على خطى “الكهنوت”: مساعٍ يقودها الإنفصاليون لتحريف المنهج الدراسي.. لماذا؟ (تقرير خاص)

Editor24 أكتوبر 2019
على خطى “الكهنوت”: مساعٍ يقودها الإنفصاليون لتحريف المنهج الدراسي.. لماذا؟ (تقرير خاص)

كشف المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، اعتزامه إحداث تغييرات شاملة على المنهج الدراسي المعتمد من قبل وزارة التربية والتعليم.

 

جاء ذلك خلال اجتماع عقدته يوم الثلاثاء الفائت ما تسمى بـ “لجنة تنظيم وتنضيد المناهج الدراسية” المتفرعة من المجلس الانتقالي، برئاسة مساعد الأمين العام للمجلس، فضل الجعدي.

 

وأكد المجتمعون على ضرورة “تأسيس منهج جنوبي تربوي وتعليمي بعيدا عن السياسة، وخلق دروس جديدة تواكب الحاضر والمستقبل الذي ينشده الجنوبيين”، بحسب ما أورده الموقع الإليكتروني الرسمي للمجلس.

 

من جانبها، قالت القيادية في المجلس، منى با شراحيل، إن المناهج الدراسية الحالية تحوي “مغالطات تاريخية”، كما استعرضت “الإجراءات الممكنة لإيقاف تدريس بعض المواد واستبدالها بالمناسب لتاريخ الجنوب وثقافته وهويته”.

 

وأقر الاجتماع تشكيل لجان مُصغرة من الخبراء والتربويين، لحصر وتحديد ما وصفوها بـ “الدروس الدخيلة والمغلوطة والمبرمجة ليمننة الجنوب، واستبدالها بدروس تحمل الطابع والهوية والتاريخ الجنوبي وبما لا يخل بأهداف تدريس المادة وأهميتها، على أن تواصل اللجنة عقد اجتماعاتها اليومية خلال هذا الأسبوع”.

 

ويقول مراقبون أن هذه الخطوة التي يقودها الفصيل الجنوبي المنادي بالإنفصال “تستنخ” تجربة جماعة الحوثي لتعديل المناهج في مناطق الشمال اليمني، والتي قطعت أشواطاً عملية كبيرة في هذا الإطار.

 

وخلال العامين الماضيين، أجرت مليشيا الحوثي تعديلات كبيرة على المناهج التعليمية في عدد من المواد الدراسية، منها مادة الثقافة الإسلامية لطلاب الجامعات اليمنية، والتي أدخلت فيها الكثير من الدروس ذات الصبغة الطائفية المستنسخة من التجربة الإيرانية.

 

إدانة حكومية واستهجان مجتمعي

وأثارت هذه التحركات حفيظة الحكومة اليمنية الشرعية ومعها قطاع واسع من اليمنيين الذين رأوا في هذه التحركات تماهياً وتناغماُ مع المشروع الحوثي الرامي إلى تفخيخ الوعي المجتمعي بأفكار مسمومة.

 

واستهجنت وزارة التربية والتعليم، الأربعاء، سعي المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال إلى وضع تغييرات في المناهج الدراسية.

 

ونقلت وكالة الانباء الرسمية (سبأ) التي تديرها الحكومة، عن مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، قوله إن الوزارة “تابعت المساعي الخطيرة التي يقوم بها ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي بإعلانه الشروع في تغيير مناهج التعليم العام من خلال إقراره تعديل المناهج الدراسية وحذف بعض الدروس”.

 

وأضاف أن تبني الانتقالي “لمشروع تغيير المنهج الدراسي فإنه بذلك يشارك مليشيا الحوثي في تسميم عقل الطالب اليمني، ويساهم في التعدي على التعليم في اليمن بتضمينه الشعارات والأفكار الهدامة التي تؤسس لمزيد من الصراع بين أبناء الوطن الواحد”.

 

وأكد المصدر “رفض الوزارة بشكل قاطع تجاوزات ما يسمى بالمجلس الانتقالي وتعديه على حقوق التأليف للمناهج والتي هي ملك لوزارة التربية والتعليم في الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا ولا يحق لأياً كائن من كان التدخل في حقوقها”.

 

وأشار المصدر المسؤول إلى الخطر المحدق بجيل اليمن المستقبلي، لافتا إلى أن المليشيات المسلحة تسعى إلى غزو أدمغة الطلاب ليكونوا أدوات عنف لتحقيق أغراضهم دون مراعاة أو احترام لكل القوانين والمواثيق الدولية.

 

وضجّت عقب هذه الأنباء مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر كثير من الناشطين تعليقات وجهت سخرية لاذعة لقيادة الإنفصال، ننشر بعضها كما يلي:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تشابه في الهدف واختلاف في المحتوى

ويرى مراقبون ضالعون في المشهد المحلي أن الخطوة التي كشف الإنفصاليون اعتزام تطبيقها في مناطق سيطرتهم بالمحافظات اليمنية المحررة تتطابق في الأهداف والغايات بشكل كبير مع الأهداف التي تسعى جماعة الحوثي لتحقيقها من خلال تغيير المحتوى الدراسي الموجه بشكل أساسي لفئتي الأطفال والشباب.

 

وفي هذا الصدد قال الدكتور عبدالكريم السماوي: ” التعديلات المزمع أن يجريها الانتقالي والتعديلات التي قامت وتقوم بها جماعة الحوثي في مناطقها تخرج من مشكاة واحدة: مشكاة تجهيل الوعي المجتمعي”.

 

وأضاف في تصريحات خاصة لـ (عدن نيوز): ” يهدف الطرفان إلى تسميم الفكر للفرد اليمني بحيث يصبح هذا الفرد أكثر قابلية للانسياق وراء مشاريع ماضوية بائدة أو تمزيقية، معتقداً أنه يدافع عن قضية عادلة”.

 

وتابع: “الأهداف واحدة وإن كان محتوى التغييرات مختلفاً في صنعاء وعدن. ولا تقل خطورة إحداهما عن الأخرى، فالحوثي يسعى لتكريس وغرس مبدأ ولاية الفقيه وحق الجماعة المقدس في الحكم الأبدي، والإنتقالي يسعى إلى طمس وتجريف الهوية اليمنية الجامعة لكافة أطياف الشعب”.

 

من جانبه علّق الكاتب والروائي مروان الغفوري على تحركات (الانتقالي) لتغيير المنهج التعليمي، قائلا: ” في صنعاء شكل الحوثيون وزارة كاملة لإعادة هندسة مناهج التعليم الدراسية، مهمة اللجنة التأكيد على حقيقة أن اليمن بلدة هاشمية. وفي عدن شكل المجلس الانتقالي لجنة قالت إن مهمتها إعادة صياغة المناهج التعليمية ومقاومة يمننة الجنوب العربي”.

 

 

أدلجة مناطقية

تتهدد مناهج التربية والتعليم في المدن التي يسيطر عليها الحوثيون، مخاطر التطييف والتفخيخ المذهبي، في ظل توجهات جدية للجماعة لإجراء تعديلات جوهرية على المقررات المدرسية يجري التحذير منها.

 

في المقابل، فإن العاصمة المؤقتة عدن وعموم المحافظات اليمنية في الجنوب تتعرض، بحسب مراقبين، إلى مخاطر تزييف الوعي عبر غرس مفاهيم وأفكار مناطقية وتشطيرية تهدد بنسف النسيج المجتمعي الموحد، كما تضرب الهوية الوطنية الجامعة في الخاصرة.

 

وفي هذا الصدد قال السياسي وليد الأبارة، مدير عام الدراسات والبحوث بوزارة حقوق الإنسان، إن مليشيات الحوثي “وكترجمة لقوتها القاهرة في مناطق سيطرتها منذ الانقلاب ولكونها جماعة طائفية تؤمن بالاصفاء العرقي والأحقية في الحكم، استخدمت أقسى أنواع الإرهاب لإخضاع اليمنيين لسلطويتهم الغاشمة”.

 

وأضاف في تصريحات خاصة لـ (عدن نيوز): ” لجأ الكهنوت الحوثي إلى التعليم، حيث جرى ويجري تفخيخ المناهج التعليمية بتلك السرديات الهرطوقية تمهيدا لتحويلها لآيدولوجيا للطائفة والسلطة والمجتمع، كما أن الغاية الأخطر التي تقف خلف تغيير المناهج هو تمجيد الرموز المؤسِسة للعصبية الهاشمية وأسطرتها مقابل هدم وتحقير الأساطير المؤسسة للكيان الجمهوري الجمعي، وإقامة مجتمع شيعي أثنى عشري نقي كما يتوهمون”.

 

ودق الأبارة ناقوس الخطر إزاء ما وصفها بـ “الخطوة الجريئة والتصعيدية” للمجلس الانتقالي الجنوبي الهادفة لتعديل المنهج التعليمي، مؤكداً بأنها ” مؤشر على سعي المجلس الذهاب بعيدا في مشروعه الارتدادي التصادمي مع أغلب فئات المجتمع”.

