مخططات أبناء زايد لمد نفوذهم الإقليمي لا تتوقف… قصة المنطقة من واقع تسريبات الإمارات

محرر 25 يونيو 2017
مخططات أبناء زايد لمد نفوذهم الإقليمي لا تتوقف
مخططات أبناء زايد لمد نفوذهم الإقليمي لا تتوقف

كشفت التسريبات التي نشرتها صحيفة “ذي إنترسبت” الأمريكية للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، والذي تعرض بريده الإلكتروني للقرصنة أول أمس، عن حجم التدخل الإماراتي في شؤون مختلف دول المنطقة عبر القنوات الخلفية لدى القوى الدولية بما يساهم في تعزيز نفوذها الإقليمي.

الوثائق التي تم الإفصاح عنها كعينة أولية للرسائل المستولى عليها، تشير إلى كيفية توظيف أبو ظبي للمال والثروة والنفوذ من أجل إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتماشى مع أطماعها في الزعامة والريادة، حتى ولو كان ذلك عبر الإطاحة بأنظمة شرعية أو تأييد سياسات فاشية أو إحداث الفوضى وعدم الاستقرار، أو حتى التحالف مع الكيان الصهيوني.

الأيادي الإماراتية الممتدة داخل الكيانات الإقليمية لا تقتصر فقط على الدول المعادية لها في التوجهات والسياسات، بل وصلت إلى الأشقاء والحلفاء لتكشف النقاب عن الخلاف غير المعلن بين أبو ظبي وبعض العواصم الخليجية الحليفة لها، فضلًا عن تحركاتها الخفية على حافة خارطة المنطقة.

الصمت الإماراتي الرسمي حيال تلك التسريبات وعدم التعليق عليها حتى الآن على الرغم مما تحمله من مضامين قد تهدد دبلوماسيتها مستقبلًا من جانب وعلاقتها بجيرانها من جانب آخر، يدفعنا إلى التساؤل عن مدى صحة هذه الرئسائل وصدق ما جاء بها، ومن ثم كان لا بد من وضع كل تسريب تحت مجهر التقييم وفق ما تمارسه أبو ظبي على أرض الواقع، مما يساعد في رسم ملامح خارطة المنطقة كما يريدها أبناء زايد.

العينة الأولية للرسائل المستولى عليها تشير إلى كيفية توظيف أبو ظبي للمال والثروة والنفوذ من أجل إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتماشى مع أطماعها في الزعامة والريادة

التحالف مع “إسرائيل”

الوثائق المسربة تقول إن هناك علاقات متنامية بين الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أحد أبرز المراكز البحثية الداعمة لـ”إسرائيل”، والذي يمولها الملياردير شيلدون أديلسون، الحليف القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك عبر عدد من الرسائل المتبادلة بين المدير التنفيذي للمؤسسة مارك دوبوفيتس، وسفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة.

الواقع يقول إن العلاقات بين حكام الإمارات و”إسرائيل” هي علاقات متينة، ففي وثيقة تعود إلى 2009 للدبلوماسي الأمريكي في تل أبيب مارك سيفرز، أكد خلالها على متانة العلاقة بين الإمارات و”إسرائيل” برعاية عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، حسبما كشف موقع “ويكليكس”.

حجم التبادل الاقتصادي بين أبو ظبي وتل أبيب يبلغ مليار دولار سنويًا فضلًا عن إقامة رحلة جوية بين البلدين يوميًا، إضافة إلى التعاون المشترك في بعض المجالات الاستثمارية خاصة الزراعية، هذا عن الشق الاقتصادي.

سياسيًا فإن الإمارات تمارس دورًا محوريًا في دعم توجهات “إسرائيل” الخاصة بتهويد القدس، وهو ما كشفه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الضفة، حين لفت إلى شراء الإماراتيين منازل في القدس بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية، منوهًا أن فادي السلامين أحد المقربين من محمد دحلان مستشار الإمارات الأمني، هو أحد أبرز من يقوم بتلك العمليات.

كما كشفت بعض التسريبات الأخرى عن لقاء جمع بين وزير الدفاع “الإسرائيلي” أفيغادور ليبرمان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، قبل الحرب الأخيرة على غزة.

بحسب الوثائق هناك علاقات متنامية بين الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أحد أبرز المراكز البحثية الداعمة لـ”إسرائيل”

جانب آخر من الدعم الإماراتي لـ”إسرائيل” يتمثل في مناهضة حركة “حماس” كونها حركة المقاومة الأكثر تهديدًا لدولة الاحتلال، فبحسب الوثائق المسربة فإن: جون حنا كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قد أرسل إلى السفير يوسف العتيبة، يعاتبه فيها على عزم فندق إماراتي في الدوحة استضافة مؤتمر صحفي لحركة حماس للإعلان عن وثيقتها السياسية الجديدة في أيار/مايو الماضي، ورد العتيبة على حنا بالقول إن المشكلة الحقيقية هي وجود القاعدة الأمريكية “العديد” في قطر، وأضاف مازحًا: “انقلوا القاعدة ثم سننقل نحن الفندق”.

وهذه التسريبات تفيد الممارسات على أرض الواقع أن الإمارات تكن عداءً واضحًا لحماس، وتسعى إلى تفريغها والقضاء عليها بشتى السبل، وملاحقتها في الداخل والخارج، علمًا بأن الفندق المذكور وهو “روتانا سيتي سنتر” الإماراتي في الدوحة قد اعتذر عن استضافة المؤتمر قبله بساعات، مما يعني أن تعليمات جاءته بذلك.

إحدى الوثائق المسربة في 2006 كشفت قيام الجانب الإماراتي باعتقال عناصر من صفوف حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وإجبارهم على الاعتراف والإدلاء بالمعلومات تحت التعذيب ثم تزويد “تل أبيب” بهذه المعلومات، وذلك بحسب الفيلم الوثائقي الذي تم بثه مؤخرًا عن الأيادي السوداء لدولة الإمارات في المنطقة.

كما تسعى الإمارات عبر ورقتها السياسية محمد دحلان، القيادي الفتحاوي المفصول، والمتهم بقضايا تجسس مع “إسرائيل”، إلى تضييق الخناق على حركات المقاومة وزيادة رقعة التطبيع مع “تل أبيب” مستغلة علاقاته الوثيقة بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق جورج تينيت، ويستون سحاق من الجيش “الإسرائيلي”، ويعقوب بيري من الموساد.

 

العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل” توصف بـ”المتينة”

تهديد قطر

الوثائق المسربة تقول إن حكومة أبو ظبي تمارس ضغوطًا على سياسيين أمريكيين لدعم قرار بإغلاق قاعدة العديد العسكرية الأمريكية في قطر، وهو ما تجسد في رد العتيبة على عتاب كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بشأن مؤتمر حماس وإقامته في الدوحة، حيث أشار إلى أن المشكلة الحقيقية وجود القاعدة الأمريكية العديد في قطر، وأضاف مازحًا: “انقلوا القاعدة ثم سننقل نحن الفندق”.

وفي رسالة بتاريخ 22 من أيار/مايو 2017، بعث بها العتيبة لوزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، عشية عقد ندوة في واشنطن تهاجم قطر، قال السفير الإماراتي للوزير الأمريكي: “MBZ (محمد بن زايد) يقول لك: اجلدهم غدًا”، في إشارة إلى طلبه بتشديد الهجوم على قطر خلال الندوة، وهو ما حدث بالفعل، حيث هاجم غيتس قطر، متهمًا إياها بأنها لا تلتزم بتعهداتها بشأن قطع العلاقات المزعومة مع منظمات متهمة بالإرهاب، كما دعا أيضًا إلى ممارسة ضغوط على قطر مع وضعها تحت المراقبة، مطالبًا بالتفكير بنقل القواعد العسكرية الأمريكية من قطر، رغم أنها مسألة معقدة، كما قال.

وهنا يقول الواقع إن الخلاف بين الإمارات وقطر بلغ أقصى مراحله، حيث رأت أبو ظبي في الدوحة معوقًا لتوجهاتها الإقليمية سواء في اليمن التي تعارض قطر مخططات الإمارات التي تسعى للتقسيم وتجزئة التراب اليمني، كذلك ما يقال بشأن دعم حكومة تميم لجماعة الإخوان المسلمين ونظام الرئيس الأسبق محمد مرسي وهو ما ترفضه أبو ظبي شكلًا ومضمونًا.

