تبذل دولة الإمارات جهودا حثيثة طيلة أعوام مع إنفاق عالٍ لتتويج نفسها رائدة للانسجام والوئام بين الطوائف والأديان والأعراق حول العالم.
ليس من شك أن ثمة تعايش في المجتمع الإماراتي الخليط من عدد كبير من الديانات والطوائف والأعراق لأكثر من 9 ملايين نسمة تشمل السكان الأصليين والوافدين الذين تتصدرهم جاليات من دول آسيا، الهند بالدرجة الأولى، ومن دول عربية معظمهم من المصريين واللبنانيين وجنسيات أخرى.
ويشكل الإماراتيون ما نسبته 19% من السُكان، بينما العرب من مختلف الجنسيات يشكلون 23%، أما النسبة الأكبر فهي من نصيب الوافدين من الجنوب الآسيوي ويشكلون 50%.
وأعلنت الإمارات عام 2019 “عاما للتسامح” وتأكيد قيمة التسامح باعتبارها “عملا مؤسسيا مستداما من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة”، حسب بيان صادر عن رئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان.
وفي الوقت الذي لا يبدو أن هناك أدنى شك في “التسامح” داخل المجتمع الإماراتي بين معتنقي مختلف الديانات، وأن هذا يشكل إسهاما في خلق حالة انسجام أعمق بين أتباع الديانات.
إلا أن ذلك لا يعفي دولة الإمارات من الإجابة على تساؤلات تتعلق بالدعم غير المحدود الذي تقدمه للأنظمة “الاستبدادية” في الشرق الأوسط، ودعم “الثورات المضادة” لإجهاض تطلعات الشعوب في بلدان “ثورات الربيع العربي” ضد أنظمتها القمعية الاستبدادية.
ودعت منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، بابا الفاتيكان عشية زيارته إلى دولة الإمارات إلى توظيف زيارته “للضغط على قادة الإمارات، للوفاء بالتزاماتهم الحقوقية في الداخل والخارج”، إذ أنه “رغم تأكيدها التسامح، لم تُظهر حكومة الإمارات أي اهتمام حقيقي بتحسين سجلها الحقوقي”!
إذ “تعتدي السلطات الإماراتية باستمرار على حرية التعبير وتكوين الجمعيات منذ 2011″، وكذلك مطلوب “وقف الانتهاكات الحقوقية الجسيمة” التي ترتكبها قواتها في اليمن.
على الجانب الآخر، فإن محاولة دولة الإمارات إشاعة “التسامح” بين البشر بحاجة إلى أكثر من تأكيد لتجسيد هذه القيم واقعا معاشا في اليمن مثلا، التي تعاني أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، وفق تقويم الأمم المتحدة، جراء حرب التحالف العربي لإعادة الشرعية بقيادة السعودية والإمارات المستمرة منذ آذار/مارس 2015.
وبعيدا عن أجواء زيارة بابا الفاتيكان، فإن على دولة الإمارات التي تعيش عام “التسامح” تعزيز هذا المفهوم بمزيد من الخطوات العملية على الأقل داخل الدولة التي تعتقل العشرات من المعارضين من أبناء دولة الإمارات في ظروف سيئة، ورفع أو تخفيف إجراءات المقاطعة المفروضة على دولة قطر منذ أكثر من عشرين شهرا.
*الخليج الجديد