دعوة الولايات المتحدة، قوات اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، إلى إنهاء هجومها على العاصمة الليبية طرابلس، تعتبر أول مؤشر حول إمكانية تغير موازين القوى الدولية في ليبيا لمصلحة حكومة الوفاق، خصوصا مع ازدياد دلائل التدخل العسكري الروسي عبر شركة “فاغنر” الأمنية في البلاد، ضمن ما أصبح يعرف بـ”الحرب الهجينة”.
فلطالما اقتصرت النظرة الأمريكية لليبيا على مكافحة الإرهاب، منذ إسقاط نظام “معمر القذافي” في 2011، على غرار دعم حكومة الوفاق جويا في حربها على تنظيم “الدولة الإسلامية”، في منطقة سرت (450 كلم شرق طرابلس).
وتجنبت واشنطن التدخل في الصراع الداخلي بين الفرقاء الليبيين، رغم أن الخارجية الأمريكية عارضت هجوم “حفتر” على طرابلس مع بدايته في 4 أبريل/ نيسان الماضي.
لكن اتصال الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، هاتفيا بـ”حفتر”، بعد أيام من إطلاق عمليته العسكرية، أثار الجدل بشأن الموقف الأمريكي الرسمي من العملية العسكرية التي أطلقها قائد القوات القادمة من الشرق الليبي.
تواتر المعلومات التي تحدثت عن مشاركة عشرات وربما مئات من مرتزقة شركة “فاغنر” في القتال داخل ليبيا، يبدو أنه استثار انتباه صانعي القرار في واشنطن، خاصة وأن روسيا طالما عملت على ملء أي فراغ تتركه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على غرار ما وقع في سوريا.
لكن ما زال غير واضح حجم الدعم الذي ستقدمه واشنطن لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، سواء دبلوماسيا أو عسكريا، وأقله دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد، والضغط على الدول الداعمة لـ”حفتر”، وعلى رأسها فرنسا ومصر والإمارات، لوقف تدخلها العسكري في ليبيا.
ولحد الآن لم يأخذ “حفتر”، على محمل الجد الدعوة الأمريكية لوقف هجومه على طرابلس، بل إن المعارك على أشدها، وفي أغلب المحاور والجبهات.
“الوفاق” تتهم.. وروسيا تنفي
بعد توارد عدة تقارير إعلامية غربية عن مشاركة عشرات من “فاغنر” في الحرب، نفى نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي ريابكوف”، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أنباء عن وجود مرتزقة روس في ليبيا، مؤكدا أنه “لا دليل عليها”.
لكن وزير داخلية الوفاق “فتحي باشاغا”، أوضح لوكالة “بلومبيرج”، قبل مغادرته إلى واشنطن رفقة وزير الخارجية “محمد الطاهر سيالة”، أن “الروس تدخلوا لصب الزيت على النار، وتأجيج الأزمة بدلا من إيجاد حل لها”.
بل اتهم “باشاغا”، موسكو، بأنها تطمح لإعادة السلطة إلى “فلول نظام معمر القذافي، وتعزيز نفوذها في إفريقيا والجناح الجنوبي من أوروبا”، في إشارة إلى رغبة روسيا في إقامة قاعدة بحرية عسكرية في ليبيا جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة حلف شمال الأطلسي من الجنوب، ردا على الدرع الصاروخية للناتو، فضلا عن دعمها لتولي “سيف الإسلام القذافي” رئاسة ليبيا مستقبلا.
“أسامة الجويلي”، أحد القادة البارزين في قوات حكومة الوفاق، أكد مشاركة مرتزقة “فاغنر” في القتال، وأنهم تمكنوا من قتل وإصابة عدد منهم، لكنهم لم يأسروا أي فرد منهم لحد الآن.
دول الجوار ضد أجندة “حفتر”
لم تجرِ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس المجاورة، كما تشتهي سفن “حفتر”، فأسوأ السيناريوهات بالنسبة إلى الأخير وقع، فـ”قيس سعيّد”، الرئيس الجديد لتونس، المعروف عنه أنه ليس من جناح “الثورات المضادة” في الوطن العربي.
كما أن حركة “النهضة” التونسية (إسلامية) فازت بالانتخابات البرلمانية، وانتخب رئيسها “راشد الغنوشي”، على رأس البرلمان، وإليها أوكل رئيس البلاد، مهمة اختيار رئيس الحكومة.
فالأحزاب التونسية المؤيدة لثورات الربيع العربي، فازت بأغلبية المقاعد في البرلمان (النهضة 52، والتيار الديمقراطي 22، وائتلاف الكرامة 21، وحركة الشعب 15، وحزب الرحمة 4)، مقارنة بالأحزاب المحسوبة على النظام السابق بأوجهه المختلفة (قلب تونس 38، والدستوري الحر 17، وتحيا تونس 14، ومشروع تونس 4).
ولا شك أن تونس في ثوبها الجديد، ستكون أكثر دعما لحكومة الوفاق منها لـ”حفتر”، رغم أن “سعيّد”، قال قبل انتخابه رئيسا للبلاد، إنه سيستقبل كل الأطراف الليبية “من أجل وضع حد للوضع المتأزم، ولكي يتمكن الشعب الليبي من تقرير مصيره بنفسه”.
