إزاحة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت من رئاسة لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة لا يمكن لأطراف يمنية إلا أن تنظر إليها باعتبارها استجابة مباشرة لرغبة المتمرّدين الحوثيين الذين رفضوا التعامل مع الرجل بسبب حرصه على تحديد الطرف المسؤول عن إعاقة تنفيذ اتفاقات السويد، على العكس من المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي بالغ في المرونة مثيرا الأسئلة والشكوك بشأن هدفه من وراء ذلك الأسلوب في قيادة جهود السلام باليمن.
يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إثارة الأسئلة والشكوك بشأن الوجهة التي تسلكها جهوده لحلحلة الملف اليمني سلميا.
وبينما تراوح تلك الجهود مكانها، في ظلّ الفشل في تنفيذ أي من بنود الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه خلال المشاورات التي احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في ديسمبر الماضي، ما تفتأ ثقة المعسكر الممثّل للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية، في غريفيث، تتآكل بفعل ما يبديه من مرونة شديدة إزاء الحوثيين اقتضت أن يتجنّب تحميلهم مسؤولية تعطيل تنفيذ الاتفاق، رغم وضوح تلك المسؤولية.
وتقول مصادر يمنية إنّ سياسة غريفيث المتساهلة مع الحوثيين، كانت مدار الخلاف بين الدبلوماسي البريطاني، والجنرال الهولندي باتريك كاميرت الذي يرأس لجنة الأمم المتحدة لإعادة الانتشار في الحديدة، وهو في طريقه لمغادرة منصبه بدفع من غريفيث نفسه بسبب إصرار كاميرت على تضمين تقريره للأمم المتحدة إشارة واضحة لمسؤولية المتمرّدين عن تعطيل تنفيذ عملية إعادة الانتشار وإخلاء موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى.
وطرح خلال اليومين الماضيين اسم الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد ليحل محل كاميرت، الذي تعرّض لحملة اتهامات من الحوثيين، كما تعرض خلال عمله بالحديدة لإطلاق نار يعتقد أنّ مصدره ميليشيا الحوثي.
ومن شأن تحييد كاميرت أن يزيد من الارتياب بشأن غريفيث وحقيقة موقفه من الصراع في اليمن، على اعتبار الخطوة استجابة مباشرة لرغبة الحوثيين الذين طالبوا بتغيير رئيس لجنة الإشراف على إعادة الانتشار.
واعتبر عضو اللجنة عن الجانب الحكومي العميد صادق دويد، استبدال كاميرت رضوخا لمطالب الحوثيين.
وقال في تغريدة على حسابه في تويتر “كان الأجدى بالأمم المتحدة الضغط على الحوثيين لتنفيذ اتفاق السويد، لا الرضوخ لرغباتهم المخالفة للاتفاق”.
وكان غريفيث وكاميرت وصلا إلى الرياض الأربعاء قادمين من العاصمة صنعاء في زيارة لم يتمّ الافصاح عن موضوعها ونتائجها، لكن دوائر سياسية توقّعت أن غريفيث “حاول جسر الخلاف بين كاميرت والحوثيين، دون أن ينجح في ذلك”.
وعمليا مازال كاميرت، إلى حدود أمس الخميس، في منصبه، لكنّ الأمم المتحدة تبحث عن خليفة له، بحسب ما عُلِم من مصادر دبلوماسية.
وقال أحد المصادر إنّ “كاميرت سيرحل في نهاية الأمر”، مضيفا “هو في منصبه إلى حين العثور على خلف له”، وموضحا أنّ مشاورات بدأت بهذا الشأن.
ومنذ وصوله إلى اليمن في 23 ديسمبر الماضي، واجه الجنرال الهولندي ذو الخبرة ببؤر التوتّر والصراع، صعوبات في العمل إلى جانب المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مدينة الحديدة.
واتهمه بعضهم بأن لديه أجندة خاصة، الأمر الذي نفته الأمم المتحدة وتعرض موكبه في 17 يناير الجاري لإطلاق نار لم يوقع إصابات وذلك عند خروجه من اجتماع مع الحكومة اليمنية وقالت الأمم المتحدة إنها لا تعرف مصدر إطلاق النار.
وبموجب الاتفاق الذي أبرم في السويد، وافق المتمردون المدعومون من إيران على الانسحاب من موانئ المحافظة الثلاثة؛ الحديدة، ورأس عيسى، والصليف، لكنّهم حاولوا لاحقا إيجاد تفسير مغاير لنص الاتفاق يتيح لهم الإبقاء على سيطرتهم على تلك الموانئ.
وبينما يرى محلّلون سياسيون أن الدبلوماسي البريطاني المخضرم مارتن غريفيث يمارس أسلوبه المعهود في العمل والذي يقوم على التزام أقصى درجات الصبر والمرونة إزاء فرقاء الصراعات، وأنّه يحافظ بذلك على فرصة للسلام ريثما تتوفّر الظروف لاستغلالها، يرى آخرون أنّ الرجل بالغ في اتّباع هذا الأسلوب العقيم، وتحوّل إلى غطاء للمتمرّدين الحوثيين وحام لهم من الإدانة وتحمّل مسؤولياتهم إزاء المجتمع الدولي.
ويعتبر أصحاب هذا المنظور أن اتفاق السويد كان سيتحوّل إلى ورطة للمتمرّدين الحوثيين المطالبين بموجب الاتفاق بسحب قواتهم من الحديدة وتسليم الموانئ التي يسيطرون عليها، إلاّ أن سياسة المبعوث الأممي أتاحت لهم هامشا من المناورة، بعد أن كانوا قد وصلوا، قبيل إطلاق محادثات السويد، إلى أسوأ وضع عسكري لهم في الحديدة التي كانت قريبة من الخروج من سيطرتهم بفعل الحملة العسكرية الكبيرة التي شنتها القوات اليمنية المتعددة إلى جانب قوات تحالف دعم الشرعية.