عرقلة الدوحة لطموحات أبناء زايد في ليبيا ومصر واليمن دفعهم إلى استعدائها بصورة غير مسبوقة، ومن ثم فليس هناك حل سوى تقليم أظافرها وتضييق الخناق عليها، وهو ما تكشف مؤخرًا في الحملة التي شنتها القنوات التي تبث من دبي، العربية وسكاي نيوز، ضد قطر بسبب التصريحات المفبركة المنسوبة للأمير تميم رغم نفيها والإشارة إلى تعرض موقع وكالة الأنباء القطرية للاختراق والقرصنة، إلا أن ذلك لم يوقف تلك القنوات عن حملتها التي استهدفت وصم قطر بدعم “الإرهاب”.

في رسالة بتاريخ 22 من أيار/ مايو 2017، بعث بها العتيبة لوزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، عشية عقد ندوة في واشنطن تهاجم قطر، قال السفير الإماراتي للوزير الأمريكي: “MBZ (محمد بن زايد) يقول لك: اجلدهم غدًا”

يذكر أن موقع “ذي انترسبت” الأميركي، كان قد كشف عن تفاصيل سابقة في العام 2014 حول خلفيات حملة إعلامية قوية في الولايات المتحدة، التقت فيها مصالح عربية وإسرائيلية بشكل غير مسبوق، لاستهداف دولة قطر بغرض تشويه صورتها وتقديمها إلى العالم في صورة “الراعي الأول للمنظمات الإرهابية”.

ويفيد تقرير كتبه الصحافي الأميركي، غلين غرينوالد، بأن “دولتين اثنتين تتمتعان بأقوى تأثير على جماعات الضغط الأميركية، وهما “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة، تقفان وراء الحملة العدائية الشرسة التي تستهدف القطريين شعبًا وحكومة مع اختلاف دوافع الدولتين”. 

ووفقًا لما أورده موقع العربي الجديد فإن التكتيك الإماراتي يعتمد على دفع ملايين الدولارات لمجموعة استشارات أميركية  تدعى “كامستول” Camstoll، “استقطبت للعمل فيها الكثيرين من كبار المسؤولين السابقين في وزارة المالية الأميركية من الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، ممن يفترض أنهم مطلعون على معلومات سرية تتعلق بجهود تجفيف مصادر تمويل الإرهاب وغير ذلك”.

كذلك نجحت المجموعة، وفق المصدر نفسه، في “استقطاب صحفيين أميركيين كتبوا مقالات تهاجم القطريين، وفقًا لأول تقرير حول هذا الموضوع نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، كتبه ديفيد كيركباتريك، ويشير إلى أن التوافق القائم في التوجهات بين السعودية، الإمارات، مصر، و”إسرائيل” جعل هذه الدول تعمل جاهدة على تصوير الدوحة بأنها عراب الجماعات الإرهابية في كل مكان، لكن قطر نفت بحزم هذا الاتهام لها”.

تضييق الخناق على إيران

الوثائق المسربة تقول إن هناك تنامي في العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة و”إسرائيل” من أجل تضييق الخناق على إيران بشتى السبل، ففي العاشر من مارس الماضي كتب المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبوفيتس رسالة وجهها إلى يوسف العتيبة وكذلك إلى كبير محامي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية جون هانا – والذي كان قد شغل فيما سبق منصب نائب مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني – وكتب في خانة العنوان “قائمة استهداف للشركات التي تستثمر في إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية”.

القائمة تضمنت أسماء الشركات غير الأمريكية التي لديها أعمال في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وتبحث عن الاستثمار في إيران، بما فيها مؤسسات دولية مثل شركة إيرباص الفرنسية وشركة لوكويل الروسية

أما عن الهدف من هذه القائمة فمن المحتمل أن يكون من أجل ممارسة الإمارات والسعودية ضغوطًا على تلك الشركات لثنيها عن الاستثمار في إيران، والتي شهدت توسعًا في الاستثمار الأجنبي بعد إبرام صفقة النووي في عام 2015.

وقد نقل عن دافيد واينبيرغ، الزميل المخضرم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الشهر الماضي أن دولة الإمارات العربية المتحدة “تشعر بالانتشاء” تجاه مقاربة إدارة ترامب تجاه المنطقة، كما صرح لموقع أراب بيزنيس دوت كوم بما يلي: “ما زالوا منذ فترة يبحثون عن شريك أمريكي لتشديد الخناق على إيران، يريدون من أمريكا أن تحول الكلام إلى أفعال”.

