أضحت حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، تسيطر على مدن الساحل الغربي الليبي، بعد معارك ضارية جرت الاثنين، تمكنت خلالها من طرد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منها.
وبذلك، تكون الوفاق قد بسطت نفوذها على الشريط الساحلي الغربي بالكامل الذي يصل العاصمة طرابلس بكل من مدن، صرمان، صبراته، العجيلات، الجميل، رقدالين، وزلطن، مرورا بمدن ومناطق ساحلية أخرى، وصولا للحدود التونسية في أقصى الغرب.
ولمدن الساحل الغربي أهمية استراتيجية كبيرة، فمن ناحية عسكرية تمكنت الوفاق من قطع أذرع قوات حفتر في معظم المناطق الغربية للبلاد، باستثناء ترهونة، ومن ناحية اقتصادية، عادت الوفاق للسيطرة على حقول إنتاج النفط والغاز في هذه المنطقة، والتي ظلت رهينة لقوات اللواء المتقاعد منذ سنوات.
متى سيطر حفتر على الساحل الغربي؟
لم تكن مدن الساحل الغربي كلها تحت سيطرة قوات حفتر، فمدينة زوارة مثلا ظلت تدين لحكومة الوفاق بالولاء، لكن مدن صرمان، وصبراته، والعجيلات، ورقدالين وزلطن والجميل، خضعت لحفتر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، حين تقدمت قواته صوب الساحل الغربي، بهدف كسب مزيد من الأرض، في محاولة منه لتغيير اتفاق الصخيرات الذي يقصيه من تولي أي منصب سيادي في الحكومة.
والمادة الثامنة في اتفاق الصخيرات مثلت طيلة السنوات الماضية، حجر عثرة أمام تطبيق الاتفاق، حيث اعتبرت من قبل حفتر وبرلمان الشرق (طبرق) مقدمة لإقصائه عن المشهد.
وتنص المادة على تولي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لجميع المناصب السيادية والعسكرية بمجرد توقيع الاتفاق السياسي بما في ذلك منصب القائد العام للجيش.
الأهمية العسكرية لمدن الساحل
مثلت سيطرة الوفاق على تلك المدن ضربة كبيرة لحفتر ولتواجده في الغرب الليبي، وفي هذا السياق قال المتحدث باسم قوات الوفاق، مصطفى المجعي، إن هذه المدن، وخاصة، صبراته، وصرمان، والعجيلات، كانت شوكة في خاصرة قوات الوفاق، فهي تمثل عمقا لحفتر في الغرب، وشكلت خزانا بشريا له، إذ يتم عبرها إمداده بالمقاتلين.
وأضاف: “نستطيع القول إن المنطقة الغربية لا تواجد مهم وحقيقي فيها لقوات حفتر بعد طرده من هذه المناطق الاستراتيجية، ما عدا مدينة ترهونة التي ما زالت قواته تتواجد فيها حتى الآن، وهي الحاضنة الوحيدة له في الغرب”.
ولفت المجعي إلى أهمية تحرير هذه المدن، باعتبارها ستمثل قاعدة لانطلاق هجوم وشيك على قاعدة الوطية الجوية القريبة من مدن الساحل والتي تتمركز فيها قوات حفتر.
واستخدمت قوات حفتر، قاعدة الوطية منطلقا لتنفيذ طلعات جوية وهجمات على طرابلس، قبل أن تتمكن حكومة الوفاق قبل نحو أسبوعين من تحييدها، بفعل هجوم مباغت نفذته عليها، دمرت خلاله طائرات مقاتلة، وأسرت عشرات من قوات حفتر، بينهم مرتزقة كانوا بتمركزون فيها.
مدن مهمة اقتصاديا وسياسيا
ولم تقتصر أهمية مدن الساحل الغربي على الجانب العسكري فقط، بل إن السيطرة عليها تحمل أبعادا، ديموغرافية، واقتصادية، وسياسية بالغة الأهمية، بحسب ما قاله المحلل السياسي الليبي، محمد شوبار.
وشدد شوبار على أن مدن الساحل، والتي تمتد من بوقرين في الشرق، وحتى معبر راس جدير مع تونس في أقصى الغرب، تعتبر من أهم المناطق التي سيطرت عليها الوفاق، وأتت في ظروف جيدة، حيث جرى تحييد قاعدة الوطية وقطع الإمداد عن قوات حفتر المتواجدة في المنطقة الغربية.
ولفت في حديث لـ”عربي”21 إلى الأهمية الاقتصادية والسياسية لتلك المدن، حيث يقع فيها “مجمع مليتة الصناعي” الاستراتيجي، والذي يتم عبره تصدير الغاز الطبيعي نحو أوروبا.
وشدد على أن تأمين مجمع مليتة (يقع بين زوارة وصبراته) يعطي حكومة الوفاق مكانة سياسية ودبلوماسية مهمة، ويضعها في مكان جيد أمام داعمي قوات حفتر.
ويمتد مجمع مليتة على مساحة تبلغ حوالي 355 هكتار، ويقع على بعد نحو 22 كم شرق زوارة، ويضم مرافق معالجة للنفط والغاز، وكذلك خزانات للنفط الخام والمنتجات السائلة الأخرى، فضلا عن احتوائه على مرافق لتوليد الطاقة، ويتبع المجمع لشركة مليتة للنفط والغاز، والتي تعتبر من أهم وأكبر الشركات النفطية الليبية.
يذكر أن هذه التطورات تأتي في سياق عملية “عاصفة السلام” التي أطلقتها حكومة الوفاق الليبية، ردا على عمليات قصف قوات حفتر للأحياء والمنشآت المدنية في طرابلس، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا.
وتواصل قوات حفتر خرق الهدنة الإنسانية التي أعلنت في 21 آذار/ مارس الماضي، للتركيز على جهود مكافحة فيروس كورونا، الذي أصاب 25 شخصا في ليبيا حتى الآن، حيث تقصف مواقع مختلفة بالعاصمة.