراء اليمني بتويتر، الثلاثاء، أن هذه العودة جاءت في إطار تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة بالعمل على حشد القوى والإمكانيات والجهود، وتسخيرها في المعركة الوطنية في مواجهة مليشيا الحوثي حتى استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
وتهاوى سعر الريال على نحو غير مسبوق من التدهور، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد 1200 في تداولات أمس الثلاثاء، بمناطق سيطرة الحكومة، مقارنة مع 215 السعر الرسمي سابقا.