أما الواقع فيقول إن محاولة تصدير الإمارات لإيران كـ”العدوة الأولى” في المنطقة، لا يعدو كونه نشاطًا دبلوماسيًا تسعى من خلاله أبو ظبي إلى تعزيز علاقتها بالسعودية و”إسرائيل” وأمريكا، خاصة أنها تعلم يقينًا أن العزف على هذا الوتر يطرب أسماعهم بصورة كبيرة.

أبناء زايد يسعون من خلال تسويق هذه الصورة الذهنية إلى تجنب الصدام مع شقيقتهم الكبرى السعودية، كما أنهم في الوقت ذاته يسيرون على نفس النهج المتبع في العواصم التي تدعي العداء لطهران، حيث الشعارات العدائية الرنانة إعلاميًا بينما خلف الكواليس أمورًا وحقائق أخرى، تكشفها لغة الأرقام.

الأسبوع الماضي حصلت إيران على مستحقات من شركة إينوك الإماراتية بقيمة أربعة مليارات و105 ملايين دولار، كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 16 مليار دولار العام الماضي، وتستحوذ الإمارات على نسبة 900% من حجم التجارة بين إيران ودول الخليج مجتمعة.

أما مجلس الأعمال الإيراني فيشير إلى أن الإيرانيين يمتلكون بالإمارات استثمارات وأصولاً تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار، ويشهد قطاع الطيران حركة نشيطة بين البلدين، حيث توجد بينهما أكثر من 100 رحلة أسبوعيًا.

قل عن دافيد واينبيرغ، الزميل المخضرم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الشهر الماضي أن الإمارات “تشعر بالانتشاء” تجاه مقاربة إدارة ترامب تجاه المنطقة

 

تقليل النفوذ السعودي ودعم ابن سلمان

الوثائق تقول إن اجتماعًا مرتقبًا خلال الشهر الحالي بين مسؤولين من الحكومة الإماراتية ومديري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المعروف ولائها للكيان الإسرائيلي، يتضمن تقييمًا مشتركًا للتغيرات التي حدثت في القيادة السعودية، ويشمل التقييم وفق ما ورد بجدول الأعمال المسرب إجراء تقييم مشترك للتغييرات في القيادة السعودية، ووضع خطة لدعم استقرار السعودية وإنجاح التوجهات الجديدة هناك.

التقييم السعودي لا يتوقف عند التغير في القيادة فحسب، بل تطرق إلى السياسات الداخلية بما فيها رؤية 2030، والسياسات الخارجية والتحديات الداخلية للسعودية، ودور المملكة في إزالة الشرعية عن الجهاد في العالم.

كما أن هناك تسريبات تحمل في طياتها اتهامًا واضحًا للمملكة بأنها دولة “غير معتدلة” وهو ما جاء في رسالة للعتيبة قال فيها: “دول كالأردن والإمارات هي ما تبقى من معسكر الاعتدال”.

خطابات متبادلة بين العتيبة والصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس، سعي من خلالها السفير الإماراتي لدعم ابن سلمان عن طريق بعض الموضوعات الصحفية

الواقع يقول إن الإمارات تسعى وبكل قوة إلى منافسة دور السعودية إقليميًا وتهيئة نفسها لتحل بديلاً لها بعد تراجع الدول المصري منذ عدة سنوات.

التقييم الإماراتي للسياسات الداخلية والخارجية السعودية مع شريكها الأمريكي يعكس رغبة أبناء زايد في بسط نفوذهم وتقديم أنفسهم لواشنطن كونهم الحليف البديل الجاهز لقيادة منظومة التحالف الأمريكي في الشرق الأوسط.

ويمكن الوقوف على مساعي الإمارات لتقليل نفوذ السعودية في المنطقة من خلال بعض الشواهد أبرزها الوضع في اليمن، حيث تخطط الإمارات لتفعيل سيناريو الانفصال والتقسيم إلى شمال وجنوب، لتحصل على القسم الجنوبي الذي يؤهلها لفرض سيطرتها الكاملة على ميناء عدن ومضيق باب المندب.

العديد من التقارير كشفت عن دعم أبناء زايد للحوثيين والرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح ونجله، وما كان لهذا الدعم من دور كبير في انقلاب الحوثي وتغير ملامح خارطة المشهد داخل اليمن.

