قاسم مشترك بين الإمارات وإسرائيل، هو ما بات يشكل سياسة النظامين في إحكام السيطرة على الشرق الأوسط، وكبح جماح قوى التغيير التي تحاول تشكيل المنطقة بعيدا عن هيمنة أنظمة الاستبداد.
في إطار من تشابكات الاستقطابات السياسية والعسكرية، والتوغل في محيط المناطق الملغومة، مثل: اليمن وليبيا وسوريا، لجأت الإمارات إلى تشكيل شبكات تجسس عالية الدقة، واستهدفت كبار رجال السلطة والإعلام، بل وعملت على إسقاط أنظمة وعروش عبر تلك الخلايا المتوغلة.
في 5 يوليو/ تموز الجاري، أعلنت “الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية” الإماراتية، إطلاق مبادرة جديدة، للترحيب بزوار الدولة بشكل غير تقليدي، وذلك عبر تمكينهم من التواصل مع ذويهم منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها أقدامهم أرض الإمارات.
وتمثلت في تقديم شريحة اتصال مجانية لكل زائر تتضمن عددا من دقائق الاتصال الهاتفي وحزمة بيانات خلوية.
ووقعت الهيئة اتفاقية مع شركة “تيليكوم ناو” (Telecom Now) لتنفيذ هذه المبادرة، ووقعها من جانبها العقيد خميس محمد الكعبي المدير التنفيذي لقطاع الخدمات المساندة، ومن جانب الشركة شربل الليطاني الرئيس والمدير التنفيذي لها.
وحضر توقيع الاتفاقية اللواء سعيد راكان الراشدي المدير العام لشؤون الأجانب والمنافذ في الهيئة.
ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وما قبلها، عملت أبو ظبي على إنفاق ملايين الدولارات لشراء برامج التجسس على المواطنين والمقيمين على أراضيها، وتتنوع مصادر البرامج التي تسعى وراءها الإمارات، فكما تشتري برامج إسرائيلية فإنها تتعاون مع شركات بريطانية وألمانية وأمريكية متخصصة في هذا المجال.
بل وصل الأمر إلى قيام الإمارات بالتجسس على شخصيات بارزة، وملوك وأمراء، ورجال حكومات، كما فعلت مع أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، وسلطان عُمان قابوس بن سعيد آل سعيد، وذلك عبر استخدام تقنيات فائقة، وإنشاء شبكات تجسس نافذة في مفاصل الدول المعنية.
تقنيات صادمة
في سبتمبر/ آب 2018، نشر موقع “إمارات ليكس” تحقيقا كشف استخدام أبو ظبي تقنيات صادمة للتجسس على الوافدين إليها، وما يتخلله ذلك من انتهاكات ووقائع تعسفية ضد المئات منهم.
وصُدم الممثل والمخرج المسرحي السوداني، الرشيد أحمد عيسى، خلال زيارته إلى الإمارات قبل أيام بتوقيفه، وتوجيه تهمة التخابر لجهة أجنبية بعد أن تم التجسس على هاتفه المحمول.
ووصل عيسى إلى الإمارات بدعوة رسمية للمشاركة في افتتاح الدورة السادسة لمهرجان (كلباء للمسرحيات القصيرة)، إلا أنه قبل يومين من الافتتاح، تم استدعاؤه من جوازات إمارة الشارقة.
ولدى مقابلته للضابط المسؤول، قال له: “أنت مُبعد من البلاد، عليك أن تغادر خلال أسبوع، والآن ستذهب للتوقيف حتى يأتيك ضامن”.
وعندما سأل الرشيد عن السبب، قيل له: “نحن جهة تنفيذية فقط”.
لاحقا عرف عيسى أنه تم التجسس على هاتفه واستخدام مكالمة أجراها مع ممثل قطري، لتقديم عرض مسرحي في الدوحة، بغرض توجيه اتهام له بالتخابر لجهة أجنبية رغم عدم ثبوت أي شيء عليه.
وعكست الواقعة مدى القمع الذي تمارسه الإمارات، كما أنها كرست حدة التعامل البوليسي غير المسبوق الذي تمارسه الدولة، والتجسس بطرق غير قانونية على السياح الوافدين إليها.
وتفردت إمارة أبو ظبي بربط شبكات تجسس رقمية لتعقب تحركات الجميع، فأنشأت أنظمة مراقبة لا تستثني أحدا من أفراد ومؤسسات ومبان وشوارع، أشهرها نظام “عين الصقر”، الذي أعلنت عنه أبو ظبي، وأنفقت عليه بسخاء لترسيخ العبارة المتداولة “أنها باتت تملك بنية تحتية للتجسس في جميع أنحاء البلاد”.
