عكَس “مهرجان الأديان” الذي أقامته دولة الإمارات، جامعةً بين شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الأول، نهم أبوظبي الواضح بأن تكون جامعةً للأديان، ورغبتها في منافسة دور السعودية الإسلامي، التي تحتضن الحرمين الشريفين.
وكان لافتاً الاستقبال المهيب الذي حظي به شيخ الأزهر، والذي أعدَّه ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مساء الأحد 3 فبراير 2019، حيث كان على رأس مستقبليه، كما قبَّل رأسه، لإضفاء الاحترام عليه وتقديمه باعتباره مرجعاً لعموم المسلمين.
وحرصت الإمارات، بثقلها السياسي والمادي، على استغلال زيارة بابا الفاتيكان أبوظبي، في الوقت الذي أصبحت فيه صورتها، في كثير من دول العالم، مربوطة بالانتهاكات، وعدم تقبُّل معارضيها، ورفض التسامح مع جيرانها المسلمين.
ومما برز خلال القداس الذي أقامه البابا بملعب زايد والذي وُصف بأنه “أكبر حشد جماهيري في تاريخ الإمارات”، حيث “حضره 50 ألفاً داخل الملعب و120 ألفاً خارجه” ضَعف التغطية الإعلامية السعودية بشكل كبير، لزيارة شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان.
وذهبت تقديرات مراقبين إلى القول إن تجاهُل الرياض مؤشر على توتر غير معلن مع أبوظبي لأسباب مختلفة، أهمها سياسة الامارات في باليمن، في حين اعتبر آخرون أن السعودية ممتعضة، لتجاهُل علمائها في مؤتمر “الأخوة الإنسانية”، خاصةً أنه يجمع علماء الأزهر والمقربين منه، وهو الأمر الذي اعتبرته المملكة تهميشاً لدورها الإسلامي.
إزاحة السعودية
محاولات أبوظبي إزاحة السعودية عن مكانتها الدينية ليست وليدة اليوم، فالإمارات التي تتبع المذهب المالكي ومقربة من التيارات الصوفية، لطالما نظرت بعين البغض إلى السعودية، التي تتبنى “السلفية الوهابية”؛ نظراً إلى الاختلاف بينهما.
فمع تأسيس الإمارات عام 1971، عملت الحكومة الإماراتية على جلب الدعاة من المغرب، الذي يتبع المذهب المالكي، الذي أسسه الإمام مالك بن أنس في القرن الثاني الهجري، وهو الأمر الذي أسهم في انتشاره بالإمارات حينها، علاوة على أن مشايخ المالكية في المغرب يميلون إلى الصوفية.
أما في السعودية، فقد تبنَّت الدولة السعودية الأولى عام 1744م دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب “السلفية” التي تحارب البدع والخرافات والطرق الشِّركية، ولعل أصل الخلاف بين الرياض وأبوظبي بهذا الجانب يكمن في هذه النقطة.
فالمندوب الدائم للإمارات العربية المتحدة لدى “اليونسكو”، السفير عبد الله النعيمي، قال عاكساً وجهة نظر الحكومة الإماراتية تجاه “السلفية الوهابية”، في 5 فبراير 2019: “قبل دخول الوهابية إلى سواحل الخليج، كانت الصوفية تتسيَّد المشهد، واليوم يعود الشباب لاعتناق هذا المذهب الروحي ليكون بديلاً للتطرف الذي لمسناه في مناطق ودول عدة”.
وكان المؤتمر الذي عُقد في العاصمة الشيشانية (غروزني)، وحضره عدد من علماء الأزهر وبعض المشايخ المحسوبين على الطرق الصوفية عام 2016، أثار غضب السعودية، لاستبعاد هيئة كبار العلماء فيها، خصوصاً أنه زعم تحديد هوية “أهل السُّنة والجماعة”.
وبعد إعلان مخرجات المؤتمر، الذي حضره ممثلون من مصر، أصدر المركز الإعلامي بالأزهر بياناً يوضح موقف شيخه، أحمد الطيب، من مؤتمر غروزني الخاص بتعريف وتحديد من هم “أهل السُّنة والجماعة”، واستثنى حينها السلفية.
وعبّر عدد من علماء السعودية عن استيائهم من التوصيات التي خرج بها المؤتمِرون، عادّين إياها بداية انقسام الأمة، واتهموا جهات “تتخذ من الدين ستاراً لها لتمزيق صف العالم الإسلامي، وفتح نوافذ للفتنة بين مذاهب أهل السُّنة والجماعة، في حين تمر الأمة الإسلامية بمخاض عسير، وهي أحوج ما تكون إلى من يلملم شتاتها، لا تفريقها إلى مذاهب”، حسب قولهم.
ولعٌ بالصدارة
المتابع لسياسة الإمارات بالمنطقة يلاحظ نهماً واضحاً لديها بتصدُّر قيادة الشرق الأوسط، حتى على حساب حلفائها في السعودية، وقد ظهر ذلك بوضوح في اليمن من خلال دعمها أطرافاً بجنوبي اليمن تهدف إلى الانفصال.
كما انتقل التنافس والمناكفة بينهما إلى الشق الإعلامي، ففي يناير الماضي، أثار مستشار ولي عهد أبوظبي، عبد الخالق عبد الله، مجدداً، حفيظة نشطاء سعوديين على منصات التواصل الاجتماعي، الثلاثاء الماضي، إثر قوله إن بلاده باتت “الأهم” في المنطقة.
وأوضح أن “البعض يستكثر القول إن 971 (مفتاح الاتصال بدولة الإمارات)، الرمز الدولي الأهم بالمنطقة”.
وفي مقابل ذلك، اعتبر مغردون سعوديون تغريدات الأكاديمي الإماراتي استفزازاً للمملكة، التي تعد الجار الأكبر والشريك السياسي الرئيس للإمارات، خصوصاً في عملياتها العسكرية باليمن، وفي عدة ملفات بالمنطقة.
كما أثار حفيظة السعوديين في مناسبة أخرى بتاريخ 17 نوفمبر الماضي؛ عندما دعا، في تغريدة، إلى إطلاق سراح هتون الفاسي، إحدى أبرز الناشطات الموقوفات في المملكة، على خلفية اتهامها بـ”التخابر لمصلحة جهات خارجية”.