مساء يوم السبت الماضي، الموافق الأول من شهر سبتمر/ أيلول 2018م، بدأت ملامح تفجر أزمة جديدة في العاصمة المؤقتة عدن. وذلك بالتزامن مع الأنباء المتسارعة عن انهيار جديد في قيمة العملة الوطنية.
الاحتجاجات التي ابتدأت بمظاهرات صغيرة الحجم وإحراق محدود للإطارات، تغيرت جذرياً في اليوم التالي، لتعلن دخول عدد من أهم المحافظات المحررة في دوامة احتجاجات واسعة وشاملة، ومنها عدن وحضرموت ولحج والضالع.
ومنذ صباح يوم الأحد فوجئ السكان في تلك المحافظات بانتشار المئات من مناصري المجلس الانفصالي في غالبية الطرقات الرئيسية في المدن، حيث قاموا بقطع الطرق وإحراق الإطارات، وعرقلة حركة المواطنين وإقلاق السكينة العامة. الحركة الاحتجاجية التي خُطط لأن تبدو وكأنها حركة شعبية إزاء تدهور أسعار العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، فشلت في إخفاء هوية من يقف وراءها ومن يضرم نيرانها. حيث رُفعت وسط تلك النيران أعلام الانفصال، ورُددت هتافات تناصر المجلس الانفصالي المدعوم إماراتياً، وتطالب بالانقلاب على الحكومة الشرعية.
وعلى عكس المتوقع، لم تنجح تلك الفعاليات في جذب التأييد الشعبي الى صفها، برغم الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعصف بالبلاد، حيث شعر المواطنون باستغلال قيادات المجلس الانفصالي لأوجاعهم في معركتها ضد الشرعية، وشبقها الكبير نحو السلطة؛ فظلت تلك الاحتجاجات صغيرة ومحصورة على مجاميع المجلس الانفصالي، التي تخرج صبيحة كل يوم ومعها عشرات الإطارات الى الطرقات العامة وتبدأ بممارسة مهمتها في إقلاق السكينة العامة، وإشعال النيران.
مراقبون ضالعون في الشأن المحلي اتهموا الإمارات بدعم تلك الاحتجاجات، والإيعاز للمجلس الانفصالي باستغلال الأزمة في خلق غضب شعبي قد يتوسع الى ثورة تطيح بالسلطة الشرعية.
وأشاروا الى مقاطع الفيديو التي تم التقاطها من تلك الاحتجاجات، حيث يظهر في أحدها موكب مدير أمن عدن شلال شائع، وهو أحد أدوات أبوظبي، ماراً من إحدى الجولات التي قطعها المحتجون. قبل أن يهب المحتجون مهللين بشلال شائع، ويفتحوا الطريق له فوراً، ثم ما لبث أن غادر المكان حتى أعاد المحتجون قطعها على عامة السكان. هذا بالإضافة الى التصريحات النارية التي أدلى بها قادة “الإنفصالي” والتي دعت الى إسقاط “الشرعية”.
واعتادت الشرعية على استغلال الإمارات كل شاردة وواردة في محاولة حثيثة منها لتفجير الوضع ضد السلطة القائمة، لكن الشرعية خرجت في كل اختبار – حتى الآن – منتصرة في جميع معاركها ضد أبوظبي، مستعينة بالسياسات المعتدلة والمتوازنة التي تتخذها المملكة العربية السعودية، ودعمها اللامحدود لها.
*الإمارات تضيق ذرعاً بالسياسات السعودية المساندة للشرعية في اليمن*
الخيبات الإماراتية المتوالية في معركتها ضد الشرعية أخذت منحىً أكثر دراماتيكية مؤخراً. ولأول مرة منذ إعلان تشكيل التحالف العربي، أقدمت الإمارات على تشويه الدور السعودي في اليمن، حيث نظم المجلس الإنفصالي الممول من أبوظبي فعالية احتجاجية في مدينة ردفان بمحافظة لحج يوم الثلاثاء، ردد فيها أنصار المجلس الإنفصالي شعارات تهاجم العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وتتهمه بشكل صريح بالوقوف وراء تدهور الاقتصاد اليمني، وهو ما وثقته عدسات الكاميرا.