وسبق أن تم إعلان إلزام جهاز أمن الدولة الإماراتي، فنادق دبي بتركيب كاميرات داخل غرف نوم الفنادق، وظيفتها التجسس على المقيمين والسياح ورصد كل أنشطتهم بما في ذلك حركتهم في الطرق والسيارات.
كما صرح نائب مدير مكافحة الجرائم الإلكترونية في إدارة البحث الجنائي بدبي الرائد سالم عبيد سالمين، قائلا: “سيقوم فريق من مكافحة الجرائم الإلكترونية بمراقبة كل من موقع تويتر وفيسبوك لمنع جرائم الإساءة والتشهير”، وذلك تحت ذريعة منع جرائم الإساءة والتشهير.
شركة إسرائيلية
في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، كشفت مصادر لدورية “إنتليجنس أونلاين” الاستخباراتية الفرنسية، أن شركة “فيرينت” الإسرائيلية أصبحت الشريك الرئيسي للإمارات العربية المتحدة في مجال أنظمة الاعتراضات “اعتراض البيانات المرسلة عبر الإنترنت”.
ووفقا للدورية الفرنسية، فازت “فيرينت” بمناقصة كبرى سرية مع الهيئة الإماراتية الوطنية للأمن الإلكتروني (نيسا)، والمؤسسة التابعة لها سيغنال إنتليجانس (سيجنت)، ووكالة المخابرات الإلكترونية.
وشملت الصفقة، التي بلغت قيمتها 150 مليون دولار، تنفيذ جميع عمليات الاعتراض التي طلبتها الحكومة الإماراتية.
وقد تأسست “فيرينت” عام 1994 في هرتسليا، بفلسطين المحتلة، ويقع مقرها اليوم في ملفيل، بولاية نيويورك الأمريكية، وهي مدرجة في بورصة ناسداك، ويرأس الشركة المؤسس المشارك، دان بودنر، المهندس السابق في الجيش الإسرائيلي.
وأشارت “إنتليجنس أونلاين” أنه وبعد فترة وجيزة من إنشائها، تعاقدت الوكالة مع قسم أنظمة الاستخبارات والمعلومات في مجموعة “رايثون الأمريكية”، ومنحتها عقدا رئيسيا للاندماج يتضمن بناء البنية التحتية للشبكة وبروتوكولات التفتيش وأنظمة البحث وصيانة مراكز البيانات.
وفي إشارة إلى موقف الإمارات المنافس تجاه جيرانها، طلب المسؤولون المشرفون على عقد نيسا من فيرينت عدم توظيف مهندسين أو فنيين من الدول العربية، وفضلوا توظيف أشخاص من أمريكا الشمالية وأوروبا بدلا من ذلك.
وتعاقدت السلطات الإماراتية مع الشركة الأمنية الإسرائيلية لتقوم بتأمين حماية مرافق النفط والغاز في الإمارات، وكذلك لإقامة شبكة مراقبة مدنية فريدة من نوعها على مستوى العالم في أبو ظبي، مما يعني أن “كل شخص سيخضع للرصد والرقابة من اللحظة التي يغادر فيها عتبة بابه إلى اللحظة التي يعود فيها إلى منزله”.
وفي 2 فبراير/ شباط 2018، قال تقرير لوكالة “بلومبرج” الاقتصادية: “إن دولا منها الإمارات استعانت بشركات التكنولوجيا والأمن الإسرائيلية تحت دعاوى الاستفادة من برامج كمبيوتر وتكنولوجيا لتصيد ومراقبة الإرهابيين، وأن الإمارات استعانت بشركة إسرائيلية لوضع برامج لمراقبة معارضيها”.
“كارما”
في فبراير/ شباط 2019، أكدت وكالة “رويترز” للأنباء “أن فريقا من ضباط المخابرات الأمريكية السابقين، اخترق هواتف ذكية وكمبيوترات خاصة بنشطاء ودبلوماسيين وزعماء أجانب من خصوم الإمارات وأفراد تحوم حولهم شبهات الإرهاب”.
وأفادت الوكالة بأن “هذه الحملة التي شنت لصالح الإمارات، تظهر كيف أن الأسلحة الإلكترونية فائقة الفاعلية بدأت تتسرب خارج القوى الكبرى وتصل إلى أيدي دول أصغر حيث تنقلب أداة لردع حقوق الإنسان”.
