“وكأنَّ شيئًا لم يكُن”.. هل تعود عائلة صالح مجددًا إلى حكم اليمن؟

محرر 26 يونيو 2017
“وكأنَّ شيئًا لم يكُن”.. هل تعود عائلة صالح مجددًا إلى حكم اليمن؟

من بين أربعة رؤساء أطاحت بهم ثورات «الربيع العربي»، وحده الرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح» بقي في بلده فلم يُقتل ولم يسجن ولم يهرب، بل بقي حتى اليوم يلعب دورًا سياسيًا مؤثرًا في رسم خريطة السياسة والحُكم في البلاد.

لعبة التناقضات: صالح «يرقص على رؤوس الثعابين»

غادر صالح السلطة نهاية العام 2011 وفق اتفاقٍ يقضي بمنحه حصانة قانونية تمنع ملاحقته قضائيًا، لكنه ومنذ ذلك الحين أبى الركون إلى الظل، فاحتفظ لنفسه بأوراق القوة التي تمكنه من التأثير على مجريات السياسة في البلد، متأهبًا الفرصة للعودة إلى واجهة المشهد مرة أخرى.

صالح، الذي وصف يومًا حكم اليمن بأنه «كالرقص على رؤوس الثعابين»، في إشارة إلى قناعته الراسخة أن قيادة البلاد لا تتم إلا عبر الالتواء والمراوغة، أصر – رغم تنازله عن مقعد رئيس البلاد – على الاحتفاظ بقيادة حزب المؤتمر الشعبي العام، فضمن بذلك لنفسه صفة سياسية رسمية تبقيه طرفًا هامًا في معادلة السلطة.

بموازاة ذلك، عمد صالح إلى تفعيل شبكات الولاء له داخل الجيش اليمني، والتي اجتهد في تكوينها على امتداد ثلاثة عقود هي مدة حكمه لليمن، وهنا يجدر بنا العودة قليلًا إلى الوراء بضع سنوات، لنعرف كيف تمكن صالح من السيطرة على مفاصل الجيش، مكونًا شبكات ولاء سمّاها البعض بـ«الجيش العائلي»، وهو ما ضمن له السيطرة على قطاعات واسعة من القوات المسلحة حتى بعد أن غادر منصبه الرسمي باعتباره رئيسًا.

منذ مجيئه إلى السلطة عام 1978، عمد صالح إلى تعيين أقاربه من قبيلة «سنحان» -التي لا تمثل إلا نحو 1% من سكان البلاد في قيادة الوحدات العسكرية القائمة أو المستحدثة، بحيث بات هؤلاء يشكلون حوالي 70% من مجموع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية.

وتعزز ذلك الاتجاه بين عامي 2000 و2011 عندما بدا جليًا عزم صالح على توريث الحكم لابنه، لم يكن هناك قانون تنظيمي للقوات المسلحة أو لائحة تنظيمية لوزارة الدفاع، وهو ما أطلق يد صالح في الجيش بغير ضابط أو رابط، فكان يصدر الأوامر بترقية ضباط في الجيش من دون الالتزام بشروط، ويعين مدنيين برتب عسكرية ورواتب في القوات المسلحة، كما هو الحال مع «خالد علي عبد الله صالح» الذي مُنح رتبة عقيد بعد تخرجه مباشرة، وأصبح قائد فرقة.

تركز نفوذ «الجيش العائلي» في أسلحة الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والقوات الجوية والدفاع الجوي وقوات مكافحة الإرهاب، وفضلًا عن ذلك، تمكن صالح من تكوين شبكة علاقات زبائنية، ربطت حلفاءه من شيوخ القبائل بالجيش.

وحتى بعد أن أصدر الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» في 2013 قراراته بإعادة هيكلة الجيش، تنفيذًا لبنود المبادرة الخليجية، وبعد أن ووجهت القرارات في البداية بتعنت أقرباء صالح في الجيش، قبل أن ينصاعوا في النهاية، ظل صالح يسيطر عبر شبكات الولاء تلك على قطاعات كبيرة في الألوية العسكرية.

لمحة أخرى تكشف لنا كيف يحكم صالح قبضته على القطاعات العسكرية رغم عدم امتلاكه صفة رسمية لذلك، هو التسريب الصوتي الذي أذاعته «قناة الجزيرة» قبل عامين، وهو تسريب يعود إلى عام 2014، ويوجه فيها صالح أوامره إلى مسؤول سابق، يطالبه فيها بنقل تهديدات إلى مسؤولين عسكريين بعدم تنفيذ أوامر الحكومة الشرعية برئاسة الرئيس هادي، وإلا سيكون مصيرهم «القتل».

مشهد آخر ربما يكشف لنا كيف يجيد صالح الجمع بين التناقضات، واللعب على مختلف حبال اللعبة، هو الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة «الجزيرة» قبل شهور بعنوان «مخبر القاعدة»، وتكشف فيه اعترافات ناشط سابق في تنظيم القاعدة، تحول لاحقًا إلى مخبر يعمل لحساب الحكومة اليمنية.

 

ويؤكد «مخبر القاعدة» أن صالح كان يمارس «لعبة مزدوجة»، فكان يدعم سرًا تنظيم القاعدة في اليمن، بل إنه قام – بحسب الشهادة – بترتيبات لضمان وصول مواد متفجرة إلى القائد العسكري لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب قاسم الريمي.

صالح «الراقص على رؤوس الثعابين» في اليمن كما ذكرنا، لم يجد حرجًا – بعد أن ضاقت به السبل – من التحالف مع أعدائه السابقين – الحوثيين – وهو الذي خاض معهم ستة حروب من قبل، فقاتلت قواته إلى جوارهم، وسهلت لهم السيطرة على معسكرات الجيش ومخازن السلاح.

هل يتفكك إذًا «تحالف المضطرين» بين الحوثي وصالح؟

معلوم أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد جعلت نصب عينيها منع أي دور لحركات الإسلام السياسي في الحكم، سيما إذا كانت تلك الحركات ذات ارتباط ما بجماعة «الإخوان المسلمين»، وقد انعكس ذلك في الحالة اليمنية على تحفظ أبو ظبي – التي تلعب دورًا رائدًا في التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين – على أي دور لـ«حزب التجمع الوطني للإصلاح» في الحرب أو في الإدارة المستقبلية للبلاد.

في سبيل ذلك، وفي موازاة استراتيجيتها القاضية بتأسيس قوات يمنية موالية لها مباشرة، أبرزها «ميليشيا الحزام الأمني» بعدن، عمدت أبو ظبي إلى نسج خيوط «تحالف محتمل» مع صالح وعائلته، فقد استضافت أبو ظبي العميد «أحمد علي عبد الله صالح» نجل الرئيس اليمني السابق، والذي عمل سفيرًا لليمن في الإمارات منذ عام 2013، قبل أن يقرر هادي عزله، ليظل مقيمًا في الإمارات منذ ذلك الحين.

وقد تصاعدت مؤخرًا تكهنات حول «عودة» محتملة لعائلة صالح لتساهم مجددًا في رسم مستقبل اليمن، برعاية من بعض القوى الإقليمية، فقد تحدثت صحيفة عربي 21، نقلا عن مصادرها الخاصة في اليمن، أن «صالح» بات يستعد لمرحلة سياسية أخرى، باتت قريبة بفعل الترتيبات التي تقوم بها الإمارات، وأن الاتصالات بين الجانبين باتت منتظمة وشبه معلنة

وتقوم الرؤية الإماراتية – بحسب الصحيفة – على إعادة ترتيب المؤتمر الوطني، ليتولى نجل صالح رئاسته، كما تحدثت عن لقاء عُقد بالعاصمة الإماراتية بين مسؤولين سعوديين وإماراتيين قبل نحو شهر، وحضره نجل صالح، حيث أكد صالح للإماراتيين أنه «الوحيد القادر على محاربة الحوثيين والإخوان» مشيرًا بذلك إلى استعداده لفك ارتباطه بالحوثيين، والانقلاب عليهم، مع التصدى للإخوان المسلمين في البلاد، وهو ما يتفق مع الرؤية الإماراتية التي تسعى أبو ظبي إلى إقناع السعوديين بها كذلك.

ومما قد يعضد ذلك الطرح، ما نشرته وكالة الأنباء السعودية أوائل مايو (أيار) الماضي، من إعطاء صالح الضوء الأخضر لأنصاره ووسائل إعلامه للهجوم على الحوثي ورجاله، مهددًا بـ«بيع الحوثي للتحالف» إذا لم يرضخ لمطالبه، واصفًا جماعته بالمتطرفة، وملمحًا لعلاقتها بإيران و«بيع اليمن لها» -حسب وصفه-.

وربما يؤشر الخلاف الحالي بين دول الخليج أن سيناريو كهذا بات مطروحًا أكثر فأكثر، فقد تصاعدت نبرة الهجوم على الإخوان المسلمين وداعمهم الرئيسي -قطر – من قبل شخصيات سياسية وإعلامية سعودية مرتبطة بدوائر صنع القرار في المملكة، وذلك بالتزامن مع حملة إعلامية مماثلة شنتها وسائل الإعلام الإماراتية، ومن ثم فقد بات واضحًا أن المملكة العربية السعودية أصبحت أكثر تماهيًا مع المواقف الإماراتية، وربما تصبح اليمن هي الميدان الأبرز لإظهار النتائج الفعلية لذلك التماهي.

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق