فجر السادس والعشرين من مارس 2015، تدخّلت المملكة العربية السعودية وعدد من الدول العربية في الحرب التي اندلعت بين المتمردين الحوثيين وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، منذ انقلاب المليشيات وسيطرتها على صنعاء في سبتمبر 2014م.
الحرب التي قال الأمير السعودي محمد بن سلمان في إحدى لقاءاته التلفزيونية أنها ستستمر أسابيع أو شهوراً كأكثر تقدير طالت كثيراً، ويفصلها الآن عدة أشهر لبلوغها خمسة أعوام كاملة، دون أي أمل في أي حسم عسكري لأي طرف.
إلا أن التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية والإقليمية خلال الأشهر القليلة الماضية وما تبعها من مستجدات إضافية في الأسابيع الأخيرة تؤكد بأن الحرب في اليمن قد دخلت طوراً جديداً ومختلفاً تماماً عن السنوات الخمس التي مرت على اليمن منذ انطلاق العاصفة.
ولعل أبرزها الضربات الصاروخية التي استهدفت مقر وزارة الدفاع بمحافظة مارب، حيث بات المقر هدفاً معتاداً لهجمات صاروخية مركزة منذ أسبوعين، الأمر الذي حدا بكثير من المراقبين لدق ناقوس الخطر إزاء ما يدور في الخفاء ضد الحكومة الشرعية والجيش الوطني.
ويقع مقر الوزارة في معسكر صحن الجن شرقي المدينة.
آخر الهجمات وقعت صباح اليوم الأربعاء، حين انفجر صاروخ كاتيوشا بالمعسكر، وقتل على إثره قائد عسكري رفيع وأربعة جنود. واستهدف الهجوم مقر العمليات المشتركة التابعة للجيش داخل المعسكر.
وكان ذات المعسكر قد تعرض في أواخر أكتوبر المنصرم لضربة صاروخية مجهولة المصدر، أثناء اجتماع لقيادة الجيش الوطني بمقر وزارة الدفاع، وقتل على إثرها جنديان، أحدهما سائق وزير الدفاع، اللواء الركن محمد المقدشي.
وأمس الاثنين قال مصدر عسكري إن التحقيقات الأولية في الهجوم الصاروخي الذي استهدف مقر الوزارة، أظهرت أن الهجوم تم بصاروخ أمريكي متطور، بحسب معلومات نشرتها وكالة شينخوا الصينية، مرجحاً أن تكون الضربة من مقاتلة جوية، ما حدا بمراقبين إلى توجيه أصابع الاتهام صوب السعودية والإمارات، في ظل سيطرتهما المطلقة على سماء اليمن.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
انطلقت الحرب في اليمن بين طرفين متصارعين فقط، هما: الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وتتلقى إسناداً من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وعلى الجانب الآخر مليشيات التمرد الحوثية المدعومة من إيران.
أول الاختراقات في هذا المشهد حدث في أغسطس الماضي، عقب انقلاب نفذته مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي وبإيعاز من الإمارات ضد الحكومة اليمنية في عدن. وبعد معارك بين الطرفين كادت تنتهي بإنهاء الانقلاب في مهده قادت السعودية حواراً بين الطرفين، وأفضى في الخامس من نوفمير الجاري إلى توقيع اتفاقية شراكة بين الحكومة والانتقالي، عرفت بـ “اتفاقية الرياض”.
وصف كثير من المراقبين، ومن ضمنهم خبراء مجموعة أوراسيا الدولية لاستشارات المخاطر السياسية، هذه الاتفاقية بأنها انقلاب سياسي على شرعية الحكومة اليمنية، وبمباركة من الرياض.
الأمر لم ينتهي عند المساس بقدسية وشرعية الحكومة اليمنية، والتي وجدت نفسها مجبرة على التوقيع على اتفاق يعطي شرعية لمن انقلب عليها، بل تعداه إلى مستويات أعمق وأخطر، حينما بدأت صحف غربية وعربية تسريب معلومات عن مشاورات وتفاهمات ” في الخفاء ” بين السعودية والحوثيين.
وفي هذا الصدد كشفت “وال ستريت جورنال”، وهي صحيفة أميركية مرموقة، معلومات سرية تفيد برغبة الرياض فتح قنوات التواصل مع الحوثيين. ونشرت هذه المعلومات في 8 أغسطس الماضي، في تزامن غريب مع انطلاقة الانقلاب الذي قاده الإنفصاليون ضد القوات الحكومية في عدن.
