في العام 2015م دخلت الإمارات اليمن بدعوى الحرب على جماعة الحوثيين ونصرة الحكومة الشرعية التي كانت قد تعرضت لانقلاب قبلها بأشهر في العاصمة صنعاء، ثم تعرضت لغارات جوية من تحالف صالح والحوثيين في العاصمة المؤقتة عدن، لتضطر بعدها لمغادرة البلاد.
بعدها بعام واحد عادت جحافل القوات اليمنية إلى عدن، وكتبت المقاومة اليمنية في الجنوب أول سطر في كتاب الانتصارات الساحقة على الحوثيين. ومع تحرير المدينة والمحافظة بشكل كامل وإعادة قوات الحوثيين إلى حدود محافظة الضالع وتعز، دشنت الإمارات العربية المتحدة مشروعها الخفي الذي كان هو دافعها الحقيقي لخوض غمار الحرب: السيطرة الكاملة على الشريط الساحلي لليمن.
وفي غضون أعوام قليلة بسطت الإمارات سيطرتها على معظم موانئ ومنافذ اليمن البحرية في بحر الحرب والبحر الأحمر (من ميناء المكلا في حضرموت جنوباً، وحتى ميناء الخوخة في أقصى غرب البلاد)، بالإضافة إلى عدد من الجزر ذات الأهمية الجيوساسية العالية، كجزيرة ميون على مدخل مضيق باب المندب، وجزيرة سقطرى في عمق المحيط الهندي.
وبينما تبسط بشكل مباشر سيطرتها على ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة والضبة في المكلا بحضرموت، وبعض الجزر مثل سقطرى وميون قبالة باب المندب، تضع الإمارات عبر قوات عسكرية كونتها ودربتها، يدها على ميناء اليمن الأول حالياً في الاستيراد والتصدير وهو ميناء عدن (جنوب)، وميناء المخا في الساحل الغربي لليمن، التابع جغرافياً وإدارياً لمحافظة تعز، جنوب غرب اليمن.
نشر الخراب لتأمين السيطرة
وفي سبيل بقاء سيطرتها وتأمين نفوذها لغّمت الإمارات المشهد وفرخت المليشيات التي سفكت الدماء، ونشرت الفوضى والقتل في المدن الجنوبية اليمنية، وأحيت الفتنة بين أهلها لإشغالهم بأنفسهم، وقدمت نفسها بأنها المنقذ والداعم للشرعية، كان ذلك مدخل الإمارات للسيطرة على اقتصاد وموانئ اليمن الاستراتيجية، والاستيلاء على خيراتها وثرواتها.
وتعلم الإمارات جيداً الأهمية الاقتصادية لموانئ اليمن، لذا وضعت يدها منذ الأيام الأولى للحرب على غالبية الموانئ اليمنية، خاصةً ميناء عدن المطلّ على باب المندب على ساحل البحر الأحمر والقريب من قناة السويس.
وفي هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي إبراهيم عبدالكريم إن “الإمارات تعلم جيداً الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لموانئ اليمن، خاصةً عدن؛ لذا فهي لن تتخلى عنها بأي ثمن، وممكن أن تدفع أكثر، وتقصف وتقتل الآلاف من أجل إبقاء سيطرتها على هذه المنشآت”.
وأوضح أن الحرب التي شنتها السعودية والإمارات من خلال تحالف عربي ضد اليمن، كانت “فرصة تنتظرها أبوظبي من أجل إعادة التموضع على الموانئ، التي فقدتها بسبب تدخُّل البرلمان اليمني في 2012، وثورة اليمنيين”.
مدخل للهيمنة والنفوذ في منطقة الذهب
تسيطر الإمارات على ميناء المخا بالبحر الأحمر، وحوَّلته إلى ثكنة عسكرية ومقر لقواتها، واستخدمت ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت كمقر لقواتها ومعتقل سري تحت إشراف مليشيات تابعة لها، وحوّلت مطار الريان الدولي بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، إلى معتقل سري أيضاً، كما سلَّمت مطار عدن الدولي إلى مليشيا موالية.
هذا فضلاً عن بقاء سيطرتها على ميناء ومنشأة بلحاف الاستراتيجية في جنوب محافظة شبوة.
وبدأت الإمارات سباق محموم لتوسيع النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في البحر الأحمر والبحر العربي» تعزز بالتوجهات الصينية الجديدة لإحياء طريقي الحرير البري والبحري، عبر مبادرة «حزام واحد – طريق واحد»؛ حيث سيربط الطريقان – عبر تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية – أكثر من 60 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وتقع اليمن في قلب طريق الحرير، وهو ما أسال لعاب حكام الإمارات وجعلهم يختارون تدمير هذا البلد لبناء امبراطورية مهيمنة على منطقة جنوب غرب الجزيرة العربية.
على حساب تعاسة اليمنيين وتدمير مستقبلهم لعشرات السنين تبني الإمارات مجداً من ورق، ويحاول أقزام العرب التطاول على الأرق قلوباً والألين أفئدة والأقوى شكيمة، يستغلون في ذلك الانقلاب الحوثي الذي أدخل البلاد كلها في دوامة الصراع، لكن يبقى السؤال الأهم: إلى متى؟ وهل سيغفر اليمنيون للإماراتيين ما فعلوه ببلادهم؟!!