ويرى سياسيون أن المشاهد الاحتجاجية القادمة من ردفان تعد بمثابة أول صرخة احتجاج إماراتية ضد سياسات المملكة التي تواصل دعم السلطات الشرعية، ما تسبب في تبدد مساعي أبوظبي للسيطرة على المشهد اليمني.
وعلى مدى أربع سنوات من القتال ضد جماعة الحوثيين، كبحت المملكة العربية السعودية جماح الإمارات في عدد من المواطن، لم يكن أولها إفشال الانقلاب العسكري الذي قادته الإمارات ونفذه المجلس الانفصالي في عدن مطلع يناير 2017م.
السعودية واصلت وبأسلوب سياسي متسم بالدبلوماسية إفشال خطط الإمارات، فأجبرتها على إخلاء جزيرة سقطرى من تواجدها العسكري، بعد أن كادت تندلع صدامات مسلحة بينها وبين السلطة الشرعية في شهر مايو من نفس العام.
ومؤخراً دعمت السعودية الاقتصاد الوطني بمبلغ ملياري دولار كوديعة في البنك المركزي بعدن، قبل أن تزيد من وتيرة الدعم عبر القرار التاريخي للعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز بتكفل المملكة نفقات تشغيل الكهرباء في اليمن وبقيمة (60 ) مليون دولار شهريا على مدار الساعة ، لتحل معضلة النفقات الباهضة التي كانت تدفعها الحكومة لتغطية احتياجات المدن من الكهرباء.
كل ذلك حدا بالإمارات – بحسب مراقبين – الى الإيعاز لأدواتها للبدء بالإساءة للملكة العربية السعودية ومواقفها المساندة لليمن وسلطته الشرعية.
*حلم الاستحواذ على اليمن.. هاجس بن زايد الأكبر*
تتسم سياسات أبوظبي في اليمن، ومشاركتها في التحالف العربي، بانطلاقها من دوافع استعمارية وأحلام بالنفوذ في البلاد، مستغلة تردي المشهد السياسي، والانقسام الحاد في النسيج الوطني المقاوم لمشاريعها.
واستثمرت الإمارات وعلى طول أمد الحرب في خلق تشكيلات ومليشيات عسكرية موالية لها، خارج إطار السلطة الشرعية، ومنها ما يعرف بقوات الحزام الأمني وقوات النخبة، و تولت مهمة تدريبها وتسليحها لتكون بمثابة بندقيتها في اليمن.
كما لم تنسَ الإمارات أهمية وجود فصيل سياسي لإكساب تحركاتها العسكرية المشروعية اللازمة، فأنشأت ما يعرف بـ “المجلس الانتقالي” من قيادات أقالتها السلطة الشرعية بتهم الفساد.
كل تلك التحركات قادها محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
ويرى سياسيون أن اشتراك الإمارات في التحالف العربي لم يكن ليصبح بمثل هذا الزخم لولا رغبة أبوظبي في فرض نفوذها في اليمن، صاحبة الموقع الاستراتيجي الأهم في منطقة شبه الجزيرة العربية، متهمين إياها بأن تحركاتها العسكرية ضد الحوثيين مجرد اضطرار ثانوي في إطار استكمال مشروع الهيمنة الأكبر على البلاد.
ويدللون على ذلك بخارطة الفتوحات العسكرية التي قادتها الإمارات في اليمن، حيث انطلقت على طول الشريط الساحلي للبلاد جنوباً، لتصل حالياً الى جنوب مدينة الحديدة غرباً، مستحوذة في طريقها على أهم المنافذ والموانئ البحرية اليمنية وعلى رأسها ميناء عدن.
وبالنظر الى طبيعة التواجد الإماراتي الراهن في اليمن، تمتلك أبوظبي نفوذاً لا يستهان به في المشهد السياسي والعسكري جنوب البلاد، إلا أنها كذلك تواجه أخطاراً قد تودي بكافة مشاريعها، ومنها تزايد الوعي الشعبي إزاء سياساتها الاستعمارية، وكذا معاناتها المريرة جراء ملف مثقل باتهامات دولية قوية اللهجة موجهة نوحها لتورطها في جرائم جسيمة للإنسانية بحق آلاف من المدنيين والمعتقلين في مناطق نفوذها داخل اليمن.