التقارير أشارت أيضًا إلى وثيقة نشرها موقع ويكليكس عام 2008 أبدى فيها محمد بن زايد “احتقارًا للسعوديين”، مؤكدًا أنهم “ليسوا أصدقاءه” وأن هناك تاريخًا من “الصراع والدماء بينهم”، فضلاً عن وصفه لوزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بـ”القرد”، ولعل هذا ما يفسر منع السعودية أغلب حكام الإمارات حضور جنازة عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

أبناء زايد سعوا وبكل قوة إلى محاولة امتصاص الغضب السعودي جرّاء هذه التصريحات المسيئة مما دفعهم إلى استقطاب بعض أفراد الأسرة الحاكمة ليكون لهم داعمًا داخل الديوان الملكي فضلاً عن إمكانية تصعيده لعله يصبح الملك القادم، وهو ما كان بالفعل حيث دعم ولي ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان، الذي بدأ يسير هو الآخر في ركب أبناء زايد لا سيما فيما يتعلق بالتبعية للولايات المتحدة بصورة كبيرة، وهو ما يعيدنا إلى ما تقوله الوثائق مجددًا.

تسريبات تحمل في طياتها اتهامًا واضحًا للمملكة بأنها دولة “غير معتدلة” وهو ما جاء في رسالة للعتيبة قال فيها: “دول كالأردن والإمارات هي ما تبقى من معسكر الاعتدال”

الوثائق هنا تقول إن خطابات متبادلة بين العتيبة والصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس، سعي من خلالها السفير الإماراتي لدعم ابن سلمان عن طريق بعض الموضوعات الصحفية.

إحدى الرسائل المسربة كشفت إرسال الصحفي الأمريكي مقابلة له أجراها مع محمد بن سلمان في 20 من أبريل/نيسان الماضي للعتيبة، حيث كان الحوار الإلكتروني بين الطرفين في 21 من أبريل/نيسان، أي بعد يوم واحد من المقابلة، وهو ما يعني أن السفير الإماراتي من كان وراء إجراء هذه المقابلة بهدف تلميع ابن سلمان، فضلاً عن مقال آخر كان قد كتبه أغناتبوس في صحيفة “واشنطن بوست”، تناول فيه صعود الأمير محمد بن سلمان.

دعم الانقلاب في مصر

الوثائق تقول إن العتيبة ضغط وبقوة على البيت الأبيض من أجل دعم مبارك في بداية ثورة يناير 2011، إلا أن جهوده باءت بالفشل، وفي الثالث من يوليو 2013 بعد أن أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، سعى العتيبة لممارسة الضغط من خلال مسؤولين سابقين في إدارة بوش مثل ستيفين هادلي – والذي يعمل الآن مستشارًا في رايس هارلي غيتس -وجوشوا بولتن لتمرير وجهة نظره عن مصر والربيع العربي بشكل عام، حينها قال متحسرًا: “بلاد مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة هي آخر الصامدين ضمن معسكر الاعتدال، لقد صاعد الربيع العربي من التطرف على حساب الاعتدال والتسامح”.

كما عبر عن سعادته عقب إسقاط مرسي بقوله: “الحالة اليوم في مصر تمثل ثورة ثانية، أعداد الناس في الشوارع اليوم تفوق أعدادهم في يناير 2011، هذا ليس انقلابًا، وإنما هذه الثورة رقم 2، إنما يكون الانقلاب حينما يفرض العسكر إرادتهم على الناس بالقوة، أما اليوم، فالعسكر يستجيب لرغبات الشعب”.

الواقع هنا يقول إن الإمارات كانت من ألد أعداء الثورة، بل كانت أحد أبرز أضلاع الانقلاب العسكري في مصر، وأحد المتربصين بنظام حكم الإخوان والساعين لإسقاطه بشتى السبل.

ويمكن الوقوف على هذه الجزئية من خلال حجم الدعم الذي قدمه أبناء زايد للسيسي بعد الانقلاب، بداية من المنحة الأولية التي بلغت قيمتها مليار دولار، ثم وديعة بقيمة ملياري دولار، وبعد ذلك 4.99 مليار دولار لإقامة مشاريع خدمية، إضافة إلى تمويل شراء كميات من الوقود لتأمين احتياجات مصر من الطاقة حتى 2015، كما قدم تمويل مبادرات ومشاريع متنوعة بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فوفقًا للبنك المركزي المصري تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول من حيث الاستثمارات العربية المباشرة الموجودة في مصر، بقيمة 401.2 مليون دولار، وبحسب مسؤولين إماراتيين فإن بلادهم قدمت لمصر أكثر من 14 مليار دولار حتى 2015.

