تحليل.. لماذا تزامن تفجير الوضع في مأرب مع انسحاب الإمارات من اليمن؟

محرر 213 يوليو 2019
تحليل.. لماذا تزامن تفجير الوضع في مأرب مع انسحاب الإمارات من اليمن؟

الفوضى الأمنية التي شهدتها مأرب (شمالي اليمن) مؤخرا تزامنت مع إعلان الإمارات انسحابها من المدينة، ما جعل مراقبين يربطون بين الحدثين، ويتهمون أبوظبي بدعم تلك الفوضى والسعي لتفجير الوضع في المدينة التي تعتبرها الإمارات المحضن الأكبر لحزب الإصلاح الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

التوتر الأمني الذي شهدته المدينة كان جراء مواجهات مسلحة بين قوات الأمن ومسلحين قبليين خارجين عن القانون جنوبي المدينة.

الأجهزة الأمنية أطلقت حملة للقبض على مطلوبين متورطين بمقتل وإصابة عدد من جنود القوات الخاصة في نقطة تفتيش عسكرية بمأرب، إلا أن عناصر مسلحة من قبائل الأشراف متهمة بولائها للحوثيين، قامت بالتحشيد ومواجهة تلك الحملة.

الحملة فجرت الوضع عسكريا وتم إطلاق النار من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، على القوات الأمنية والعسكرية، ما تسبب في توسع الاشتباكات، ما أسفر عن  مقتل نائب مدير الأمن مجاهد الشريف وإصابة عدد آخر من الجنود.

تنسيق حوثي إماراتي

العناصر المطلوبة أمنيا تنتمي إلى قبيلة الأشراف، المتهمة بولائها للحوثيين، وتزامنت الفوضى مع عدة صواريخ كاتيوشا أطلقها الحوثيون على مدينة مأرب التي يقطنها أكثر من مليون ونصف نازح.

كما أن صاروخا استهدف بيت محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، وذلك بعد سحب الإمارات منظومة الدفاع الصاروخي، ما جعل مراقبين يؤكدون على جود تنسيق حوثي إماراتي يسعى لتقويض السلطة الشرعية في مأرب.

تقارير إعلامية تحدثت عن مستويات من التنسيق بين أبو ظبي والحوثيين عن طريق المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والمؤيد من قبل الحوثيين.

المتحدث الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام أدلى بتصريح لقناة سبوتنيك الروسية قال فيه إن الحوثيين يؤيدون تحركات المجلس الانتقالي الهادفة لطرد حكومة الرئيس هادي من مدينة عدن.

وأضاف الناطق باسم الجماعة أن الحوثيين يتابعون عن كثب التطورات الأخيرة في عدن ويؤيدون توجهات المجلس الانتقالي، وحرض عبد السلام الجنوبيين في حديثه على حكومة الرئيس هادي وحثهم على الانتفاض ضده.

يلاحظ أن الطائرات الحوثية المسيرة التي تستهدف العمق السعودي، لم تضرب حتى الآن أهدافا إماراتية، مع أن أبوظبي شريك للرياض في التحالف، ما يشير إلى مستويات معينة من التفاهمات بين الحوثيين والإماراتيين.

حسب مراقبين، فإن الإمارات والحوثيين تجمعهما نقطتان أساسيتان، فكلاهما يقف على الضد من شرعية هادي وكلاهما له موقف ضد حزب الإصلاح، وبالتالي فتنسيقاتهما تأتي في إطار تقويض عمل السلطة الشرعية، وكذلك توحيد الخطاب ضد حزب الإصلاح الذي يملك حاضنة شعبية واسعة في مأرب على وجه الخصوص.

أسطوانة مشروخة

رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن ورئيس الحكومة أكدوا وقوفهم بجانب السلطة المحلية في بسط سيادة القانون والأمن وملاحقة الخلايا الحوثية النائمة التي حاولت تفجير الوضع عسكريا في مدينة مأرب.

محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة أعلن في تصريح صحفي أن الدولة لا تستهدف أسرة أو قبيلة، وأن المستهدف من الحملة الأمنية هو فقط من يقوّض الأمن ويقتل الأبرياء والجنود في الطرقات.

وسائل إعلام إماراتية تدعي وقوفها مع السلطة الشرعية، وكذلك وسائل إعلام حزب المؤتمر جناح نجل صالح سعت لتصوير ذلك التمرد بأنه صراع بين حزب الإصلاح وقبائل من مأرب.

جريدة الوطن الإماراتية نشرت خبرا بعنوان (القبائل تستغيث جراء جرائم “إخوان اليمن” في مأرب) قالت فيه، إن ميليشيات تابعة لـ”إخوان اليمن الإرهابية” ارتكبت مجازر بحق مدنيين في المحافظة.

قناة “اليمن اليوم” التابعة لنجل صالح التي تمولها الإمارات وتبث من القاهرة، قالت إنها معركة الإصلاح مع قبائل مأرب، وأبدت انزعاجها من الأصوات التي تطالب بإنهاء مشاركة الإمارات في اليمن.

تصريحات جماعة الحوثي حرصت على إخراج مشهد الفوضى الأمنية في صورة صراع بين حزب الإصلاح وقبائل مأرب. يقول الكاتب والصحفي شاكر خالد، لـ “الاستقلال”: تلك الثلاثية (الإمارات، الحوثيون، حزب المؤتمر جناح نجل صالح) تدل على مستويات من التنسيق في إخراج الفوضى والتمرد في المدينة بهذا الشكل”.

خالد تسائل ماذا يمكن أن نفهم من  تمرد عناصر موالية للحوثيين تزامنا مع صواريخ حوثية على مأرب وتصعيد إعلامي إماراتي ومؤتمري، غير أن هناك جهودا لزعزعة أمن واستقرار مأرب المحضن الرئيسي لكل الفارين من سطوة الميلشيا الحوثية.

في الوقت الذي كان الحوثي يقوم بالانقلاب، ابتداء من عمران، كان بعض السياسيين يصدرون المشهد للآخرين ويصورونه كصراع بين قوى سياسية، أو بين قوى قبلية، وليس بين الدولة وجماعة انقلابية، وكانت النتيجة أن تفرج الجميع على انقلاب الدولة.

وفي كل فوضى أمنية يفتعلها موالون للإمارات أو للحوثيين ضد قوات الأمن التابعة للشرعية، يتم تصوير الصراع على أنه صراع بين حزب الإصلاح وفصائل مسلحة، وهو ذات الخطأ الذي يتم تكراره في توصيف ذلك التمرد، والتعامل معه.

الكاتب الصحفي أسامة عادل يعتقد أن “تصوير تمرد الميلشيا الحوثية على الدولة على أنه صراع بين حزب الإصلاح وتلك الميلشيا كان السبب الرئيسي في نجاح الانقلاب على الدولة، حيث تفرج الجميع على تمرد الميلشيا في عمران، وهو أول خطوات الانقلاب على الدولة، وقالوا إن ما يحصل هو بين حركة دينية وميلشيا”.

عادل قال لـ “الاستقلال”: “في الحقيقة كان تمردا على أجهزة الدولة وعلى مؤسسات الدولة وعلى القوات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة، لكن الحقد أعماهم حتى آلت اليمن إلى ما آلت إليه”.

مضيفا: “أريد لتعز أيضا ذلك الإخراج حيث تم تصوير تمرد عناصر أمنية موالية للإمارات على الدولة ،على أنه صراع بين حزب الإصلاح ومطلوبين، وبالطبع هذه التخريجة ليست بريئة بل الهدف من ورائها تقويض حضور الدولة ووظيفتها، في مقابل دعم ميلشيا وعناصر مسلحة ومطلوبين يعملون لحساب الجهات التي تصوّر التمرد على أنه صراع بين حزب الإصلاح ومطلوبين أمنيا”.

المحلل السياسي ياسين التميمي قال لـ “الاستقلال”: “أرادت الإمارات أن تظهر مأرب مكشوفة بعد انسحابها، وفي نفس الوقت تريد أن تحقق رغبة فشلت في تحقيقها وهي الإطاحة بنفوذ السلطة الشرعية في مأرب، اعتقادا منها أن حزب الإصلاح هو المهيمن عليها”.

يضيف التميمي: “الإعلام الممول لتلك الفوضى كان واضحا في انحيازه للمتمردين، ومنه قناة (اليمن اليوم) التابعة لأحمد نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح المقيم في الإمارات”.

الكاتب والصحفي محمد اللطيفي، قال لـ”الاستقلال”: “طبيعة التحركات الإماراتية الأخيرة، تدلل على احتمالية حدوث تفاهم ضمني بين الإمارات ومليشيا الحوثي”.

مضيفا: “حدوث الانسحاب المفاجئ لقوات الإمارات وسحب صواريخها الدفاعية منها، وفي نفس الوقت إطلاق الحوثي صواريخه على منزل محافظ مأرب بالتزامن مع المواجهات بين الأمن وعناصر مسلحة مشتبه بتورطها في علاقة مع الحوثي، فضلا عن حملة إعلامية شنتها صحف إماراتية ضد مأرب، كل ذلك يشير إلى وجود لعبة كبيرة تحاك ضد مأرب، يمكن لأبوظبي أن تكون أحد أطرافها”.

اللطيفي تابع: “هذه اللعبة لا تستهدف مأرب فقط، بل هي جزء من خطة فوضى قادمة في اليمن، تستهدف المناطق الجنوبية، والانسحاب ما هو إلا غطاء لعدم تحميل أبوظبي مسؤولية تلك الفوضى، التي ستنفذها مليشيات الحزام والنخب، ولأن مأرب تشكّل قوة وطنية ضاربة شعبيا وعسكريا يمكن أن تساهم في إحباط هذه الفوضى، فمن صالحها دخول مأرب ماراثون الانفلات والفوضى والضعف”.

*الاستقلال

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق