بينما اختبأت أبوظبي رسميا خلف المواقف الدولية التي تطالب بوقف هجوم شذاذ الآفاق بقيادة اللواء المتمرد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، تركت المجال واسعا لإعلامها الرسمي والخاص وعشرات من عناصرها الأمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي لتبني رواية حفتر والترويج لغزو العاصمة وإظهار نصر “المؤمنين” القريب على “الإرهابيين والأشرار”! فما الذي جرى خلال الساعات القليلة الماضية، وإلى أين وصل اعتداء حفتر، وما هو دور أبوظبي في هذه المعركة الخاسرة، ولماذا استهدفت طرابلس في هذا التوقيت؟
48 ساعة كانت فاصلة
فور اندلاع هجوم حفتر على طرابلس، سوّق إعلامه الحربي ومعه إعلام أبوظبي والقاهرة أن المعركة قصيرة سريعة وخاطفة، لن تستغرق أكثر من 48 ساعة لتحرير طرابلس من “قوى الإرهاب” والجماعات المسلحة.
ومقابل، هذه المدة أيضا، أكدت فصائل الثورة في طرابلس أن هجمة حفتر ستنتهي خلال 48 ساعة. وبعد ساعات طويلة من المعارك الضارية والكر والفر، استطاعت قوات طرابلس بالفعل من الإيفاء بوعدها ووعيدها ودحر الهجوم الغادر الذي سبق اجتماعا تصالحيا كانت تحضر له الأمم المتحدة بين مكونات الشعب الليبي.
ولكن حفتر، وداعميه، أرادوا فرض واقع سياسي قبل هذا الاجتماع الذي سيعقد منتصف أبريل الجاري من جهة، وضرب الحراك الجزائري من جهة ثانية والتأثير على استعدادات تونس للانتخابات الرئاسية في الشهور القليلة من جهة ثالثة.
غير أن الوقائع الميدانية، أكدت تقهقهر قوات حفتر بعد أربعة أيام من عدوانها جنوب طرابلس عقب خسارتها مواقع مهمة في مواجهة تقدم قوات عملية “بركان الغضب” التي أطلقتها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. ومع ذلك، ظل العقيد أحمد المسماري، المتحدث باسم مليشيات حفتر، يكرر حتى مساء الاثنين (8|4) أن قواته لا تزال على أبواب العاصمة طرابلس وستقتحمها من أجل “تخليصها من المليشيات”.
ليبيون يحملون أبوظبي مسؤولية الهجوم
وكان أشرف الشح، أحد مؤسسي تحالف القوى الوطني الليبي، قد أكد أن المشهد العسكري في طرابلس يصب في غير صالح حفتر الذي “غُرر به وقرر مهاجمة المدينة على أمل السيطرة عليها”. وقال الشح: إن الإمارات هم اللتي أعطت حفتر الضوء الأخضر لمهاجمة طرابلس، وإن الإمارات التي زارها مؤخرا وعدته بدعمه عسكريا إذا استدعى الموقف ذلك، واعتبر هذا دليلا على أن مبادرة أبوظبي للحل السياسي في ليبيا مجرد كذبة وخدعة، ومجرد غطاء لحقيقة نوايا الإمارات تجاه ليبيا والسيطرة على مقدراتها، على حد ادعائه.
وتوقع الشح أن تقدم الإمارات الدعم العسكري لحفتر لأن خسارته في هذه المعركة نهاية له على كل الأصعدة السياسية والعسكرية.
وبدوره، اتهم العميد محمد القنيدي، آمر الاستخبارات العسكرية التابعة قوات “البنيان المرصوص”، أن الإمارات ومصر ترعى تحركات حفتر نحو طرابلس.
وقال القنيدي في تصريح لموقع”الخليج أونلاين: إن الدول العربية الثلاث تدعم حفتر “بهدف خلق سيسي جديد في ليبيا”، على حد قوله.
وأضاف: “الإمارات ومصر زودتا حفتر بالسلاح والمعدات الثقيلة، ولدينا معلومات مؤكدة عن وجود أسلحة إماراتية ومصرية في صفوف المقاتلين إلى جانب حفتر، فضلاً عن استعانته بمليشيات تشادية والمعارضة السودانية”.
ومن جهته، قال الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي أن قوات حفتر خسرت المناطق التي تسللت إليها مؤخرا، موضحا أن هناك جهات خارجية “تعلن الحرب على الشعب الليبي”.
وقال السويحلي عن الإمارات بأنها “الحربة الأولى في دعم حفتر ومعها فرنسا”، على حد قوله.
واستغرب ما وصفه إعلان أبوظبي “الحرب على الليبيين رغم أنه تفصلنا آلاف الأميال. ولم نسع يوما للإضرار بنظامهم”، على حد تعبيره.
وأضاف السويحلي: إن الإمارات نقلت معركتها مع الإسلام السياسي إلى ليبيا وإنها تريد القضاء على الإخوان المسلمين، وتتخذهم “شماعة لإجهاض الثورة الليبية رغم محدودية تأثيرهم في المشهد السياسي”.
الإعلام الغربي يؤكد دور الإمارات في المعركة
الإعلام الغربي، من جهته، رصد العديد من شواهد الدعم الإماراتي والمصري لقوات حفتر الغازية. واعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الدعم الذي حصل عليه حفتر، من الإمارات ومصر وفرنسا، هو سبب تجدُّد الصراع في ليبيا، من خلال محاولته السيطرة على العاصمة طرابلس.
وبحسب باتريك وينتور محرر الشؤون الدبلوماسية في الصحيفة، فإن حفتر يسعى إلى فرض شكل من أشكال الحكم العسكري في أنحاء البلاد، مشيراً إلى أن “المليشيات التابعة لحفتر ..، تؤكد بهجومها على طرابلس أنها حفرت قبرها بيدها”.
أما موقع “مودرن دبلوماسي” الأميركي فقد عد دور الإمارات في ليبيا، ضمن سياق ما سماه استهداف أبوظبي لثورات الربيع العربي، مشيرا أن جهود أبوظبي المناوئة رغم ضخامتها لم تفلح سوى في وقوع انقلاب السيسي، في حين فشلت جهودها في سائر الساحات الأخرى.
ومن جهتهم، دعا كاتبان بصحيفة نيويورك تايمز إدارة ترامب للعمل لوقف الدعم لحفتر في ليبيا من قبل مصر والإمارات.
وقال الكاتب فريدريك ويهري: إن حفتر “السبعيني” الذي تدعمه الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا يستهدف إفشال المؤتمر “بمحاولة وقحة من أجل الاستيلاء على السلطة”، لكنه فوجئ بمقاومة لم يكن يتوقعها.
قطر والمرزوقي ينتقدون دور أبوظبي
ولم تقتصر الاتهامات والتأكيدات بدور أبوظبي في غزو حفتر لطرابلس على فعاليات ليبية أو إعلام غربي، بل انتقدت وزارة الخارجية القطرية، انضمام الإمارات لبيان خماسي يدعو إلى ضبط النفس ووقف التصعيد في ليبيا، مشيرة إلى دعم أبوظبي لمليشيات حفتر.
وبشأن البيان الخماسي الصادر عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات، أعربت الخارجية القطرية عن “استغرابها” من الموقف الإماراتي. وقالت: إن “الإمارات تدعم عمليا وفعليا قوات حفتر على الأرض” متسائلة: “فهل يعتبر مثل هذا البيان من قبل الإمارات نوعاً من ذر الرماد في العيون؟”.
وتابعت: “إذا كان هذا هو الأمر فإننا نطالب الدول الشريكة للإمارات في هذا البيان أن تحث الإمارات على إنهاء حالة الازدواجية في الخطاب وعلى توحيد الخطاب مع التحركات على الأرض”.
ومن جهته، قال الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، إن ما نشاهده في ليبيا اليوم هو آخر محاولة لوأد الربيع العربي.
ووصف المرزوقي، حفتر بأنه أَجير بيد محور الشر العربي المتمثل في الإمارات ومصر، والتي تحاول مواجهة الربيع العربي بكل الوسائل خدمة لـ”إسرائيل” والغرب، على حد قوله.
وعلى صعيد التغطية الإعلامية لمعركة طرابلس، قال المحامي وخبير القانون الدولي محمود رفعت إن الإعلام الإماراتي يبثّ أكاذيب تدّعي تقدم مليشيات المتمرد المدعوم إماراتياً حفتر بمحاور طرابلس.
وقال رفعت، في سلسلة تغريدات على حسابه في موقع “تويتر” : “تلقت مليشيا حفتر هزائم ساحقة، وتم الاستيلاء على أسلحتها”.
وأضاف رفعت: “يحاول إعلام الإمارات جاهداً تصوير المنطقة الغربية بليبيا، التي تضم طرابلس وكبريات محافظات ليبيا والحكومة المعترف بها دولياً، أنها مليشيات تسلحها قطر، وأن حفتر يقوم بتطهيرها.. من يغيب عقله ويقبل هكذا استحمار بعصر جوجل فهو ليس ضحية بل شريك بالجرم.. لم نعد بعصر الراديو”، على حد تعبيره.
مستقبل المعركة
بحسب مراقبين، فإن الخطر عن طرابلس لم يختف ولن يختفي خلال الفترة القادمة، خاصة أن سياق محاربة الثورات العربية لا يزال مستمرا. ويتوقع مراقبون أن يعيد حفتر الكرة مرة أخرى في المستقبل القريب بدعم إماراتي ومصري أكثر وضوحا وعلانية، وبما يتناسب مع حجم المقاومة الشرسة التي أبدتها فصائل الثورة غرب ليبيا، وهي فصائل متوثبة ومتأهبة في انتظار الجولة القادمة، على ما يؤكد ناشطون ليبيون! فهل يظل حفتر هو الخاسر الوحيد أم تمتد الهزيمة لداعميه هنا وهناك؟!
*الامارات71