كما أن التطورات الأخيرة في السودان، واختيار رئيس حكومة تكنوقراطي، ومجلس سيادي مناصفة بين المدنيين والعسكريين، في انتظار انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، لا يخدم أجندة “حفتر”، الذي يعتبر امتدادا للأنظمة العربية التي لا تؤمن بحق الشعوب في انتخاب حكامها بحرية، إلا في إطار شكلي ومحسوم مسبقا.
وقد تصب الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ضمن الموجة الجديدة للتحول الديمقراطي في المنطقة، خاصة وأنها المرة الأولى منذ استقلال البلاد في 1962، التي لا يعرف فيها الرئيس القادم مسبقا، رغم أن الجزائر لديها تقاليد وثوابت في السياسة الخارجية تبنى على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن استقرار الأوضاع السياسية بها سيزيد الضغط الدبلوماسي على “حفتر” وحلفائه.
وهذا التحول في دول الجوار العربي لليبيا، يصب في مصلحة حكومة الوفاق الوطني بطرابلس، الداعية لانتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد تفضي إلى حكومة مدنية، تكون المؤسسة العسكرية خاضعة لها، مع رفضها مشروع الحكم العسكري الذي يمثله حفتر وحلفاؤه.
مؤتمر برلين
ما زالت ألمانيا، وطوال أسابيع طويلة منذ إعلانها عقد مؤتمر لحل الأزمة الليبية، عاجزة عن تحديد تاريخ لانعقاده، ولا حتى تحديد الدول المعنية بحضوره، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت إليها بشأن قائمة المدعوين، التي أقصيت منها ليبيا ودول من جوارها العربي (الجزائر وتونس والسودان)، ناهيك عن تباين مواقف الدول الفاعلة بشأن رؤيتها لحل الأزمة.
حيث نقلت وسائل إعلام عن مصدر دبلوماسي ألماني، أن مؤتمر برلين يشهد تنسيقا على مستوى دول “5+5” التي تنقسم إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) إضافة إلى دول أخرى منها إيطاليا ومصر وتركيا وألمانيا.
وتأجل مؤتمر برلين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتتحدث أوساط إعلامية عن إجرائه في ديسمبر/كانون الأول المقبل، دون أن يتم إعلان تاريخ رسمي لانعقاده.
الموقف الميداني
خلال الأسابيع الأخيرة، كثفت قوات “حفتر” هجماتها على جميع محاور القتال، لكنها ركزت هجماتها على مدينة العزيزية (45 كلم جنوب طرابلس)، مركز منطقة ورشفانة الواقعة بين طرابلس ومدينة “غريان” الجبلية (100 كلم جنوب العاصمة)، كما زعمت سيطرتها على منطقة الهيرة، على الطريق الرابط بين العزيزية وغريان.
وتشهد منطقتا السبيعة وسوق الخميس امسيحل (50 كلم جنوب طرابلس)، معارك شرسة بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق، خاصة أن البلدتين واقعتان على خط الإمدادات الرئيسي الرابط بين ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) ومطار طرابلس القديم (25 كلم جنوب وسط العاصمة)، وتحاول قوات “حفتر” السيطرة على البلدتين الاستراتيجيتين لفتح خطوط الإمداد نحو الجبهات المتقدمة جنوبي طرابلس.
وينتشر مرتزقة “فاغنر” في هذه المنطقة الممتدة من السبيعة شرقا إلى العزيزية غربا، ومن بلدة سوق السبت شمالا إلى منطقة الهيرة جنوبا، والتي تعتبر الجبهة الخلفية للمعارك الرئيسية جنوبي طرابلس، حيث تشارك هذه المجموعات في التخطيط والقصف المدفعي وتوجيه الطائرات من دون طيار.
من جهتها تخوض قوات المنطقة الغربية بقيادة “أسامة الجويلي”، التابعة لحكومة الوفاق، معارك عنيفة ومصيرية في هذه المنطقة، خصوصا مع تكثيف قوات حفتر لقصفها الجوي، الأمر الذي دفع “الجويلي” إلى التهديد باقتحام قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب شرق طرابلس) على الرغم من تكلفته الباهظة اجتماعيا، إذا زاد الخطر القادم منها.
وفي الجبهة الأمامية للقتال، شنت قوات “حفتر” هجمات على مختلف المحاور الرئيسية، على غرار خلة الفرجان، وعين زارة، ووادي الربيع، والزطارنة، والخلة (خلة عون)، والخلاطات، ومشروع الهضبة، وتمكنت من التقدم لكنها جوبهت بمقاومة ضارية، ما دفعها قليلا إلى الوراء.
لكن عناصر مليشيات “حفتر”، تمكنت من التسرب للمرة الثانية، إلى الطريق الساحلي على مستوى مدينة القره بوللي (45 كلم شرق طرابلس) وقتل 3 مدنيين من عائلة واحدة تقطن بمدينة مصراتة (200 كلم طرابلس)، إلا أن قوات الوفاق أعلنت سيطرتها على الطريق الاستراتيجي وسد الثغرة.