كما دعمت الإمارات الثورة المضادة التي استهدفت من خلالها وأد ثورة يناير وتبعاتها، حيث أغدقت الأموال على حركة “تمرد” التي قادت حملة توقيعات لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين، كذلك دعم الأمن المصري بالأسلحة والذخيرة التي تتصدى بها لأي مظاهرات احتجاجية ضد الانقلاب.

العتيبة عقب إسقاط مرسي قال: “الحالة اليوم في مصر تمثل ثورة ثانية، أعداد الناس في الشوارع اليوم تفوق أعدادهم في يناير 2011، هذا ليس انقلاباً”.

التورط في محاولة الانقلاب التركي

الوثائق تقول إن هناك علاقة بين الإمارات ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ففي رسالة بعث بها كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جون حنا، للسفير الإماراتي في واشنطن اتهم فيها مؤسسته بالتعاون مع الإمارات بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والتي جرت في تموز/يوليو الماضي، وقال حنا مازحًا في الرسالة نفسها، “نتشرف أننا شركاء معكم”.

أما الواقع فيقول إن كثيرًا من أصابع الاتهام وجهت للإمارات بشأن تورطها في محاولة الانقلاب، من خلال الكشف عن التعاون الذي جرى بين حكومة أبو ظبي ومُدبري الانقلاب في تركيا، بوساطة محمد دحلان، الذي عمل كحلقة وصل بينهم وبين رجل الدين التركي المقيم في أمريكا، وذلك قبل أسابيع من المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وحسب المصادر فإنّ دحلان حول أموال إلى مدبري الانقلاب في تركيا، وتواصل قبل أسابيع مع فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، وذلك عن طريق رجل أعمال فلسطيني يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ هوية هذا الرجل الفلسطيني، المُقرّب من دحلان، معروفة لدى الاستخبارات التركية.

وفي سياق متصل يكشف نوايا الإمارات السيئة حيال ما حدث في تركيا، سارعت وسائل الإعلام الإماراتية أو التي تتخذ من أبو ظبي مقرًا لها مثل العربية وسكاي نيوز، إلى بث أخبار تفيد بنجاح الانقلاب في تركيا وقدرة الجيش على الإطاحة بأردوغان وحزبه، بل وصل الأمر إلى الحديث عن هروبه خارج البلاد وطلبه اللجوء إلى ألمانيا.

في رسالة بعث بها كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جون حنا، للسفير الإماراتي في واشنطن، اتهم مؤسسته بجانب الإمارات بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.

كل شيء قابل للشراء

منذ الوهلة الأولى التي طفت فيها فقاعات هذه التسريبات على السطح بات من المسلم به يقينًا أن المال والنفوذ من الممكن أن يشتروا كل شيء وأي شيء لتحقيق أي هدف في أي وقت دون أدنى اعتبار لأخلاقيات سياسية أو قوانين دولية، وكما يقول المثل الإنجليزي: “money talks” أو “المال يتحدث” باللغة العربية.

فحين تنجح الإمارات في شراء ضمائر وتغيير توجهات وقلب سياسات ومواقف بعض الشخصيات بحجم وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، أو رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، ناهيك عن مراكز الأبحاث والدراسات فضلا ًعن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم من أجل تنفيذ توجهات حكامها الساعية إلى مد نفوذهم الإقليمي بأي ثمن، فهذا أسوأ ما فضحته تلك التسريبات.

ومن ثم فقد أيقن أبناء زايد أن المال هو العصا السحرية التي تحقق لهم مآربهم مهما كانت إمكانياتهم الجغرافية والسياسية متواضعة، وهو ما مهد الطريق لدولة صغيرة وسط الصحراء أن تعبث بخارطة المنطقة بأكملها، لتعيد ملامحها من جديد تبعًا لرغبات ونزوات ولي عهدها محمد بن زايد أو MBZ كما يلقب في مراسلات العتيبة المسربة.

وهكذا يتضح أن العينة الأولى من التسريبات التي أفصحت عنها صحيفة “ذي انترسبت” الأمريكية للسفير الإماراتي في واشنطن، نجحت في الكشف عن أبعاد المخطط الإماراتي بصورة كبيرة، ولا زال الجميع في انتظار العينة الثانية التي من المتوقع أن تشمل دولاً وقضايا إقليمية أخرى في إطار مواصلة أبناء زايد مخططهم الإقليمي.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق