مخدّرات واغتيالات وفضائح: «الوجه الآخر» لحزب الله في لبنان

4 يونيو 2017
مقاتلون من «حزب الله» اللبناني
مقاتلون من «حزب الله» اللبناني

لطالما تمتع حزب الله اللبناني، ولاسيما قبل تدخله في الثورة السورية، بسمعة طيبة لا تشوبها شائبة كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، حيث اجتذب الحزب تأييدًا جماهيريًا واسعًا في العالم العربي والإسلامي ولاسيما أثناء حربه مع إسرائيل خلال عام 2006.

خلال ذلك التأييد الحار والعاطفي للحزب، تجاهل الكثيرون في العالم العربي العديد من الاتهامات التي وجهت للحزب، بدءًا من اتهامه بالمشاركة في عملية اغتيال رفيق الحريري، وليس انتهاءً بتورطه في أنشطة التجارة الدولية للمخدرات.

كثير من تلك الاتهامات تبدو ربما اليوم بأثر رجعي منطقية في عين الكثيرين، ولاسيما في ضوء المعطيات التي توافرت الآن، و لاسيما كذلك بعد انحسار تلك الهالة التي لفت الحزب خلال حروبه مع إسرائيل، بعد تورطه في المستنقع السوري.

لتلك الأسباب وغيرها تبدو اليوم بعض تلك الاتهامات بحاجة إلى إعادة التأمل، لفهم الأوجه المتعددة لذلك الحزب الذي استدارت فوهة بندقيته من إسرائيل إلى صدور اللبنانيين في الـ 7 من مايو/ أيار 2008، حين سيطر حزب الله على بيروت بقوة السلاح، والتي استدارت مرة أخرى لتتوجه إلى السوريين بعد اندلاع الثورة.

 

هل تورط حزب الله بالفعل في اغتيال رفيق الحريري؟

كان من المعروف قبل حادثة اغتيال رفيق الحريري في الـ14 من فبراير/ شباط 2005، أن للأخير خلافاته في تلك الفترة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك إثر مطالبته النظام السوري بسحب قواته العسكرية من لبنان. لذلك كان أول المشتبه بهم في تنفيذ حادث اغتيال هو المؤسسة العسكرية والاستخباراتية السورية وأذرعها في لبنان.

بعد الحادث بعدة سنوات، نشرت مجلة دير شبيغل تحقيقًا موثقًا فاجأ الجميع وقتها، حيث قدم رواية أخرى مختلفة حول كواليس عملية الاغتيال، إذ أشار التحقيق إلى أن الجهة المنفذة لحادث الاغتيال هي قوة خاصة تابعة لحزب الله.

بعد ذلك التحقيق المنشور بحوالي العام، أصدرت لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 20055 طلب استجواب ستة من أعضاء حزب الله بشأن جريمة الاغتيال.

وهو ما اعتبره الكثيرون تعزيزًا للاتهامات التي وجهها تحقيق دير شبيغل الذي استند بالأساس كما ذكرت المجلة إلى مصادر مقربة من المحكمة الدولية في قضية اغتيال الحريري.

في مطلع العام 2014 تمكنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بعد ما يقارب التسع سنوات من تاريخ اغتيال الحريري، من تحديد أسماء المتهمين وعدد المشاركين في عملية الاغتيال التي شهدها لبنان في فبراير/ شباط 20055، وبدأت جلسات المحاكمة الغيابية لعناصر حزب الله الخمسة المتهمين بالاغتيال.

كان الخمسة هم مصطفى بدر الدين صهر عماد مغنية، وسليم عياش، وحسين حسن عنيسي، وأسد صبرا، أما المتهم الخامس حسن مرعي فسيحضر موكله بصفة مراقب.

من الأدلة التي استندت عليها تحقيقات اللجنة الدولية، تلك الأدلة التي قدمها الرائد وسام عيد 25- اغتيل في يناير/ كانون الثاني 20088- :، حيث عمد الأخير اإى دراسة الاتصالات الهاتفية التي جرت بواسطة كل الهواتف النقالة التي استخدمت في محيط فندق سان جورج حيث استهدف موكب الحريري.

وقد توصل عيد إلى وجود شبكة هواتف استخدمها المنفذون، ثم توصل إلى وجود صلة مع خط ثابت في مستشفى لحزب الله في جنوب بيروت ومجموعة هواتف نقالة يستخدمها الحزب.

 

الازدواجية السلوكية والأخلاقية لقادة الحزب

رغم الطبيعة الدينية والمذهبية التي يتسم بها الخطاب والبنية التنظيمية لحزب الله في لبنان، إلا أن سمات حياة أحد أهم قادته العسكريين، التي تم الكشف عنها مؤخرًا، تختلف ربما جذريًا عن ذلك الخطاب، وهنا نحن نتحدث تحديدًا عن ما تم تواتر تداوله عن مصطفى بدر الدين، الرجل الثاني في حزب الله وخليفة القائد العسكري للحزب عماد مغنية وابن عمه وشقيق زوجته.

يعرف مصطفى بدر الدين أمين بعدة أسماء مستعارة أيضًا كإلياس فؤاد صعب وسامي عيسى، حيث توصلت المحكمة الدولية إلى أن بدر الدين هو نفسه مالك سلسلة من محلات الصاغة والمجوهرات في بيروت مسجلة باسم سامي عيسى، وشقة في جونية شمال بيروت مسجلة باسم شخص آخر، ويخت مسجل أيضًا باسم رجل آخر، ويمتلك سيارة مرسيدس ثمينة، مسجلة هي أيضًا باسم شخص آخر.

تصف المصادر بدر الدين بأنه زير نساء، حيث شوهد مرارًا في المطاعم والمقاهي مع أصدقائه.

بحسب صحيفة Welt الألمانية، كان بدر الدين يملك سيارات رياضية باهظة الثمن وشقة فاخرة تطل على الميناء، بالإضافة إلى حوالي 200 عشيقة. وبغية اصطياد المزيد من العشيقات، كان بدر الدين يمول مسابقة ملكة جمال لبنان عن طريق محلات «سامينو» للمجوهرات.

 

المصادر والأنشطة التمويلية السرية لحزب الله في لبنان

في غياب أرقام دقيقة لـميزانية حزب الله الدقيق للمبالغ، تتحدث التكهنات المتداولة التي تستند في معظمها على التقارير الأميركية في هذا الإطار، عن ميزانية أولية تبلغ مائتي مليون دولار تصله سنويًا من إيران، يوزّعه بين رواتب لمقاتليه ومصاريف لقيادته والمساعدات العائدة لعائلات قتلاه وجرحاه.

إلا أن مصادر أخرى تشير أن هذا الرقم كان معتمدًا قبل عام 2005، لكنه زاد بعد اغتيال رفيق الحريري (رئيس حكومة لبنان الأسبق) وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، ليصل إلى 8500 مليون دولار، ثم تحولت ميزانية «حزب الله» بعد دخوله الحرب السورية إلى ميزانية مفتوحة.

بجانب التمويل المباشر من طهران، يعتمد الحزب كما تشير العديد من المصادر على مصادر تمويل ذاتية. في هذا السياق أدلى الأدميرال جيمس جي. ستافريديز، القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، في أوائل عام 2009، بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة التابعة للكونجرس الأميركي.

حيث قال ستافريديز بأنه في أغسطس 2008، قامت القيادة الجنوبية الأميركية وإدارة مكافحة المخدرات بالتنسيق مع الدول المضيفة لاستهداف عصابة لتهريب المخدرات، وصفها بأنها تابعة لحزب الله في منطقة الحدود الثلاثية التي تَشمَل الأرجنتين والباراغواي، والبرازيل. كما قام المحققون الأميركيون والكولومبيون في أواخر عام 2008 بتحديد وتفكيك عصابة دولية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال مقرها في كولومبيا.

بحسب الاتهامات الأميركيّة أيضًا فإن البنك اللبناني الكندي يقوم بتمويل شراء سلع استهلاكية وبضائع من الصين، تُصدّر إلى أميركا الجنوبية، ويستخدم العائد المالي لها لشراء مخدرات هناك، ويقوم تجار المخدرات بتصديرها من أميركا الجنوبية إلى إفريقيا، ومن إفريقيا يُصدر جزء إلى أوروبا.

بالتزامن مع ذلك بحسب تلك الاتهامات يقوم البنك اللبناني الكندي بتمويل شراء سيارات مستعملة من الولايات المتحدة ويصدرها إلى إفريقيا ليستعمل عائد ربحها لغسيل المال من المخدرات، وتحوّل المبالغ المخلوطة من ربح المخدرات وربح تجارة السيارات إلى لبنان عبر شركات الصرافة.

في يونيو 2005 ألقت الشرطة الإكوادورية القبض على شبكة تهريب مخدرات، على رأسها اللبناني راضي زعيتر، الذي يدير مطعمًا في العاصمة كويتو، وبحسب تحقيقات السلطات هناك فإن عصابة زعيتر تمول حزب الله بـ70% من أرباحها من تجارة المخدرات.

وفي 2009، أعلنت السلطات الهولندية القبض على خلية مكونة من 17 فردًا ينتمون لشبكة دولية لتجارة المخدرات على صلة بحزب الله، وأعلنت السلطات اشتباهها في أن هذه الخلية متورطة في الاتجار بنحو 20000 كلغ من الكوكايين خلال عام واحد.

في العام نفسه، ألقت السلطات الألمانية القبض على لبنانيين متهمين بتهريب أموال إلى لبنان تتصل بأنشطة الاتجار في المخدرات. ووفقًا لما نشرته حينها مجلة (دير شبيغيل) الألمانية، فقد كشفت التحقيقات عن تلقي الشخصين تدريبات خاصة في قواعد عسكرية تابعة لحزب الله في لبنان.

في العام 2011، ظهر تاجر المخدرات الكولومبي وليد مقلد على شاشة التلفزيون الكولومبي ليتناول تصنيع والاتجار بالمخدرات الذي يمتهنه حزب الله في فنزويلا، بالتعاون مع مجموعات شبه عسكرية أخرى كمنظمة الفارك FARCC الكولومبية المعارضة وبتسهيلات من النظام هناك.

تصاعدت في الأيام الماضية أيضًا الاتهامات لحزب الله مجددًا بالتورط في أنشطة تجارة في المخدرات، حيث اعترف بالأمس على لبناني له صلة بالحزب، يدعى جوزيف أسمر، بضلوعه في تنفيذ مخطط لغسيل أموال مخدرات أمام محكمة اتحادية في بروكلين بنيويورك.

و قد تم توجيه الاتهام لأسمر بعد نصب فخ للقبض عليه متلبسًا مع سيدة الأعمال اللبنانية إيمان القبيسي في عملية استمرت عامين التقيا خلالهما بضابط من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية على أنه تاجر مخدرات.

*إضاءات

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق