سعت دولة الإمارات، منذ تولي ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد زمام الحكم الفعلي بدل أخيه خليفة، الذي يقال إنه مريض، إلى التقرب من اللوبي الصهيوني الذي تمثله المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، وفي ذات الوقت رُفعت وتيرة العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى بلغت مستوى الإعلان والمجاهرة.
تأتي هذه الممارسات في محاولة لترويج صورة مثالية عن التسامح الديني في الإمارات مع أتباع الأديان، وهو تسامح لا يشمل مواطني الدولة أو المقيمين على أراضيها إذا تعلق الأمر بحرية الرأي والتعبير أو نقد السياسات الداخلية والخارجية للدولة، بحسب تقارير حقوقية، حيث سجلت منظمات سحب جنسيات من مواطنين، وطرد مقيمين، دون أسباب واضحة، وتغييب آخرين في معتقلات صحراوية شديدة الحراسة.
وتجري عملية التطبيع مع اللوبي الصهيوني عبر استقبال وفود لمنظمات يهودية وأخرى مسيحية يمينية.
وخلال حدث استضافته “رابطة مكافحة التشهير اليهودية”، وسفارة الإمارات في واشنطن حول ما يسمى “تسامح الأديان”، أُعلن تعيين أول حاخام في الإمارات هو يهدوا سارنا، وهو رجل دين إسرائيلي يعمل في جامعة نيويورك، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية، في مايو الماضي.
وقال سارنا، في مقابلة مع الصحيفة: إنّ “هناك مئات اليهود في الإمارات من جميع أنحاء العالم، وما نراه اليوم هو أول ظهور لأول مجتمع يهودي جديد ناشئ في العالم العربي منذ قرون”.
الكشف عن كنيس سري
واستغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي فرصة الإعلان عن وضع حجر الأساس لأول معبد هندوسي في الخليج للكشف عن وجود كنيس يهودي في دبي، بعد أن ظل سرياً طوال السنوات الماضية.
وبارك حساب على “تويتر” يحمل اسم “إسرائيل في الخليج”، وهو أحد حسابات الخارجية الإسرائيلية، خطوة الإمارات بفتح معبد للهندوس، مؤكداً أن حكومة أبوظبي توجت ذلك بوجود كنيس لليهود بمدينة دبي.
وكانت القناة العبرية الثانية ذكرت، في ديسمبر 2018، أن إمارة دبي تحتضن كنيساً سرياً لليهود، بموافقة من السلطات التي أشرفت عليه على مدار ثلاث سنوات.
الجديد في الأمر أن هذا الإعلان الرسمي كان الأول من نوعه، والذي يأتي من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي وليس من طرف نظام الحكم في الإمارات، الذي احتفى بافتتاح المعبد الهندوسي بشكل رسمي، فلماذا لا يتم الاحتفاء بالمعبد اليهودي كذلك؟
هذا السؤال أجاب عنه محمد ناصر الحسني، الناشط الحقوقي في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، بالقول: إن “الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية تدرك تماماً أنها غير قادرة على مواجهة شعوبها بالتطبيع مع دولة الاحتلال بأي شكل من الأشكال، والدليل على ذلك أن 40 عاماً مضت على توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر ودولة الاحتلال، ولا يزال مواطنوها غير قادرين على التجول في مصر دون حراسة”.
وأضاف الحسني في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “الكنيس اليهودي الذي أقيم بحماية دولة الإمارات وبدعم حكومة دبي بقي سرياً منذ تأسيسه ولا يزال كذلك؛ لسبب بسيط أن القائمين عليه يدركون أن الشارع في البلدان الإسلامية يرفضهم حتى مع تطبيع الحكومات، وأنه غير قادر على حمايتهم مهما بلغت تلك الدول من القوة البوليسية الجبارة”.
يذكر أن موقع “ذي تايمز أوف إسرائيل” نشر تحقيقاً على موقعه باللغة العربية عن الكنيس، في 7 ديسمبر 2018، ذكر فيه أن القائمين عليه حرصوا، منذ تأسيسه، على السرية، حيث إن المكان ليس موجوداً على قائمة مواقع السفر اليهودية، ولا يوجد له موقع إنترنت خاص، ولا يذكر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعلم عنه الزوار عن طريق المشاركة الشفهية من معارفهم، ويُعطى العنوان للأشخاص بعد مراجعه وفحص دقيق.
وأشار الموقع إلى أن الجماعات اليهودية، ومن ضمن ذلك “اللجنة اليهودية الأمريكية”، ومركز “سيمون فيزنتال”، جلبوا وفوداً كبيرة إلى الجالية في الإمارات، لكن الزائرين يأتون في الخفاء إلى الكنيس، كما يفعل المقيمون من اليهود من تجار ورجال أعمال.
وتابع التحقيق الذي أعدته الصحفية ميريام هرشلاغ، أن محمد العبار، رئيس مجلس إدارة “إعمار العقارية”، إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في العالم، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بحكومة الإمارات، قام برعاية الكنيس والمجتمع اليهودي، مشيراً إلى أن رعاية عملاق التجارة الإماراتي تتيح للزائرين القليل من الأمن، ورغم ذلك يتخذ السكان اليهود الحيطة والحذر في المدينة والدولة الإسلامية، التي طالما اعتبرت “إسرائيل” عدواً.
تسامح لا يشمل المسلمين
شعار التسامح ساق قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى العاصمة أبوظبي، وآخرهم وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، الذي زار أبوظبي، مطلع شهر يوليو الجاري، حيث بحث مبادرة حول إطلاق تعاون إسرائيلي خليجي اقتصادي، إضافة إلى قضية إيران.
وانتشرت صورة للوزير الإسرائيلي في مسجد الشيخ زايد، أكبر مساجد الدولة، خلال وجوده في أبوظبي، وهو المسجد الذي سبق أن زاره عدد من المسؤولين الإسرائيليين.
ونقلت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة خارجية الاحتلال، عن الوزير كاتس، قوله: “أنا متحمس للتواجد في أبوظبي لتمثيل مصالح دولة إسرائيل مع دول الخليج”.
الشيخ عمار الحديدي عمل إماماً وخطيباً بجامع “الكوثر” في العاصمة الإماراتية أبوظبي، لمدة تزيد على 10 أعوام، تلقى أمراً من السلطات الإماراتية، نهاية عام 2017، بضرورة مغادرة البلاد خلال 15 يوماً بعد إلغاء إقامته دون سبب أو سابق إنذار.
يقول الحديدي لـ”الخليج أونلاين”: إن “إلغاء إقامتي جاء بعد أن سألني شخص عن الإخوان المسلمين وهل هم كفار أم لا، وكان من الطبيعي أن أجيب بما يمليه علي ضميري وأمانة العلم، فأنا ورغم أني لست من الإخوان فإنني لا أقول فيهم ما يغضب الله تعالى ويرضي السلطة”.
وأضاف: “علمت لاحقاً من أحد المشايخ أن السائل كان عنصراً من المخابرات الإماراتية، وأن كل أئمة المساجد في البلاد تعرضوا لهذا الاختبار، وتم إلغاء إقامة وعقود من لم يفتِ بحسب توجهات الدولة”.
وتابع الشيخ الحديدي حديثه لـ”الخليج أونلاين” بالقول: إن “شعار التسامح أكذوبة كبيرة الهدف منها تمرير أجندات مشبوهة إلى البلاد؛ ففي عام 2017 تم إقرار قانون يكرس السيطرة الأمنية على المساجد، ويستهدف أي نشاط دعوي فيها، وتم وضع نظام مراقبة صارم لتتبع المصلين مع عدد لا يحصى من الجواسيس”.
وأشار إلى أن “الدولة فرضت تعيين اتباع منهج التصوف في أغلب المساجد، منذ تولي محمد بن زايد زمام الأمور، حتى المكتبات في المساجد تراقَب، ولا يسمح بغير كتب التصوف فيها”.
واستدرك قائلاً: “التسامح الإماراتي موجه للهندوس والمسيحيين واليهود، ولا يشمل المسلمين الذين يعد الخلاف بين مذاهبهم ومدارسهم من عناصر القوة والتنوع والتسامح الذي أقره الإسلام كمنهج للحياة”.
وكانت الإمارات قد وضعت حجر الأساس لأول معبد هندوسي بالخليج العربي، في أبريل الماضي، في مراسم رسمية بالعاصمة أبوظبي، حضرها وزراء ومسؤولون، حسب وكالة الأنباء الرسمية.
وأثارت هذه الخطوة استغراب المراقبين ونشطاء التواصل الاجتماعي، معتبرين أن التسامح المزعوم يعكس تناقض الإمارات التي لا تتسامح مع جيرانها، فهي تحاصر دولة قطر، وقامت بطرد الطلاب القطريين من جامعاتها، رغم أن خلافها مع الحكومة القطرية وليس مع الشعب، حسبما تعلن في وسائل إعلامها، كما أنها منعت تواصل الأقارب وأبناء القبائل على طرفي الحدود.
وتساءل النشطاء عن “التسامح” وسبب غيابه في حرب اليمن، وفي التعامل مع الشعب اليمني الذي مزقته أموال الإمارات التي مولت المليشيات وضربت أبناء الشعب الواحد بعضه ببعض.