 

وحول أسباب هذا التحرك قال الأبارة أن تلك الخطوة تهدف إلى ” تعزيز مشاعر الكراهية في صفوف الطلاب في المحافظات الجنوبية تجاه الوحدة، وتعبئتهم بالانفصال، وهي خطوة كارثية تمهد لانشطارات داخل الذات اليمنية والهوية، كما انها تعرض النسيج المجتمعي الواهن في الوقت الحالي للتمزيق علاوة إلى الأضرار التي لحقت به عقب حرب ٩٤ وما لحق بالاخوة في الجنوب حينها من تحريض وتعبئة مناطقية ومذهبية، بالإضافة إلى المشاعر الغاضبة التي صنعها الاجتياح الحوثي الصالحي للجنوب في الاعوام ٢٠١٤_٢٠١٥م”.

 

من جانبه أشار مستشار وزير الإعلام، مختار الرحبي، خلال تدوينة له – رصدها (عدن نيوز) في صفحته بمنصة (تويتر) – إلى سعي الحوثيين الدؤوب لتفخيخ عقول الجيل القادم بأفكار طائفية، في حين يسارع الإنفصاليون عبر المجلس الانتقالي في جنوب الوطن إلى غرس مفاهيم مناطقية في المنهج التعليمي.

 

 

التزييف.. غاية كل المليشيات

في سياق متصل، أشار الناشط والصحفي عبدالرقيب أحمد، إلى الطبيعة المليشياوية لكل الفصائل المسلحة التي تتمرد على سلطات الدولة وترفع السلاح بوجهها، ومحركاتها لاستهداف شريحة الطلاب بشكل رئيسي.

 

وفي حديث خاص مع (عدن نيوز) قال عبدالرقيب أن الغاية الجامعة لكل المليشيات وإن اختلفت مسمياتها أو انتماءاتها – مذهبياً أو سياسياً –  تتمحور حول “تزييف الوعي” وإفراغ عقول النشء والشباب من كل الأفكار التحررية الرافضة لكل التنظيمات المتمردة على الدولة.

 

وأضاف: “تفتقر المليشيات بشكل أساسي إلى الحجة القوية والقدرة على إقناع الفرد المتسلح بالوعي والمتحلل من كل العصبيات، فتجد نفسها محشورة في زاوية ضيقة في مواجهة الدولة وكذا في مواجهة المجتمع الرافض لها والمستعد للإنخراط في أية جهود مدنية أو عسكرية لمواجهتها”.

 

وتابع: “ولهذا فإن المليشيات تدرك خطورة ما يشكله الوعي عليها، وأن فرص بقاءها أو ديمومتها في مجتمع متسلح بالوعي تكاد تكون شبه منعدمة”.

 

وحول هذه الفكرة أيضاً تحدث المحلل السياسي عبدالرحمن النهاري، مشيراً بأن خطيئة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والمتمثلة في تجهيل أكبر قدر من أبناء الشعب خلال سنوات حكمه التي استمرت نحو 33 عاماً، قد أفضت إلى خروج الآفة الحوثية من كهوف مران صعدة واجتياحها مدن اليمن حتى إسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الأسود عام 2014م.

 

وقال النهاري أن المليشيات لا تمارس حرباً ضروساً مع حاضر اليمنيين فقط، بل تقوم بتلغيم مستقبلهم عبر محاولاتها المستميتة لتسميم عقول جيل الشباب بشكل أساسي، في محاولة لتفريخ جيل مدجّن ومنزوع من كل معاني الحرية والمساواة والكرامة، والتي تعد أهم مكتسبات ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والرابع عشر من أكتوبر 1963م.

 

ويرى وليد الأبارة أن التعليم في اليمن “لم يخلُ من التسييس والتمذهب” ، فجمهورية سبتمبر – بحسب رأيه –  نجحت سياسيا في الاطاحه بالأمامة، لكنها فشلت في بناء نظام تعليمي علمي يؤسس للمواطنة وحقوق الإنسان.. يعزز النقد ويشجع على التفكير وينمي الشعور والاعتزاز بالهوية الوطنية.

 

لافتاً إلى أن ” القوى داخل الصف الجمهوري فشلت في تحييد التعليم عن صراعاتها، وظل وما يزال التعليم ومؤسساته مجالا للتجاذبات وساحة للمناورات، الأمر الذي ساهم بعودة الإمامة شمالا وتنامي مشاعر الإنفصال جنوباً”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق