في 25 إبريل الماضي، وتحديداً في منتصف ليلة السبت الأحد، دخلت العاصمة المؤقتة عدن وعدد من المدن اليمنية الجنوبية طوراً سياسياً جديداً، بإعلان ما يسمى بالمجلس الإنتقالي الجنوبي المسيّر من دولة الإمارات ما وصفه بـ “الحكم الذاتي” للمدن والمحافظات الجنوبية التي تقع تحت سيطرته.
وبإعلان الإنتقالي للحكم الذاتي تم إخراج الحكومة اليمنية الشرعية عن المشهد الإداري لمحافظات عدن ولحج والضالع بشكل تام، بعد أن ظلت تحكم “شكلياً” وتدير شئون ومؤسسات الدولة منذ انقلاب المجموعة الإنفصالية في أغسطس من العام الماضي.
وينسف إعلان المجموعة الإنفصالية اتفاقية الرياض الموقعة في نوفمبر 2019 بين المجلس الانتقالي وحكومة الشرعية ، ويمثل امتداداً لحركة الإنقلابات التي تعرضت لها حكومة الرئيس هادي والتي ابتدأها الحوثيون بانقلاب مسلح في سبتمبر 2014م، كما يخاطر بتصعيد إضافي للحرب في البلاد.
وقوبلت خطوة الإنتقالي برفض واسع وغير مسبوق على المستوى الداخلي ، إذ رفض محافظو خمس محافظات رئيسية تمثل جزءًا كبيرًا من أراضي جنوب اليمن وموارده – وهي حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى وأبين – الإعلان.
وفي بيانات تنديد صدرت تباعاً من المحافظات الخمس عبر المحافظون عن رفضهم القاطع لفكرة أن المجلس الانتقالي يمثل الجنوب.
وعلى الصعيد الإقليمي كرر التحالف بقيادة السعودية ومجلس التعاون الخليجي دعمهما للحكومة اليمنية ، داعياً إلى التنفيذ الفوري لاتفاق الرياض وطالب بأن يتراجع الانتقالي عن إعلانه.
وعلى الصعيد الدولي ، وصف مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن ، مارتن غريفيث ، خطوة الانتقالي بأنها “مخيبة للآمال” كما حذر الاتحاد الأوروبي وتركيا ومصر وثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين (ضمنيًا) – من أن الإعلان سيزيد من زعزعة استقرار اليمن المضطرب بالفعل ودعا إلى التنفيذ العاجل صفقة الرياض.
ويقول تقرير لمعهد الشرق الأوسط إن الاعتراضات واسعة النطاق والحادة على الانتقالي تظهر قلة الدعم الخارجي الذي تتمتع به المجموعة الإنفصالية ، فضلاً عن طيش سياسي يتصف به قيادة المجلس في عملية صنع القرار.
تعميق للمأساة
وجاءت خطوة الإنفصاليين لتزيد الطين بلة على سكان مدينة عدن، والذين تعرضوا خلال الفترة السابقة لسيول جارفة وغير مسبوقة نجم عنها انهيارات صخرية واسعة وخسائر كبرى في الأرواح وتخريب كبير طال البنية التحتية للمدينة التي لا تزال تتحسس طريقها للخروج من تبعات حرب دموية شهدتها قبل خمس سنوات بعد اجتياح مسلح نفذه مسلحو جماعة الحوثي الإنقلابية.
كما تزامنت مع تفشي كبير لوباء الفيروس التاجي كورونا كوفيد 19 في العاصمة المؤقتة، حيث سجّلت عدن لوحدها أكثر من 70% من نسبة الإصابات التي أعلن عنها رسمياً في اليمن (25 حالة من 35)، بالإضافة إلى تصدر عدن قائمة الوفيات (4 وفيات)، حتى يوم 8 مايو 2020م.
الأرقام الرسمية لا تكشف حقيقة الوضع الكارثي الذي يعيشه أبناء عدن بسبب كورونا، حيث قدرت تقارير صحفية بأن أكثر من 60 شخصاً توفوا خلال يوم واحد بسبب أعراض شبيهة بأعراض فيروس كورونا.
ويشعر أبناء عدن بسخط كبير إزاء تحكم مليشيات الإنتقالي بالمدينة وتعطيلهم كافة مؤسسات الدولة في هذا الوقت الحساس الذي يتطلب إفساح المجال للجهود الحكومية كي تخفف من وطأة العبء الإنساني الثقيل الذي أرهق كاهل السكان.
وفي هذا الصدد أكد معهد الشرق الأوسط بأن تقويض الإنتقالي مؤسسات الدولة وفي نفس الوقت دعوة الحكومة لتقديم الخدمات ودفع الرواتب أمر مثير للسخرية والمفارقة، مؤكداً أن الإنتقالي أزاح الشرعية ثم عجز عن سد الفجوة.
حتى صوت الألم ممنوع
وتسببت كل هذه الأزمات المتلاحقة والتي تعمّقت وتضاعفت خلال الأسبوعين الأخيرين، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربي عن عدن لأيام عديدة مع اشتداد حرارة الصيف إلى خروج أبناء المدينة إلى الشوارع والطرقات احتجاجاً على أحوالهم المتردية وعلى عجز المليشيات عن القيام بما كانت تقوم به الدولة.
ويوم السبت الماضي قال شهود عيان إن قوات تابعة للانتقالي أطلقت النار من الأسلحة المتوسطة على محتجين يطالبون بتحسين الخدمات، في عدن.
وحسب الشهود فإن قوات العاصفة للانتقالي انتشرت في شارع أروى وطوقت مواقع عشرات المحتجين الذين بدأوا بالتوافد إلى قلب المدينة القديمة تنديدًا بفشل المجلس الانتقالي في توفير الخدمات. وهتف المحتجون ضد المجلس الانتقالي لكن جنوداً يرتدون أقنعة من القماش أطلقوا على المحتجين لتفريقهم.
وتحدث ناشطون عن حجم المعاناة التي باتوا يعيشونها في ظل تشديد القبضة الأمنية وملاحقة السلطات الإنفصالية لكل مواطن يبدي سخطه على تدهور حال المدينة وسكانها.
وفي هذا الصدد يقول الناشط السياسي وهيب الصهيبي، وهو كان أحد الأصوات الداعمة لمجلس الإنفصال: “هل اتضحت لكم الصورة الآن ان عدن محتلة من قبل المجلس الإنتقالي أم لا زلتم تنتظروا مدرعاتهم لتدهس جثث أولادكم أمام أعينكم”.
وقبل ايام أصدر مجلس الإنفصال تعميماً يتوعد فيه “الساخرين” من خطواته وقراراته بالسجن ستة أشهر والغرامة مليون ريال.
وجاء في التوجيه “يتم التعميم للأخوة الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات ووسائل النقل العامة وغيرها بأن حالة الطوارئ والإدارة الذاتية للجنوب والخطوات التي اتخذها المجلس الانتقالي، لم تأتي بالصدفة وانما نتاج لتاريخ طويل لنضال شعب الجنوب”.
وأضاف سيتم “محاسبة كل من يثبت تورطه ببث الدعاية واقلاق السكينة العامة بالغرامة المالية مليون ريال لا غير والسجن لمدة ستة أشهر”.