وبحسب تحقيق الوكالة البريطانية، ذكر عدد من الضباط السابقين أن “أداة التجسس المتطورة وتسمى (كارما) أتاحت اختراق أجهزة آيفون وحواسيب في عمليات نفذت لحساب الإمارات العربية المتحدة”، وهو ما ورد كذلك في وثائق برمجية اطلعت عليها وكالة “رويترز” للأنباء ونشرت حولها التحقيق.
وأوردت أنه “تمت مراقبة مئات الأهداف منذ بداية العام 2016 ومنهم أمير قطر ومسؤول تركي رفيع المستوى وناشطة يمنية في حقوق الإنسان حائزة على جائزة نوبل (توكل كرمان)”.
واستخدمت أداة “كارما” وحدة للعمليات الإلكترونية في أبو ظبي تضم مسؤولي أمن إماراتيين، وضباطا سابقين بالمخابرات الأمريكية، يعملون كمتعاقدين لصالح أجهزة المخابرات الإماراتية.
وفي عام 2017، على سبيل المثال، استخدم الضباط السابقون “كارما” لاختراق هاتف آيفون يستخدمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأجهزة مساعديه وشقيقه، وكذلك أجهزة يستخدمها محمد شيمشك النائب السابق لرئيس الوزراء في تركيا، ويوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان. ولم يتضح ما هي البيانات التي جرى الاستيلاء عليها من تلك الأجهزة.
وقال شيمشك، إن “اختراق هاتفه أمر مروع ومزعج للغاية”.
ويقول مسؤولون مخضرمون في مجال الحرب الإلكترونية لـ”رويترز” “إن الطلب يزداد بشكل كبير على أدوات مثل (كارما)، التي يمكن أن تخترق مئات من أجهزة آيفون في وقت واحد لتستولي على بيانات تتعلق بالموقع أو الصور أو الرسائل النصية”.
وقال مايكل دانيال مسؤول الأمن الإلكتروني في البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: إن “هناك حوالي عشر دول فقط يعتقد أنها قادرة على تطوير مثل تلك الأسلحة، منها روسيا والصين والولايات المتحدة وأقرب حلفائها”.
وقال باتريك واردل، الباحث السابق لدى وكالة الأمن الوطني والخبير الأمني لدى “أبل” إن “كارما وأدوات مشابهة تجعل الأجهزة الشخصية مثل آيفون (أسهل الأهداف)”.
إسقاط السلطان
في العام 2011 قامت دولة الإمارات بالتجسس على سلطنة عمان، حيث تم اكتشاف السلطات في مسقط، لخلية تجسس تتبع الإمارات اخترقت مواقع عليا في الدولة بهدف إسقاط السلطان قابوس، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم.
وأعلنت الحكومة العُمانية حينها تفكيك شبكة التجسس التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي، مشيرة إلى أنها كانت تستهدف نظام الحكم في البلاد، وآلية العمل الحكومي والعسكري في السلطنة.
وتدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، لاحتواء الأزمة التي كادت تفكك مجلس التعاون الخليجي حينها، عبر اصطحاب ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد إلى السلطنة وتقديمه اعتذارا مباشرا للسلطان قابوس.
ولكن الأزمة عادت لتطل برأسها من جديد، بعد أنباء تحدثت عن محاكمة خلية تجسس جديدة أمام القضاء العماني.
حيث كشف الصحفي العماني المختار الهنائي، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عن محاكمة خلية تضم مواطنين إماراتيين متهمة بالتجسس لحساب أبوظبي.
وقال الهنائي: “تواجدت اليوم 11 مارس 2019، في محكمة الجنايات بمسقط، والتي نظرت في قضية أمنية تورط فيها 5 أشخاص من دولة الإمارات بينهم ضباط، بالإضافة إلى متهمين عمانيين مدنيين”.
ويكشف إصرار أبوظبي على التجسس على جارتها حجم الأزمة التي تشوب العلاقة بينهما.
“مشروع ريفين”
في 1 أبريل/ نيسان 2019، كشفت وكالة “رويترز” للأنباء في تقرير لها عن برنامج تجسسي إماراتي تحت مسمى “مشروع ريفين”، ويقوم على تجنيد مجموعة من الخبراء السابقين في المخابرات الأمريكية، تعمل على اختراق والتجسس على هواتف شخصيات إعلامية عربية بارزة.
وبحسب التقرير، فإن الإمارات تجسست على كل من الإعلامي السوري فيصل القاسم والإعلامية اللبنانية جوزيل خوري، ورئيس “شبكة الجزيرة” القطرية الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، ومدير صحيفة “العرب” القطرية عبد الله العذبة، والمفكر الفلسطيني عزمي بشارة، إلى جانب عبد الرحمن الشيال المدير التنفيذي لصحيفة “العربي الجديد”.
وأكدت “رويترز” أن “المشروع الاستخباري التجسسي عمل تحت مسمى ريفين أو (الغراب) وضم 9 مجندين أمريكيين من خبراء التسلل الإلكتروني بهدف التجسس على منشقين ومتشددين ومعارضين سياسيين للأسرة الحاكمة بالإمارات، والعثور على أية معلومات تظهر الأسرة الحاكمة في قطر تؤثر على تغطية قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام المدعومة من الدوحة، وكشف أي علاقة بين الشبكة التلفزيونية وجماعة الإخوان المسلمين.
وقالت الوكالة البريطانية: إن “المشروع التجسسي الإماراتي ظهر عقب الأزمة الخليجية التي اندلعت عام 2017، وبموجبها قطعت الدول الأربع علاقاتها مع قطر وفرضت مقاطعة جوية وبحرية وبرية عليها، وطالبت الإمارات وحلفاؤها قطر باتخاذ سلسلة إجراءات، منها إغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة، والتوقف عن تمويل وسائل إعلام أخرى مثل قناة الحوار، وصحيفة وتلفزيون العربي الجديد بدعوى نشرها للتطرف والإرهاب، وكبح جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها بعض الحكومات العربية تهديدا لها”.
وبيّن التقرير، أن خبراء مشروع ريفين، أطلقوا عمليات لاختراق هواتف آيفون الخاصة بما لا يقل عن عشرة صحفيين ومسؤولين تنفيذيين بوسائل إعلام كانوا يعتقدون أن لهم صلات بحكومة قطر أو جماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفق ما أظهرته وثائق للبرنامج اطلعت عليها رويترز وأربعة أشخاص من المشاركين في العمليات.
وبحسب “رويترز” فإن قصة هذا المشروع تكشف كيف استخدم عملاء سابقون في الحكومة الأمريكية أحدث أدوات التجسس الإلكتروني، لخدمة نظام يستهدف معارضيه.
وتظهر مقابلات الوكالة البريطانية مع تسعة من عملاء “ريفين” السابقين، إضافة إلى آلاف الصفحات من وثائق المشاريع ورسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها، أن تقنيات المراقبة التي تتعامل معها الاستخبارات الأمريكية، كانت أساسية في عمل الإمارات لرصد المعارضين.
أداة تجسس
صرح مصدر خاص لـ”الاستقال” أن “الهواتف الجوالة تتكون من مكونات رئيسية أهمها الهوائي، والبطارية، وشريحة (SIM card)، والكاميرا، والميكروفون، وكل هذه المكونات تسهل من عمليات التجسس وتتبع المستخدم”.
وأكد المصدر الذي يعمل في إحدى أكبر شركات الاتصالات، وطالب عدم كشف هويته، أنه “يمكن لمشغل شبكة الهاتف أن يرى جميع البيانات الوصفية حول محتوى استخدام الجوال، وهذا يشمل جميع المكالمات سواءً الواردة أو الصادرة، وإرسال واستقبال رسائل SMS وMMS، واستخدام حزمة البيانات، فضلا عن الوقت المحدد والموقع التقريبي لكل منها”.
وأردف، أن “أجهزة الدولة أو شبكات التجسس العالمية أصبح بمقدورها استدعاء المكالمات الهاتفية التي أجراها أي شخص، إضافة إلى الرسائل النصية القصيرة التي بعث بها أو استقبلها وذلك بسهولة بالغة، مع أدق المعلومات الموجودة على هاتفه”.
وبسؤاله عن الأجهزة الأكثر عرضة للاختراق قال: “أجهزة أندرويد، تشارك كمية هائلة من بيانات المستخدمين مع غوغل بسبب الدعم الكبير القائم بين نظام التشغيل وحساب المستخدمين على غوغل، وكذلك ، أجهزة IPhone التي تستخدم نظام التشغيل IOS ، وتشارك معلومات المستخدمين مع آبل Apple”.
واختتم حديثه: “بخصوص التطبيقات يمكنها معرفة موقع المستخدم الجغرافي لتوفير خدمات مثل الخرائط، لذلك يمكن للتطبيقات أن تشارك هذه المعلومات مع جهات أخرى، مما يؤدي لكشفها للحكومات أو لمخترقي الإنترنت”.