يهيمن التوتر على مظاهر الحياة في مدينة عتق مركز محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، بعد أن صعّدت قوات النخبة الشبوانية الموالية للإمارات من تحركاتها العسكرية على مداخل المدينة، بهدف السيطرة على المنطقة والاستئثار بمواقع إنتاج النفط والغاز، وفق مصدر حكومي.
وبلغ الاحتقان ذروته بين النخبة والقوات المشتركة التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لتزيد المخاوف بين السكان من تفجّر القتال بين القوتين المسلحتين بالمدرعات والرشاشات التي شوهدت على العربات العسكرية المتأهبة.
يقول وضاح قاسم -أحد السكان- للجزيرة نت إن تبعات الصراع بين الطرفين ستكون قاسية على المدينة التي يسكنها أكثر من 37 ألف نسمة حسب آخر تعداد رسمي عام 2004، بينما تشير تقارير إلى أن عدد السكان قد يكون حاليا ضعف هذا العدد.
ويترقب قاسم -وهو مالك لمتجر يبيع فيه المواد الغذائية- ما ستؤول إليه الأحداث بحذر، ويتمنى أن تكلل جهود الوساطة بالنجاح لتُجنب المدينة القتال، ويقول إن الوضع مشحون أكثر نتيجة التحريض من جميع الأطراف.
ماذا تريد الإمارات؟
في حوار مع قناة أبو ظبي، كان قائد قوات النخبة الشبوانية يتحدث بلهجة حادة حول أن قواته لن تسمح لأي جهة بالتدخل في ميناءي بلحاف (ميناء تصدير الغاز) والنشيمة (ميناء تصدير النفط)، والمصافي وشركتي العقلة وجنة النفطيتين.
لم تكتف الإمارات بالسيطرة على المنشآت الحيوية، بل امتدت إلى محاولتها عبر القوات الموالية لها إخضاع كامل المحافظة لسيطرتها، بما في ذلك مدينة عتق، في النصف الأخير من يونيو/حزيران الماضي.
يقول مصدر رفيع في الحكومة اليمنية للجزيرة نت إن الإمارات تسعى للسيطرة الكاملة على محافظة شبوة، والاستئثار بإنتاج النفط والغاز، فضلا عن منع الحكومة من استئناف إنتاج النفط الذي يمثل موردها الرئيسي.
لكن القوات الحكومية منعت تقدم القوات الموالية للإمارات وخاضت معها اشتباكات محدودة، قبل أن تتدخل لجنة وساطة مشكلة من عسكريين وزعماء قبائل، حالت دون تمدد المواجهات. لكن جهود اللجنة لم تفضِ إلى اتفاق حتى اليوم.
تفجير الأوضاع
عادت الأزمة إلى مربعها الأول بعد أن حذرت قوات النخبة وقالت إن صبرها بدأ ينفذ. ومساء الأحد قُتل قائد أركان اللواء 19 مشاة العقيد محسن الصبيحي في ظروف غامضة.
ويقول مصدر عسكري رفيع في القوات الحكومية للجزيرة نت إن النخبة تصر على تفجير الأوضاع في المدينة بالاغتيالات والاستفزازات العسكرية، رغم محاولة المحافظ محمد بن عديو والسلطة المحلية النأي عن ذلك.
وأضاف المصدر طالبا عدم كشف هويته لكونه غير مخول بالحديث للإعلام، أن الإمارات هي المسؤولة عن كل ما يحصل، مضيفا أن “الجميع يعلم من يدير تلك المليشيا المسلحة (النخبة) التي قدمت تعزيزاتها من معسكر عزان، وهي القوات الإماراتية التي تتمركز في شركة الغاز في بلحاف”.
وعزا ذلك إلى أن “الإماراتيين لا يريدون محافظاً قوياً يرفض مخططاتهم لتدمير المحافظة وموانئها، فالإمارات تريد إيقاف تصدير النفط والغاز من شبوة حتى لا تقوم لنا قائمة، ونظل فقط نستجدي عطفهم فقط ليدفعوا رواتبنا”.
النفط والغاز
بعد عجز قوات النخبة عن التقدم في عتق، ضرب تفجيرٌ أنابيبَ نقل النفط في مديرية رضوم الخاضعة لسيطرة النخبة، حينها نُسب الحادث إلى مجهولين.
ويومها، توجه فريق هندسي حكومي باتجاه الأنبوب المنفجر لإصلاح الأضرار، لكن قوات النخبة منعت وصوله، وهدد قائدها المقدم محمد البوحر بإطلاق النار على الفريق الهندسي الذي ضم مسؤولين محليين.
بعد أيام فقط، ضربت تفجيرات مماثلة أنبوبي النفط والغاز في ذات المديرية، وشكّل المحافظ لجنة للتحقيق. ومجددا، منعتها قوات النخبة من الوصول إلى أماكن التفجيرات، وأجبرتها على العودة إلى عتق.
برزت المخاوف أكثر، فالشركات النفطية العاملة في شبوة قد تغادر بسبب انهيار الوضع. ووفق مصدر في شركة النفط بالمحافظة فإن شركتي “هنت” و”أو.أم.في” النفطيتين هددتا في أكثر من مناسبة بوقف العمل.
وقال المصدر للجزيرة نت إن السلطات المحلية تحاول التعامل مع الملف بحساسية، فالنفط المصدّر من المحافظة -رغم قلته- يمثل المورد الوحيد للسلطة المحلية لتشغيل قطاعاتها ودفع الرواتب.
وأوضح أن قوات النخبة لديها ضوء أخضر من الإمارات في منع الشركات استئناف تصدير النفط والغار، في ظل ترتيبات ونوايا السلطات المحلية وقيادة شركة الغاز لاستعادة استئناف التصدير.
وأضاف “في أبريل/نيسان خضنا مفاوضات مع شركة توتال الفرنسية لاستئناف إعادة إنتاج الغاز، وكنا نأمل من القوات الإماراتية التعاون معنا وإخلاء مقر شركة الغاز في بلحاف، لكنهم للأسف زادوا من إشعال الحرائق”.
واتهم المصدر الإمارات والقوات الموالية لها بالوقوف خلف التفجيرات الأخيرة لأنابيب النفط والغاز، لكون تلك المناطق تحت سيطرتها، ومنعها وصول لجنة للتحقيق في الحادث، مشيرا إلى أن الإمارات لا تريد تصدير النفط والغاز.
مآلات الأزمة
يرى المسؤول في السلطة المحلية بالمحافظة محمد أبو بكر “أن الحكومة ستتجاوز الأزمة بعد أن حققت مستوى عاليا من التفاهم مع الإماراتيين لإنهاء الأزمة المفتعلة”.
وقال أبو بكر للجزيرة نت إن المحافظ محمد بن عديو وقيادات أمنية توجهوا إلى القاعدة العسكرية للإماراتيين في بلحاف لإنهاء الأزمة، وأكدوا أن الحكومة مصرة على حماية الشركات، وأنها لن تتهاون في الحفاظ على المكتسبات الوطنية.
ورأى أن فشل قوات النخبة في السيطرة على عتق، وبروز شخصيات اجتماعية مثل اللواء أحمد مساعد حسين الذي قد يؤسس لجانا شعبية للدفاع، أضعفا موقف الإماراتيين، ومن ثم فإن الحكومة ستفرض نفسها.
المصدر : الجزيرة