توالت بعد ذلك التسريبات وسط صمت سعودي حتى صعق الجميع في الداخل والخارج بزيارة جريئة قام بها نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان (نجل الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز) إلى العاصمة العمانية مسقط.
التسريبات التي ظلت لأشهر مجرد تكهنات أصبحت واقعاً، حيث أكدت وكالة أسوشييتد برس أن السعودية أجرت في مسقط مشاورات مع الحوثيين وبوساطة عمانية.
وفد حوثي في الرياض
ولأن الدخان لا يتصاعد دون نشوب النار، بحسب تعبير ناشطين، فقد كشفت قناة بلقيس عن وصول وفد حوثي إلى الرياض وإجراء محادثات مستفيضة مع القيادة السعودية قبل نحو شهر من اليوم.
وبحسب مصادر بلقيس، فإن الوفد الحوثي الذي وصل الرياض يتكون من 8 أعضاء برئاسة اسماعيل الوزير وحسين العزي وأحمد الكحلاني، ويقيم منذ وصوله في فندق الريتز كارلتون الشهير.
وقالت المصادر أن الحوثيين أكدوا للمملكة التزامهم بتأمين الحدود ووقف استهداف المنشآت السعودية في مقابل وقف المملكة شن غاراتها على مواقعهم.
ولفتت أيضاً إلى إبداء المملكة استعدادها لدعم الحوثيين في مقابل وقف علاقتهم بإيران.
طي صفحة هادي وتفتيت الجيش.. مصلحة مشتركة
يقول مراقبون أن المشاورات المكثفة مؤخراً بين الرياض والحوثيين تعني أن الطرفين بدءا في التفكير بشكل جدي في “بلورة مصالح مشتركة” وتجاوز الصراع الذي استمر بينهما لأعوام.
ويشيرون إلى أن السعودية بقبولها فتح قنوات تواصل مع الحوثيين “أطلقت النار على قدميها” قبل أن تطلقه في جسد الحكومة الشرعية، التي يفترض أنها تدخلت في الحرب لإسنادها ضد الحوثيين.
وبحسب المراقبين، فإن أي صيغة حل سعودي حوثي لابد أن تسبقها ترتيبات جوهرية لتجاوز مصاعب وعراقيل قد تفشل الاتفاق، لعل أبرزها وأكثرها تحدياً الجيش الوطني اليمني، والذي يدين بالولاء للحكومة الشرعية ويبسط سيطرته على الجزء الأكبر من جغرافيا اليمن.
ويرى المراقبون أن بقاء الجيش الوطني قوياً كما هو الواقع حالياً سيحول دون تجاوز الرياض للحكومة الشرعية، وبالتالي فإنه سيتحتم عليها تفتيت وإضعاف هذه القوة الضاربة بأي طريقة كانت.
وفي هذا الصدد قال الصحفي عامر الدميني: هناك استهداف لمارب والجيش فيها ومحاولات للإجهاز على قيادته من خلاله استهدافه لمرتين متتاليتين بذات الطريقة والصواريخ. جهات كثيرة مستفيدة من القضاء على هذا الجيش، وليس من المستبعد أن يكون هذا الاستهداف ضمن ترتيبات المرحلة الجديدة.
وإن صحت هذه التكهنات فإن هذا يعني أن الرياض في طريقها لطي صفحة الرئيس هادي.
هذه النقطة تحديداً ساقتها “بلقيس”، حيث قالت أن وفد الحوثي بالرياض والقيادة السعودية توافقا على ضرورة “طي صفحة هادي” للمضي قدماً في محادثات التهدئة بينهما.
أما سبب التغير في الموقف السعودي من حرب اليمنيين ضد الكهنوت فيرجعه غربيون إلى شعور السعودية بمرارة الخذلان من أمريكا بعد الهجمات الصاروخية التي نفذتها إيران ضد منشآت “ارامكو” في سبتمبر الماضي.
وهذا ما صرح عنه تقرير حديث لمجموعة “أوراسيا” البحثية، حيث أكد التقرير أن قيادة السعودية ومنذ هجوم أرامكو بدأت تتخذ “موقفًا براغماتيًا متزايدًا بشأن مسائل السياسة الخارجية الإقليمية، وأهمها حربها في اليمن”. مشيراً بأن الرياض ترى أن السلام مع الحوثيين أصبح “ضرورة ملحة” في الفترة المقبلة.